فأبرز الجماعات التي تعمل بمختلف السبل العسكرية والسياسية للاطاحة بالحكومة العراقية ، حزب البعث العراقي المنحل والذي يقوده نائب صدام الهارب من وجه العدالة عزت الدوري . لقد حاول البعثيون بما لديهم من إمكانيات مالية وأسلحة سرقوها من الشعب وبما يحظون به من دعم خارجي كبير ومستمر ، طوال السنوات الماضية بانزال اقسى الضربات بالحكومة العراقية والقوات العراقية بما فيها الجيش والشرطة ، عن طريق تفجير السيارات المفخخة وقتل الابرياء من المواطنين سواء كانوا عربا أو أكرادا أو تركمانا أو مسلمين أو مسيحيين أو سنة أوشيعة وأطلاق الهاونات والاسلحة الثقيلة بإتجاه المراكز الهامة وتدبيرعمليات الاغتيال وتفجيرمحطات توليد الطاقة الكهربائية وتنفيذ الاعمال التخريبية من أجل إثارة المواطنين ضد الحكومة وإظهارها كحكومة عاجزة عن ضمان أمن المواطنين وغير قادرة على إدارة دفة البلاد .
فقادة البعث وأنصارهم وأزلامهم الذين كانوا المستفيدين من حكومة صدام ، لا زالوا يحنون الى النظام السابق ويعملون بكل ما لديهم من قوة لاسقاط حكومة نوري المالكي ، فهم لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بحكم الشعب ، بل يريدون إعادة حكم البعث الى العراق وقيادة الشعب العراقي كما كان يحكم صدام العراق بالقوة وبالحديد والنار وذلك بكبت الحريات السياسية واسكات المعارضين وسجنهم وقتلهم بالاساليب التي كانت تستخدم ضدهم ونهب خيرات العراق وإعادة هذا البلد الى الوراء. فالبعثيون مهما حاولوا وعملوا على توجيه ضربات الى العراقيين و الحكومة العراقية فهم غير قادرين للوصول الى الحكم ، لأن أغلبية الشعب العراقي تعارض حكم البعث ولا يمكن أن تقبل هذه الاغلبية بإعادة حكم البعث الى العراق .
هناك سياسون معارضون لحكومة نوري المالكي وقد شاركوا في العملية الانتخابية ودخلوا البرلمان وحصلوا على مناصب عليا في الحكومة ولكنهم يريدون المزيد من المناصب للوصول الى رئاسة الحكومة و لم يتمكنوا من ذلك بسبب قدرة الاحزاب العراقية الاخرى التي تقوم بالائتلاف فيما بينها وتمنع هؤلاء السياسيين من الوصول الى منصب رئيس الوزراء .هؤلاء السياسيون لهم القدرة الكبيرة على المناورة ويحصلون على دعم من دول الجوار وخاصة من دول مجلس التعاون التي لا ترغب ببقاء الحكومة ورئيس الوزراء الحالي .
وهناك جماعات اخرى في العراق ، كانت مهمشة في عهد صدام حسين ولم يكن بامكانها أن ترفع صوتها عاليا لان صدام كان يقمعها بقوة لو رفعت صوتها ضده ، ولكن هذه الجماعات ، حصلت في العهد الجديد ، على كامل حريتها وحقوقها في مناطقها ومحافظاتها وهي الان ترفع صوتها عاليا ضد الحكومة وتطرح مطالبها بكل حرية وهي في نفس الوقت تعلن بأن حكومة المالكي تكمم افواهها وتسلبها حقها و تدعو الى الثورة والانتفاضة ضد الحكم القائم ، وليس معروفا ما ذا تريد هذه الجماعة ، هل تريد حكم البعث أم تريد حكم الاقلية كما كان في عهد صدام حسين وحزب البعث ، لان مطالبها باتت تعجيزية وكلما حصلت على تنازل من الحكومة قدمت مطالب جديدة . ويبدو أن الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي وافقت على الكثير من مطالب المتظاهرين في المحافظات الشمالية والغربية من العراق من أجل تهدئة الاوضاع وإعادة الامور الى وضعها الطبيعي ، ولكن المتظاهرين لم يقبلوا بما قدمته الحكومة حتى الان ، مع أن المتظاهرين يعلمون جيدا بأن الخراب والدمار الذي حل بكل مناطق العراق اثر سنوات حكم صدام وما تبع ذلك من عدوان للقوات الامريكية والغربية على العراق للاطاحة بحكم البعث ، لا يمكن أن يعاد إعماره في فترة قصيرة وأن المناطق الوسطى والجنوبية من العراق تعاني من نفس المشاكل التي يعاني منها العراقيون في شمال وغرب العراق بل أكثر .
ولا يمكن أن ننسى أن الدول الاعضاء في مجلس التعاون في الخليج الفارسي ، أعلنت منذ الاطاحة بصدام حسين وانتخاب نوري المالكي رئيسا للوزراء ، معارضتها لرئيس الحكومة ، لانه شيعي وهي تعارض أي حكم شيعي لا في العراق فحسب ، بل في أي بلد آخر وما موقف هذه الدول من الجمهورية الاسلامية الايرانية الا دليل على ما نقول.
فالنظام السعودي كان يدعم نظام صدام حسين ، لانه كان يقمع الاغلبية الشيعية في العراق وشن حربا على ايران وقتل مئات الالاف من العراقيين والايرانيين ، وبعدما سقط صدام واصل هذه النظام موقفه المعارض لحكومة المالكي وكم من مواقف إتخذها نظام آل سعود ضد حكومة المالكي بسبب النزعة الطائفية المتشددة وكم ضربات وجهتها السعودية الى العراق بسبب كون رئيس الوزراء قد انتخب ديمقراطيا من قبل الاغلبية ، و حاول السعوديون بشتى السبل الاطاحة بحكومة المالكي ولكنهم لم يقدروا حتى الان ، رغم كل الاموال التي صرفوها للاطاحة بالمالكي .
ولا ننسى ان حكام قطر دخلوا على الخط بعد الثورات التي انطلقت في تونس ومصر وقدموا المليارات من الدولارات لكي يؤثروا على مجريات الاحداث في دول المنطقة نيابة عن أسيادهم الامريكان ، وها هي اخبار تدخلاتهم ورشاويهم في تونس ومصر وليبيا وسوريا تنشر في وسائل الاعلام في هذه الدول وآصبحت مثار سخریة الشعوب وما دورهم التخريبي في دول المنطقة وخاصة ارسال الشباب المغرر بهم الى البلدان العربية التي تواجه حربا أهلية ، الا دليل على دورهم التخريبي وما انيط بهم من مهمة تخريبية لاثارة الفوضى في المنطقة بحجة معاداة الانظمة الديكتاتورية ودعم الثورات الشعبية.
فالقطريون يحاولون الان التدخل في الشان العراقي لاثارة النعرات الطائفية والاختلاف بين السنة والشيعة وهم يهدفون من وراء ذلك الاطاحة بحكومة المالكي والاتيان بحكومة تكون عميلة لهم ولال سعود ولاسيادهم الامريكان ، وها هم يجيشون ألانصارفي داخل العراق للقيام بتظاهرات ضد الحكومة ويبدو ان الاغلبية من الشعب العراقي أدركت خطط القطريين والسعوديين ومن يدعمونهم ومن يتحرك بأوامرهم داخل العراق.
وللاتراك نصيب كبير في التدخل في الشأن الداخلي العراقي ، وما تصريحات رئيس وزرائهم رجب طيب اردوغان بشأن الوضع الداخلي في العراق وإثارة النعرات الطائفية الا دليل على تنفيذ خطة رباعية أضلاعها السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة تهدف الى إثارة الفوضى في هذا البلد الذي تخلص توا من حكم البعث . لقد أدرك العراقيون اللعبة الخطيرة وحذروا القطريين والسعوديين من اللعب بالنارواعلنوا عن استعدادهم لمواجهة أي تحرك مشبوه يهدف الى اسقاط الحكومة الشرعية واثارة الفوضى داخل العراق .
فالمشاكل التي يعاني منها العراقيون كبيرة ولكن الحكومة تعمل من أجل حلها ، علما بأن الوضع الاقتصادي في العراق قد تحسن كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية وتحسن وضع الدينار العراقي وزادت رواتب الموظفين وتحسنت التجارة في مختلف مناطق العراق وخاصة في شمال العراق الذي لا زالت الخلافات مستمرة بين اقليم كردستان والحكومة المركزية حول كثير من القضايا وخاصة بيع وتصدير النفط وما يتبع ذلك من آثار ونتائج على العلاقات بين الجانبين .
ان من الحكمة أن تعمل كل أطياف الشعب العراقي على بناء واعمار العراق بعد سنوات من حكم البعث والحرب التي شنها صدام ضد ايران وما أسفر ذلك العدوان من خسائر على الشعبين العراقي والايراني ، وأن تشارك في البناء لا الهدم ، وأن من الاجدر أن يقوم رئيس الوزراء العراقي بطمأنة كل العراقيين بانه يعمل من أجل بناء عراق موحد لا تمييز فيه ولا محاباة لفئة على حساب فئة اخرى .
فصدام حسين زرع الخلافات بين أطياف الشعب العراقي وميز بين الطوائف والمذاهب ومن الصعب إزالة رسوبات تلك الحقبة السوداء ، الا بطمأنة كل الاطياف بأن العراق الجديد سوف لن يعيد أخطاء النظام السابق وان العراق لكل العراقيين لا لفئة أو جماعة .
وأخيرا، فإن هناك محاولات جادة بإرسال مجموعات مرتبطة بالقاعدة الى هذا البلد بتشجيع من السعوديين والقطريين والاتراك وتمويل هذه المجموعات بالمال والسلاح ، فالمسؤولون العراقيون مدركون جيدا المؤامرة الجديدة ، ولديهم السبل الكفيلة بمواجهتها ، وإن الشعب العراقي لن يسمح لحكام السعودية وقطر الذين يحكمون شعوبهم بسياسات قبلية وعشائرية وبأساليب بعيدة عن روح العصر، ويمنعون شعوبهم من اختيار حكامهم واقامة برلمانات واحزاب واجراء انتخابات حرة ويحرمون النساء من القيام بدورهن وخاصة منعهن من قيادة السيارات بذريعة معارضة الاسلام لذلك ، ولا يمكن للشعب العراقي ان يقبل بسياسيين يأتمرون بأوامر السعوديين والقطريين الذين يعملون على إثارة الفوضى في دول المنطقة بصرف مليارات الدولارات من ايرادات النفط نيابة عن الامريكان والاوروبيين ليضعوا المنطقة كلها في فوضى تستفيد منها الولايات المتحدة والدول الاوروبية بتدخلها في شؤونها الداخلية ليتمكن السعوديون والقطريون وشيوخ المنطقة أن ينأوا بحكوماتهم عن اي تغييرفي الداخل .
شاكر كسرائي