أوراق قوتها تتآكل تدريجياً، حتى باتت وحيدة تحارب بكل قوة للحفاظ على موقعها، الذي يواجه تحديات متعاظمة، قد لا تجد لها العائلة الحاكمة حلولاً جذرية، تعيد لبلاد نجد والأحساء وجبل شمر وعسير وتهامة والحجاز استقرارها وأمنها.
السعودية اليوم بثنائيتها الوهابية والسعودية، تقارب ملفاتها بقليل من الدبلوماسية، بكثير من الإستقواء، فلا الامتناع عن القاء الكلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا رفض عضوية مجلس الأمن، أعادا للدبلوماسية السعودية تعقلها، حتى باتت محل تهكم دبلوماسيين تحدثوا لوكالات الأنباء بسخرية من القرارات الأخيرة للرياض على مستوى الاممي.
الازمة السورية كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقول المثل العربي، فالتدخل في هذا البلد، لم يحقق النتائج التي كانت تسعى اليها المملكة.
راهنت على سقوط الدولة السورية، وأعطت حلفاءها الضوء الأخضر للتحرك هناك، لكن الرياح عصفت، والأحوال تبدلت، وفشلت الأدوات في مهمتها، ودخلت السعودية بشكل مباشر.
تصدي أمراء السعودية للملف السوري، حُدد بمهلة زمنية أميركية المصالح، تحدثت عنها تقارير إعلامية ودبلوماسية متنوعة... حتى انقضى الوقت، وأثبتت تطورات الميدان تفوق الجيش السوري وتوحده، وتراجع الجماعات المسلحة وتشتتها، فيما لعبة الشطرنج الدولية، حاصرت الملك، وأبعدت عنه الأعوان.
انتقام السعودية
خبر اتصال الرئيس الأميركي باراك أوباما بنظيره الإيراني الشيخ حسن روحاني أغضب السعوديين، والانفراجات على صعيد الملف النووي الإيراني زادت الرياض قلقاً من الأيام القادمة، يقول المحلل السياسي فيصل عبد الساتر: أن الاستدارة في السياسة الأميركية شكَّل نقطة ازعاج كبيرة، ورفع من منسوب الخوف لدى القيادة السعودية، من ان ايران استطاعت ان تفرض نفسها كقوة أساسية في المنطقة، وأن كل السياسات طيلة الثلاثين سنة الماضية لم تستطع أن تلوي الذراع الإيرانية.
وهنا مُنيت السياسة السعودية بصدمة على المستوى الاستراتيجي، فهي التي ذهبت بعيداً طيلة العشر سنوات الأخيرة في التحريض على إيران، وبرأي فيصل عبد الساتر، فان الرياض جعلت من ايران الدولة العدوة الوحيدة لدول الخليج [الفارسي العربية]، وأنَّ الإدارة الأميركية هي التي كانت تأمر بمثل هكذا خطاب، وكانت السعودية مؤتمنة على تنفيذ تلك السياسات.
غير أن الرياض تدرك أنَّ تطورات الملف النوي الإيراني يحتاج إلى وقت طويل للتبلور بصيغته النهائية، فكان الميدان السوري مسرحاً لإبراز الذات، وللفت نظر الإدارة الأميركية إلى أخذ مصالح السعودية بعين الإعتبار، وهنا تريد الرياض مزيداً من الوقت لإحداث اختراق عسكري ما، فكان تأسيس جيش الإسلام بقيادة زهران علوش(رجل بندر بن سلطان في ريف دمشق، وآخر أوراقه)، وتسعى السعودية لهذه الغاية إلى تأخير انعقاد مؤتمر جنيف - 2 على الرغم من أنه لم يتم تحديد موعدا رسمياً له.
وقال عبد الساتر: إن السعودية في الوقت الراهن تنتقم بقراراتها، أكثر من مجرد التعبير عن الاستياء أو الإمتعاض، وتعرف كغيرها أن الولايات المتحدة يمكن أن تتخلى في أي لحظة عن أي حليف.
وتتحرك السعودية في مقاربتها للأزمة السورية من الإحباط الكبير الذي شعرت فيه بعدما تراجعت أميركا عن العدوان على سوريا، ودمَّر هذا الموقف كل الأحلام السعودية بإسقاط القيادة السورية، ما دفعها إلى الإمساك بزمام المبادرة لتحقيق ما كانت تصبو إليه بيدها، عبر دعم الجماعات المتشددة بشتى ألوانها، بهدف تسعير الحرب واشعالها، وهي تفشل بذلك التعهد الأميركي لروسيا بحل سياسي في جنيف، وإحضار المعارضة إلى هذا المؤتمر الدولي.
ويشار هنا، إلى أن أميركا بحاجة إلى نسج خريطة جديدة لمصالحها العالمية في ظل أزماتها الداخلية المالية والإقتصادية، وتسعى إلى التعاون مع روسيا ومجموعة البريكس، لما تشكله من وزن فاعل ومؤثر على الصعيد الإقتصادي والمالي في العالم، وقد تتخلى عن السعودية في حال استمرت في معاندة الإرادة الأميركية، وهذا ما تدركه جيدا العائلة الحاكمة في الرياض.
وسوريا ليست الملف الوحيد الذي وتر العلاقات وأزّمها، بل كانت الرافعة التي أظهرت التباين بين الطرفين، حيث كان الموقف الأميركي من الأحداث الأخيرة في مصر أحد أبرز النقاط التي وسعت الفجوة، نظراً للمعارضة الشديدة التى أبدتها السعودية من تولي الإخوان المسلمين الحكم هناك، ودعمها لحركة 30 يونيو، وحكومة عبد الفتاح السيسي، بالإضافة لإعلانها تعويض أي نقص قد يتسبب فيه قطع المعونة الأمريكية عن مصر.
كما أن النفط كان هو الآخر سبباً في تعميق الخلاف، مع سعي الولايات المتحدة إلى الإنتاج والاعتماد على مصادر الطاقة الخاصة بها، وتقليل استيراد النفط ومشتقاته من الشرق الأوسط، بحسب تقارير إعلامية أجنبية.
هل تصل العلاقات الأميركية - السعودية إلى مرحلة القطيعة؟
التوترات السائدة في العلاقات الأميركية - السعودية، وما يُتخذ من مواقف يبدو للوهلة الأولى وكأنه صراع، وأن السعودية لم تعد الوكيل الحصري لتنفيذ السياسة الأميركية بحسب عبد الساتر، ولفت إلى أن الحديث عن افتراق بين الحليفين ليس أمراً دقيقاً إلى هذا المستوى، غير أن جملة من المؤشرات خصوصاً ما نقل عن الأمير بندر بن سلطان بأن المملكة ستحد من التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية، تطرح العديد من التساؤلات حول مدى جدوى علاقة التحالف المميزة بين الجانبين بالنسبة إلى واشنطن.
والقيادة في السعودية باتت هرمة، وأعين الكثير من ما يسمى بـ "الجيل الثاني" في آل سعود على السلطة، والكل يتحضر للإنقضاض على السلطة، والخلاف بنظر عبد الساتر بين الجيل الأول والثاني بدأ يكبر، لأن منافع السلطة في المملكة الغنية كبيرة، لدرجة أن لا أحد مستعد لان يزهد فيها، وهذا بدوره يدفع بالقيادة الحالية إلى تبني سياسة متشددة تفتقر إلى الدبلوماسية في بعض الأحيان.
وليس من الواضح إلى أين تتجه السياسة السعودية في ظل متغيرات دولية وإقليمية عديدة، باتت فيها المملكة مجرد طرف، بعدما كانت قوة فاعلة جدا، وتمر من أروقتها معظم السياسيات الغربية الخاصة بالمنطقة، قد تم تجاهلتها مؤخراً في جملة من الأحداث، جعلت من السعودية متفرجاً ، وليس صانعاً أو حتى مؤثرا في هذه الاحداث.
احمد فرحات ومحمد علوش/ المنار