لقد خاض اردغان منذ نيف و 22 شهرا شهرا حربه ضد سورية متدرجا في المواقف التي كان يتخذها بوحي من الحلم -الوهم المتقدم الذكر . فسمح لنفسه في بداية الامر و عندما كانت طريقه السياسي سالكة الى دمشق التي فتحتها له بعنوان الصداقة و الاخوة و الاحترام المتبادل ، سمح لنفسه ان يتصرف تصرف ولي الامر و القائد الذي يأمر و يجب ان يطاع ، و وجه ” النصائح – الاوامر ” للقيادة السورية اوامر تتلخص بعبارة واحدة ” سلموا السلطة الى من اخترناه واليا او حاكما لسورية ( و يعني الاخوان المسلمين )” . و بطبيعة الحال كان الرد السوري الصارم و المهذب و الذي افهم اردغان ان الشعب السوري هو صاحب القرار و انه هو من يختار حكامه و نظامه و لا يمكن الفرض او الاملاء عليه من اي جهة حتى و ان كان صديقا او حليفا ، فسورية تسمع للنصح من المخلصين و تعمل بالنصيحة ان كانت تحقق مصالحها و تحترم مبادئها و ثوابتها السيادية و الاستقلالية .
كان اردغان مدفوعا بجنون العظمة و الغرور ، يتصور ان القيادة السورية لن تتردد في الانصياع الى ما يمليه عليها من اوامر ، و لما خيبت سورية ظنونه انقلب و بسرعة قياسية ضدها متحولاً من “صديق و حليف استراتيجي ” ظاهر (و مزيف كما تبين ) ،الى عدو يتوعد و يهدد بالانتقام باي وسلية من الوسائل.و لم يترك “السلطان الوهمي ” وسيلة في العمل ضد سورية الا و لجأ اليها . مبتدئا بالاعلام الذي سخره لحربه على الصديق القديم ، ثم آوى اليه فئة من السوريين ضلت طريقها و عملت باوهام من طبيعة الاوهام الاردغانية الواهنة ، و شكل منها مجلسا يمني النفس بان يكون ” مجلس حكم ” لسورية يعمل بالاوامر التركية فكان مجلس استنبول الذي اسمي زورا ” ب المجلس الوطني السوري ” و هو ابعد ما يكون عن الوطنية و القومية التي تفاخر بها سورية و السوريين الشرفاء اصحاب الكرامة و العنفوان القومي ، و استضاف من اجل انفاذ اوهامه و احلامه و لدعم الدمية التي عول عليها ، استضاف العديد من المؤتمرات و اللقاءات الدولية تحت عناوين كاذبة من قبيل القول ” اصدقاء الشعب السوري ” و ما اليها من تسميات .
اما على الصعيد الميداني ، فقد ابتدأ اردغان بنصب الخيم لما اسمي ” اللاجئين السوريين ” قبل حصول النزوح اصلا و كانت تلك المخيمات مشاريع معسكرات لتحشيد المرتزقة للقتال في سورية لتنفيذ الحلم الاردغاني ، كما انها كانت بمثابة الملجأ الامن المفترض لعائلات السوريين التذي ضللوا او خدعوا او قادتهم طموحاتهم غير المشروعة لحمل السلاح ضد وطنهم ، فقدم اردغان لهم هذه المخيمات ليأمنوا على عائلاتهم قبل ان ينطلقوا في خيانتهم للوطن عن علم او جهل ، ثم انخرط اردغان اكثر في العمل الميداني ضد سورية عندما حول الحدود السورية التركية الى معابر للارهابين الذين امدهم بكل دعم عملاني و استخباراتي و لوجستي من اجل ممارسة الارهاب و الاجرام بحق الشعب السوري ، و لم يكتف بذلك بل انطلق مسقطا المزيد من القواعد الشرعية و الاخلاقية و القانونية عندما هيئ البيئة في المخيمات التي استدرج اليها عائلات المسلحين و المضللين لتنفذ بحقهم ابشع انواع الاعتداءات الجنسية و الاغتصاب .
و يبقى ان نكمل العرض بذكر ارتكابات اردغان ضد القطاعات الانتاجية في حلب حيث استعمل حفنة من الساقطين و اللصوص من اجل تدمير المصانع و المعامل السورية و تخريبها بعد ان تقوم اليد التركية و باشراف مختصين بتفكيك المعدات و الالات و نقلها الى تركيا حتى يطمئن اردغان الى استحالة عودة الحياة الانتاجية الصناعية في حلب في المدى المنظور، يحركه في ذلك حقد ضد المنطقة و ابنائها و رغبة في وضع حد للمنافسة بين الصناعتين التركية و السورية و حتى يحول البيئة السورية الى مستهلك للبضائع التركية بدل ان تكون منافس ذو ارجحية في السوق الدولية .
بعد كل هذه الجرائم ، كلل اردغان عدوانه بممارسة توحي بانه بات يعتقد نفسه بانه هو الحاكم المطلق لسورية من قبيل القول ارضى بهذا و لا اقبل بذاك و على هذا الرئيس ان يرحل و على هذا الشخص ان يتحضر لاستلام المسؤولية ، ثم قاده غروره و نزعته الاستعمارية الى حد تعيين والي للسورين الذين خدعهم و استدرجهم الى مخيماتهم التي اقامها على ارض لواء الاسكندرون الذي تغتصبه تركيا منذ ان اقامت جمهوريتها على انقاض العثمانية المنهارة .
يقوم اردغان بكل ذلك يقوده الوهم و الغرور ، دون ان يلتفت الى حقائق الميدان و طبيعة البيئة الدولية و الاقليمية المتشكلة اثر الصمود السوري و انكسار العدوان الغربي على سورية ، اذ لو كان عاقلا و موضوعيا و فهم حقيقة الواقع ، لكان توقف عن السير قدما في العدوان و لكان توقف عن ممارسة السلوكيات الحمقاء التي سترتد سلباً عليه و على حزبه بشكل اكيد ، حيث لن تفيده يومها صواريخ الباتريوت الاطلسية التي استدعاها لحمايته و دعم عدوانه ضد سورية .
فسورية اليوم و رغم كل ما اصابها من ويلات و دمار و لحق بابنائها من قتل و تشريد و معاناة ، سورية باتت و باعتراف العقلاء جميعا ً ، في موقع يستحيل معه ان يحقق اردغان شيئا من طموحاته ، حيث ان شعبها اشتد تمسكه بقراره المستقل و احتضانه لدولته التي جاءت صناديق الاقتراع بمسؤوليها ، و التي لا يمكن تغييرهم الا عبر صناديق الاقتراع ذاتها ، تلك الصناديق التي تسكب فيها الارادة السورية الحرة رفضا للاردغانية و عدوانياتها و مواجهة لاحلام السلطنة العثمانية البالية و ولاتها الساقطين .
التخبط التركي من وهم السلطنة الى فضيحة الوالي
فسورية تدير معركتها الدفاعية بثقة بالنفس عالية و يقين اكيد بالنصر الاتي و الذي باتت قيادة جبهة العدوان تعترف ضمناً به ، خاصة في ظل ثوابت ارستها سورية بذاتها ثم جاهر بها حلفاؤها من غير لبس او شبهة لجهة الرفض المطلق للتدخل الاجنبي او فرض حكام خلافا لارادة الشعب السوري ، سورية التي هذا وضعها لن تأبه و لن ينثني لها عنق او ساعد في مواجهة العدوانية الاردغانية مهما كان مظهر العدوان و اسلوبه بما في ذلك فصوله الاخيرة المتمثلة باستقدام باتريوت الاطلسي ، او تعين الوالي السخرية و الفضيحة ، و الكاشف عن حقيقة اهداف التدخل الاردغاني في سورية و حركاته البلهوانية التي تثير هزء العاقلين و رفض الوطنيين الحقيقين . فحلم اردغان سقط و بات عليه ان يعلم انه :
- لا محل للحديث عن تدخل عسكري اجنبي و باي شكل و لا محل للحديث عن حل سلمي في المشهد القائم اذا كان من يطرح هذا الحل يعني اكتساب كل من ساهم في العدوان على سورية بحصة فيها ، فالسلمية الحقيقية باتت تعني بكل بساطة عملية فرز بين سوريين و غير سوريين اولا ثم بين مسلحين و غير مسلحين من السوريين ثانياً ، و بعد ذلك خروج كل من هو غير سوري من الميدان و توقف الخارج عن ايفاد المرتزقة و دعمهم في جرائمهم ضد سورية ، و لا يمكن ان يكون حوار مع هؤلاء او حديث للوقوف على ارائهم او مطالبهم لان احدا من العقلاء لا يمكن ان يقبل بالتنازل عن حق سوري لاي اجنبي مهما كان هذا الاجنبي بما في ذلك تركيا .فسورية انتصرت و المنتصر لا يقدم للمهزوم مكاسب ، اما السوريون فطريقهم الوحيد حوار و انتخابات حرة .
- ان قيادة جبهة العدوان باتت على علم ببواطن الامور و انها بدأت تمارس سياسة الالقاء في البحر و التخلص من الاحمال الزائدة لانها تعرف ان ما يمكن ان تحصل عليها في التفاوض حول الازمة السورية بالكاد يكفيها هي وحدها للخروج مع حفظ قدر من ماء الوجه ، قدر لا يكفي للاخرين و لهذا نراها شجعت فرنسا للتورط في مالي ، و اوحت لبريطانيا بالانسحاب الهادئ و لم تمانع السلوك الالماني في الاستطلاع الميداني في سورية ليختار بنفسه طريق الخروج الامن ، و يبقى العامل التركي الذي تريد اميركا ارهاقه اكثر حتى يكون مغرقا في تبعيته لها اكثر و منصاعا للاطلسي بشكل اعمق حتى و لو كان ذلك على حساب الدم و الكرامة التركية كما حصل مؤخرا في العلاقة مع اسرائيل .
- و اخيرا عليه ان يعلم ان مصلحته ان يسارع هو ايضا الى التخلي عن الدمى التي يحتضنها رغم انها سكتت عن سلوكياته العدوانية ضد سورية من سرقة و قتل و تدمير ثم تعيين والي ينتهك الكرامة و السيادة لان سكوت هؤلاء عزز صفتهم الخيانية في ذهن الرأي العام السوري والعربي و انه لن يكون لهم محل في سورية المنتصرة .
*العميد امين حطيط