'رأيت في ليلة واحدة بأم عيني قطارا جويا من 17 طائرة بلا علامات تعريف'، يقول شاهد عيان يسكن في العقبة. 'وكانت تلك طائرات قديمة ولا يعلم أحد من الطيارين، وحُملت المعدات على شاحنات محكمة الاغلاق عمداً بحيث لا يمكن أن يتم التعرف حتى على رقم حاويات المعدات المحملة'.
إن القاعدة الاولى وهي قاعدة لقوات المشاة الاردنية باسم الملك عبد الله الثاني، تُستعمل موقع تدريب لـ 'القوات الخاصة' وهي الوحدة المختارة في الجيش الاردني التي توازي دورية هيئة القيادة العامة عندنا.
ويتدربون هناك على سلاح خفيف ويُعدون الجالين من سوريا لمواجهات عسكرية مع الجيش السوري ومع شبيحة بشار الاسد على الخصوص.
وتقع الثانية وهي قاعدة سلاح الجو 'المفرق' في شمال شرق المملكة في مثلث الحدود بين الاردن وسوريا والعراق فيمكن بذلك الدخول بسهولة الى الدولتين من الجو والبر ايضا.
وتجري التدريبات هناك على سلاح دقيق وصواريخ كتف استعدادا لآخر ايام حكم الاسد في دمشق. ترمي سلسلة من الحواجز الامنية الى إبعاد الفضوليين والصحفيين عن المعسكرين اللذين أُنشئ في وسطهما قواعد التدريبات السرية. 'كان يمكن تقصير مسار نقل الحاويات السرية بإهباط الطائرات في المطار العسكري ماركا قرب عمان'، يقول خبير عسكري اردني. 'لكن الفكرة رُفضت رفضا باتا. وبذلوا جهدا كبيرا من قبلنا للحفاظ قدر المستطاع على تنفيذ سري'.
لم يعرف العالم الواسع ايضا بوجود هذه القواعد الى ان كشفت عنها هذا الاسبوع صحيفة 'الغارديان' البريطانية و'دير شبيغل' الالمانية قبل ان يُقلع رئيس الولايات المتحدة الى اسرائيل بقليل.
وكان مُسربو المعلومات ضباطا من 'جيش سوريا الحر'. وكان الكشف يرمي الى الضغط على اوباما في محاولة لجعله يعبر عن تأييد معلن لهم قبل ان يبدأ مجلس النواب الامريكي في واشنطن ماراثون مداولات في قضية تسليح المتمردين. في تشرين الاول الاخير فقط اضطر الامريكيون الى الاعتراف لأول مرة بأنهم يُجرون تدريبات عسكرية في الاردن لمواجهة خطر السلاح الكيميائي الذي قد يتسرب من سوريا.
بيد أنه يتبين الآن أنه لم يُشرك في مواقع التدريب العسكرية جنود اردنيون فقط بل المنشقون من سوريا ايضا الذين فروا من الجيش السوري.
'إن تصريح الملك عبد الله الذي قال إن علاقاته بنتنياهو قويت جدا لم يولد بالصدفة'، يكشف لي ذلك مسؤول كبير في المعارضة السورية. وكتب الصحفي الامريكي جيفري غولدبرغ هذا الاسبوع أن عناصر في "اسرائيل" والاردن يقولون ان طائرات اسرائيلية بلا طيارين تطير على طول الحدود مع سوريا بموافقة الاردنيين. وزعم المسؤول السوري الكبير من المعارضة على مسامعي أن 'المعلومات التي تُجمع تُقسم بين الدولتين'.
وسُرب ايضا مع وجود المعسكرات السرية مشاركة 'مستشاري أمن ذوي خبرة' من شركات حراسة أجنبية وحقيقة أنها حظيت بموطئ قدم في المنشأة الأكثر حراسة. واختارت وزارتا الدفاع والخارجية في واشنطن وفي باريس ولندن 'عدم الرد'، وأصر الامريكيون على أنهم 'يساعدون المتمردين بالغذاء والدواء' فقط. وزعم الاردنيون في البداية أن الحديث عن 'تدريبات إرشاد للعناية باللاجئين السوريين'، لكنهم تحولوا في نهاية الامر ايضا الى 'عدم الرد'.
وتصدر عن عنصر أمني رفيع المستوى جدا في الاردن رواية مختلفة: 'الحديث عن مرشدين من شركات حراسة خاصة يحصلون على استشارة ويُنسقون مع جهات استخبارية رسمية في ثلاث دول غربية. وهم يعملون في معسكرات التدريب السرية من اجل تحويل المبتدئين السوريين الى محاربين'. والهدف هو أن يُعدوا بسرعة 15 ألف جندي وضابط انشقوا عن الجيش السوري للانضمام الى المتمردين 'المعتدلين' واجراء قتال للاسد وللاسلاميين المتطرفين.
العالم العربي يُجند نفسه
حتى بعد أن زال غطاء السرية ما زال جزء كبير من التفصيلات عن المعسكرات السرية غير معروف. ومن نبأ نُشر هذا الاسبوع في الصحيفة اليومية الكرواتية 'يوتاري ليست' يمكن ان نستدل على أن البلاط السعودي وحكام إمارة قطر هم الذين ينفقون على الطائرات وشراء السلاح. والجزء الرئيسي منه يُهرب من ليبيا، ويُشترى جزء من أسواق السلاح العالمية ويُنقل أكثره عن طريق زاغرب عاصمة كرواتيا.
وتصاحب عيون امريكية بعثات المعدات الى أن توزع في داخل المعسكرين.
تجري التدريبات في المعسكرات السرية منذ نحو من سنة. ويجري على المبتدئين المقاتلين تفتيشات دخول ولقاءات شخصية دقيقة في محاولة للتحقق من ألا يتسرب الى الداخل عناصر اسلاميون متطرفون. وتستمر سلسلة التدريب كلها 45 يوما ولا يجوز في اثنائها للجنود الخروج من القاعدة ولا يجوز مع الضبط المتشدد المستعمل هناك التصوير أو التقاط صور تذكارية وتؤخذ الهواتف المحمولة وتكون المكالمات الهاتفية محدودة.
وتكشف تفصيلات جديدة وصلت الى 'يديعوت احرونوت' عن تعاون وثيق بين شركات حراسة مدنية، عملت في العراق مع سقوط صدام حسين، وبين مستشارين عسكريين من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
ويصعب أن نحدد مبلغ كون 'المرشدين' خاصين حقا وبعيدين عن الجهات الرسمية. ويرتدي المدربون ايضا مثل المبتدئين السوريين ملابس قتال وتنحصر التدريبات في استعمال السلاح الخفيف والمتوسط. والى الآن أنهى أكثر من 1200 جالٍ سوري فترة التدريب واجتاز ثلثهم فقط المركز الحدودي المخترق قرب درعا السورية الذي استولى عليه المتمردون ويحكمونه، وينتظر الباقون دورهم.
تتم الحركة هنا في مسارين متوازيين: ففي مسار دخول الاردن يتدفق في كل يوم مئات اللاجئين من سوريا وفي المسار العكسي وهو أقل يدخل المقاتلون ممن أنهوا دورة التدريبات وينضمون الى مجموعات المتمردين في المدن الكبيرة والذين يحددون لهم ما هي القوة التي ينضمون اليها في داخل سوريا هم المرشدون الاجانب في المعسكرات السرية والطريق الى هناك طويل مملوء بالأخطار على هيئة طائرات سلاح الجو السوري.
قبل سنتين بالضبط حينما نشبت في سوريا هبة شعبية على الاسد لأول مرة، أصر الملك عبد الله على عدم التدخل واتخاذ موقف. واهتم القصر في دمشق بنقل تحذيرات وتهديدات لعمان بل أرسل خلايا ارهاب مسلحة الى المملكة المجاورة كي يُبين كيف تستطيع ان تضعضع استقرار الحكم اذا تجرأ الاردن على تأييد المتمردين. 'بعد ان حصل الملك فقط على جبال من الوعود من اوباما استسلم لضغط السعودية والإمارات ووافق على إعمال المعسكرات السرية'، استعادوا هذا الاسبوع في صحيفة 'الوطن' ذلك التحول الحاد في القصر.
'حدث التغيير الأكبر عند الملك عبد الله قبل سنة'، يُبين محلل اردني كبير، 'إن ضغط تيار اللاجئين من سوريا الذين يزيد عددهم على 600 ألف، جعل مخيم الزعتري مركزا قابلا للانفجار. وقد هاج اللاجئون وماجوا وأحرقوا الخيام وأعلنوا اضرابا عن الطعام حينما تهربت دول عربية من الوفاء بوعود نقل المساعدة والأموال'. وفي ذلك الوقت استأجر اللاجئون الذين استطاعوا ان يرتبوا أمورهم في عمان شققا ودخلوا في شراكات اعمال وسببوا ارتفاعا كبيرا في السوق العقارية المحلية.
'إن ايام الاسد معدودة'، قال الملك عبد الله هذا الاسبوع وهو الذي فهم انه حان الوقت لتشديد كلامه ايضا. 'ما عاد من الممكن اعادة بناء مكانته في سوريا. والأمر أمر وقت فقط'. وأضاف بعد ذلك: 'أعارض إرسال جنود اردنيين الى سوريا'. ولم يقل متعمدا شيئا عن معارضته إعداد محاربين سوريين في داخل المملكة.
طلب ضباط كبار جلوا من سوريا ومنهم رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، طلبوا من عبد الله ان يُشركهم في النشاط الذي يتم في المعسكرات السرية. ونشأ بذلك وضع تلقى فيه حجاب، وهو ذو ماضٍ غني في اجهزة الاستخبارات السورية، أسماء المرشحين يرفضهم أو يُجيزهم ويُبلغ عن كل اجراءات استيعابهم وتصنيفهم.
وبدأت السعودية والإمارات ايضا تحرك في القِدر من وراء الستار وتحاولان التأثير فيما يجري في الاردن. ويتبين أن تركيا خاصة هي الحلقة الضعيفة في التعاون الذي تم. يقول الملك الاردني في رئيس وزراء تركيا الطيب اردوغان انه 'يشبه راكبا في حافلة، فهو يصل الى المحطة التي حددها لنفسه ويقرع الجرس ويغادر'. 'إن وكالات الاستخبارات في واشنطن لم تعد تعتمد على دافعية اردوغان ورفع اوباما يديه'، يزعم رجل أمن اردني.
'يريد اردوغان التخلص من الاسد في أسرع وقت وبكل ثمن والشيء الأساسي ألا ينجحوا في تقسيم سوريا، فهو لن يُسلم لكردستان سورية تنشأ تحت أنفه قرب الحدود وينشأ عنها الارهاب والزعزعات. ويوجب هذا على رئيس الاستخبارات السعودي الأمير بندر أن يستعمل الحوار مع أنقرة وأن يُهدئ جأش اردوغان الثائر'.
واستقر رأي السعوديين كي يعالجوا الوضع على فتح المحفظة. 'بيّنوا لنا أنه لن تكون حدود للنفقة للقضاء على حكم الاسد والاهتمام بابعاد 'البعثيين' الذين سيحاولون الاستيلاء على القصر في دمشق'، يقول رجل أمن في عمان.
إن 'المُشكلين' هم أولا ارهابيو منظمة 'جبهة النُصرة'، وهي ذراع تابعة للقاعدة بدأت خطواتها في سوريا متنكرة بزي المتمردين على الاسد وعُرفت في واشنطن بأنها منظمة ارهابية خطيرة لا يجوز التعاون معها. ويُبين الدكتور رياض زُبار من عمان أن 'الخوف الأكبر من أن يسيطروا دفعة واحدة على مخزونات السلاح الكيميائي'.
يؤخرون توزيع الصواريخ المضادة للطائرات والمضادة للدبابات في تدريبات المعسكرات السرية في الاردن الى مرحلة 'لحظة ما بعد الاسد'. يُبين خبير اردني. 'خشية أن يقع في أيدي 'المُشكلين' الاسلاميين. فهؤلاء قد لا يحرقون سوريا فقط بل قد يتسللون مسلحين الى داخل الاردن. ولهذا يخزنون في هذه الاثناء السلاح الثقيل الذي يأتي بالقطار الجوي ويُستغل جزء ضئيل فقط في التدريبات وفي مرحلة متأخرة بعد حينما تشتعل الارض تحت قدمي الاسد حقا سيُستل 'سلاح يوم القيامة' لمواجهته'.
إن 'السؤال الأكبر الذي لم يوجد له حل الى الآن'، يُبين الدكتور رياض زُبار، 'هو هل تسليح المتمردين وإدخال خريجي معسكرات التدريب الى داخل سوريا سيفضيان الى إنهاء حكم بشار أو ان القوة الجديدة ستزيد فقط في قوة الحرب الأهلية الدائرة في سوريا'.
*يديعوت أحرونوت 22/3/2013