وان تحدثت وسائل الاعلام السعودية الرسمية عن هذه القضايا فهو من باب التشهير والثناء على القيادة الرشيدة لحفظها الامن والسلام ومجازات من تعتبره مخلا بالحالة المستقرة والهادئة في السعودية فهاجرت الاخبار الاعلامية الى شبكات التواصل الاجتماعية الالكترونية وبعض الصحف والقنوات العالمية لتعرض صورة بشعة عن انتهاكات وتعديات على الناشطين فاتت على الصحافة الرسمية ان تذكر تفاصيلها وتبعياتها. وتحولت محاكمة حسم الى قضية وطنية بالاضافة الى عولمتها لما فيها من احكام تعسفية سريعة وفعلية تعكس الخطر القادم الذي يهدد السعودية وهذا الخطر يمكن تلخيصه بما يلي: اولا: حسم لا يمثل الا شريحة قد تعتبر صغيرة الا انها رمز لتحول اجتماعي في السعودية تتصدر قضاياه اليوم وتدافع عنها طبقة جديدة متعلمة ومثقفة استطاعت ان تتجاوز محدودية بيئتها واخترقت الفكر الجمعي الذي اقرته عقود من تغييب المجتمع السعودي عن القضايا السياسية الملحة والهوية الانسانية المهمشة.
ولاول مرة تتعاطى هذه الشريحة مع هذه القضايا باسلوب حقوقي يجمع بين الخطاب الاسلامي الذي يفكك مصطلحات سعودية اهتمت السلطة بجعلها من المقدس رغم انها بممارستها السياسية حولتها الى مهزلة للحكم الشرعي والاسلامي فمن مصطلح الامة الى البيعة مرورا بالجهاد السلمي والمطالبة بمؤسسات المجتمع المدني المستقلة استطاع القائمون على مشروع حسم ان يفككوا الخطاب الاسلامي الموالي للسلطة صاحب الفتاوى التي تنزع عن الامة الارادة وصنع القرار وتجعلها شعارا خلابا ومشروعا ليس له من الحقوق والواجبات سوى الطاعة لولاة الامر والصمت على تجاوزاتهم. فأمة حسم تبايع عن طريق الانتخاب كما تطالب هذه الجمعية وتفرض نفسها ككتلة تطلب التمثيل السياسي وتقر بضرورة المحاسبة والفساد والحكومة المنتخبة ولا تعترف حسم بأهل حل وعقد او شوكة الا عن طريق هذا التمثيل السياسي. واصلت حسم واعضاؤها والمتعاطفون معها لهذا المشروع عن طريق ادبيات واصدارات انتشرت في السوق الفكرية وكتبت اطروحاتها بلغة سلسة تصل الى جمهور اكبر بكثير من علماء النظام السعودي المؤصلين لحكم الغلبة والاستبداد الذي ترجع جذوره الى قرون الاسلام الغابرة حيث تحكم السلاطين والملوك بهذه الامة المغيبة خاصة وانها لم تكن متسلحة بالخطاب الحديث ومعطيات العصر.
فأسقط علماء السعودية مراجعهم القديمة على الحالة المعاصرة وكأن الامة تحنطت في عصور غابرة. ورغم ان حسم أقرت بمشروع الملكية الدستورية كخيار ثالث بين الديمقراطية التمثيلية وحكم الطاعة المطلقة السعودية والاسرة المتسلطة الا انها لم تسلم من القبضة الحديدية السلطوية وتجريح علماء النظام السعودي.
ثانيا: استطاعت حسم ان تتجاوز نخبويتها ونخبوية مؤسسيها الذين نزلوا من ابراج المعرفة العاجية حيث ان جميعهم من المثقفين والاكاديميين والحقوقيين الذين تجاوزوا التنظير الفكري والذي هو ضروري لاي مشروع نهضوي الى التعاطي مع هموم المجتمع وقضاياه الملحة ومن اهمها قضية انتهاكات حقوق الانسان والامن الاجتماعي. وان كانت حسم قد رفضت محدودية المطالبة باصلاح الحفريات على الطرق السعودية وتنظيم دورات الصرف الصحي الا انها حسنا فعلت حيث انها تعلم علم اليقين ان اصلاح الجزئيات وان كانت صغيرة لا يتحقق الا من خلال مشروع متكامل يضمن للمجتمع حق التمثيل وصناعة القرار عندها فقط تحل مشكلة البطالة والفقر وغيرهما من المشاكل العالقة السعودية.
وقد برزت حسم من خلال تبني ملفات المعتقلين السياسيين وكأنها ضيقة الافق الا انها بخطابها الحقوقي قد فتحت الباب على مصراعيه لنقاش وجدل يدور حول مستقبل الحكم السعودي وممارساته الحالية. وقد بدأ بعض ناشطي حسم هذا المشروع عام 1990 تحت غطاء لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية والتي حلتها السلطة السعودية وشردت بعض القائمين عليها وسجنت البعض الآخر الا ان المشروع بقي حيا وبرز بشدة لحظة تأسيس حسم عام 2009 بل نرى ان المشروع توسع اكثر واستطاع ان يردم الهوة بين تيارات كان النظام السعودي يسعى جاهدا لان تظل متناحرة ومتصارعة من باب فرق تسد وقد نجح ذلك بالفعل حيث كانت تصدر بيانات الاصلاح في اوائل التسعينات مزدوجة احدها يطعم مطالبه بالآيات والاحاديث والآخر يتبنى خطاب الديمقراطية اما بعد حسم نجد ان الخطابات والنشطاء وحتى الجمهور بدأ يتجاوز هذه التصنيفات ويتخطى حتى الحدود الطائفية والتفرقة بين السنة والشيعة فدافعت حسم عن المساجين الشيعة والشخصيات الليبرالية او التي تصنف هكذا فتحول جيشها المدافع عنها من جيش ضيق محدود الى جيش يتعاطى مع القضايا بلغة وطنية ترفضها القيادة السعودية التي تعودت على تكريس خانات التصنيف المذهبي الطائفي والقبلي والمناطقي فلم تكن حسم او ناشطوها يتمرغون بالانقسامات الطائفية التي هتكت بالوحدة الوطنية او التفرقة الجهودية المناطقية. ومن هنا يكمن خطرها على النظام السعودي وخطابه الذي يتعاطى مع المجتمع وكأنه أعمدة متوازية لا تلتقي ابدا الا تحت سلطته وعلاقات الزبونية التي يروجد لها ويمارسها على الارض. وبعد حملة الاعتقالات في السعودية وسجن اعضاء حسم ازداد اقتناعنا ان النظام في السعودية يفضل المعارضة المسلحة على اي نمط من المعارضة السلمية لاسباب منها: انه يكتسب تثبيت حالة الذعر والخوف في المجتمع نتيجة التفجير والقتل فيرهب هذا المجتمع بالمستقبل المجهول ويكرس محوريته ومركزيته في عملية تثبيت الامن ومحاربة الارهاب والتطرف الديني. فتصمت الاصوات المنادية بالاصلاح السياسي بل حتى التغيير الجذري لمنظومة الحكم السعودي الاسرية المتسلطة. ومنها ايضا انه يكرس مركزيته في مشروع الاصلاح هذا وكأنه نعمة من السلطة او مكرمة ملكية وينفي عن المجتمع ورموزه القدرة على انتاج مبادرة اصلاحية من الاسفل. فيجعل النظام السعودي من الارهاب حالة دائمة تهدد الامن وتفقد المجتمع قدرته وارادته على انتاج اجندة اصلاحية متكاملة لا يكون هو وحده المحور المحرك للارادة الجمعية والطموحات المستقبلية. ومن خلال استشراف حالة الامم لحظة التعدي على ناشطيها وسجنهم نستطيع ان نجزم ان مثل هذه الاجراءات لن تقتل خيارات الشعوب فكم ناشط قتل او سجن وظل المشروع قائما يظهر مرة اخرى بصورة جديدة او حلة مختلفة وقد يظهر بصورة اكثر تطرفا بعد ان يفقد الامل في تجاوب السلطة للمشروع الاول. لقد قبلت حسم بخيار الملكية الدستورية ولو على مضض وأصلت لخطاب يدعمه الا انها حصدت بعد ذلك السجن التعسفي وليس من المستغرب ان تخرج اصوات اكثر تطرفا من حسم في طرحها تتبنى نفس منظومة حسم السلمية الا انها تطرح حلا جذريا تطالب من خلاله باسقاط المنظومة السعودية كليا وعدم التشبث بها ولو شكليا او صوريا. ولو ان السلطة السعودية فتحت نقاشا حول اطروحات حسم ولو من باب التمويه وكسب الوقت لكانت استجابت لطروحات حسم واغلقت الباب على اطروحات تكون اكثر حدة وتطرفا ورفضا للنظام بشكله الحالي. ولكن تبدو السلطة وقد اسكرتها القوة والغطرسة لدرجة انها اغلقت ابواب الزنزانات على المشروع رغم انه تحول بجهود حسم الى مشروع افقي اخترق المجتمع بعد ان كان عاموديا نخبويا فكريا. ولم يكن لحسم الوقت لتضيعه في ترف التنظير السياسي الديني بل اتجهت الى تفعيل خطابها والتواصل مع المجتمع وقضاياه وهذا ما يقلق النظام الذي حاول منذ اكثر من 8 عقود ان يبقى المرجع الاول والاخير لحل كل ازمة عن طريق علاقات مشخصنة مع الامير وبلاطه. اختارت حسم مشروع بناء دولة جديدة يخرج من متاهات التسول الخطابي والبيانات الى العمل الميداني وهو ما ترفضه القيادة السعودية التي تريد ادارة دولة ومجتمع عن طريق ممارسات قديمة لم تعد تلبي التطور الاجتماعي والتحول الفكري على الساحة السعودية. وحتى هذه اللحظة لا تريد ان تقتنع القيادة السعودية ان خيارات الامم لا تسجن في زنزانة.
*د. مضاوي الرشيد- القدس العربي