العالم - مقالات وتحليلات
أنْ تحظى السيدة مورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط وخليفة سيء الذكر عاموس هوكشتاين باستقبال حافل أثناء زيارتها الأولى للبنان ويفرش لها بعض المسؤولين اللبنانيين السجاد الأحمر قبل، وأثناء، وبعد، تطاولها الوقح على "حزب الله" المكون اللبناني الأساسي، وتدخلها الفاضح في السيادة اللبنانية بشكل سافر، فهذا أمر يتجاوز كل الأعراف السياسية والدبلوماسية، ويعكس حالة الانهيار الذي وصل إليه "لبنان الجديد"، وتحوله إلى مستعمرة أمريكية فاقدة لمعظم قيم الكرامة والسيادة وعزة النفس.
السيدة مورغان تجاوزت كل الخطوط الحمراء في مؤتمرها الصحافي الذي عقدته بعد لقائها مع الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون بطريقة غير مسبوقة من التنمّر والغطرسة، وقبل اجتماعها مع رئيسي الحكومة القديم والجديد، ورئيس مجلس النواب اللبناني، ويمكن تلخيص إهاناتها في النقاط التالية:
أولا: أشادت السيدة مورغان بكيان الاحتلال الإسرائيلي، وأظهرت كل الشكر، والامتنان لها، لإيقاعها هزيمة كبرى بـ"حزب الله" الذي وصفته بأنه حركة إرهابية "تُرهب" الشعب اللبناني. حسب زعمها.
ثانيا: طالبت بعدم أي وجود تمثيلي للحزب في الحكومة الجديدة التي شكلها القاضي نواف سلام اليوم، وحتمية نزع سلاحه، وإنهاء أي نفوذ للحزب في لبنان ومؤسساته.
ثالثا: تباهت بلبس خاتم في أصبع يدها "فضة" نجمة داوود الإسرائيلية، ولا نعتقد أن لبس الخاتم من قبلها أثناء لقاءاتها بالمسؤولين اللبنانيين من قبيل الصدفة، ولتحقيق أهداف استفزازية وابتزازية وترهيبية واحتقارية.
إقرأ ايضا| انقلاب الصورة..اميركا تتدخل في الشأن اللبناني وتضرب سيادة البلد
من المؤسف والمؤلم أن ارتماء معظم المسؤولين الكبار السابقين أو الحاليين في أحضان الولايات المتحدة ومبعوثها السابق عاموس هوكشتاين، والقبول بوقف إطلاق النار الذي جرى "سلقه" على عجل دون أن يتضمن أي تواريخ، أو جداول أو ضمانات واضحة ملزمة للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، والتنازل عن حُقول نفط وغاز لبنانية في البحر المتوسط، من بينها حقل "كاريش" مسايرة له، وسعيا لإرضائه ودولته، وهو الصهيوني الخادم في الجيش الإسرائيلي في إطار ما سُمي "رسم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية"، وهذا كله هو الذي شجع السيدة مورغان على هذا التطاول من قبلها على مُكون لبناني أساسي وطائفة إسلامية كريمة (حزب الله والطائفة الشيعية)، والتدخل بشكل سافر في أهم أركان السيادة اللبنانية، وتحديد من يشارك أو يستبعد من الحكومة الجديدة.
الغريب أن "معسكر السيادة" اللبناني لم يوجه أي انتقاد أو لوم للسيدة مورغان وخروجها عن كل اللياقات الدبلوماسية والسياسية، ولم يظهر أي تأييد، أو مساندة لحزب الله اللبناني الذي استهدفه هذا التطاول بشكل مباشر، وهو الذي لعب دورا رئيسيا في إنهاء الفراغ الرئاسي، وانتخاب رئيس جديد (جوزيف عون) للبلاد.
إقرا أيضا| سلسلة مواقف لبنانية منددة بتصريحات مورغان أورتاغوس
كنا نتمنى أن يصدر الرؤساء الثلاثة في الدولة اللبنانية (رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، القديم المُكلف، ورئيس مجلس النواب) بيانا قويا للاحتجاج على تصريحات ومواقف السيدة مورغان، يُطالبون فيه برحيلها فورا، ولكن هذا لم يحدث للأسف، وتم الاكتفاء ببيان صدر على استحياء عن مكتب إعلام الرئاسة في قصر بعبدا يقول "إن بعض ما صدر عن السيدة مورغان يعبّر عن وجهة نظرها فقط، والرئاسة اللبنانية غير معنية به"، معقول الرئاسة غير معنية به؟
ربما يجادل الكثيرون في لبنان، في السلطة وخارجها، بأن لبنان ضعيف، ويمر بظروف صعبة، وليس من مصلحته الآن الدخول في أي مواجهة مع الولايات المتحدة ورئيسها ترامب الذي يتصرف مثل الثور الهائج، ومِثل هذه المواقف "المائعة" هي التي أوصلت لبنان إلى هذا الوضع المُهين.
كيان الاحتلال الإسرائيلي ينتهك وقف إطلاق النار "المقدس" أكثر من 1500 مرة مثلما أكد الشيخ نعيم قاسم أمين عام حزب الله في خطابه الأخير، واللافت أن الولايات المتحدة راعيته الرئيسية، ورئيسة لجنة المراقبة لتطبيقه لم توجه كلمة نقد واحدة للاحتلال، وغاراتها المستمرة في العمق اللبناني، وآخرها أمس في مدينة بعلبك، وتصاعد قتلها للمُواطنين الجنوبيين ونسف المنازل، أو ما تبقى منها على طول الشريط الساحلي جنوب وشمال نهر الليطاني.
ختاما نتمنى أن يُدرك الشعب اللبناني، وبعد كل هذه الاختراقات والتجاوزات والتطاولات، أهميّة المُقاومة الإسلامية (حزب الله) ويندم "محور معارضيه" على مواقفه المُحتفلة بتدميرها وحاضنتها الشعبية اللبنانية، ورهاناتهم الكبيرة على الإدارة الأمريكية وحِرصها الكاذب على أمن لبنان واستقراره، وخُروجه من أزَماته.
المُقاومة هي التي حرّرت الجنوب اللبناني عام 2000، وهي التي هزمت إسرائيل وأذلت جيشها في حرب تموز عام 2006، وكادت أن تُدمر كيان الاحتلال عندما قصفت تل أبيب وحيفا وقيساريا وصفد وعكا بالصّواريخ الباليستية في يوم "الأحد العظيم"، وأجبرت 4 ملايين مُستوطن على اللجوء للملاجئ، قبل أن تتم سرقة هذا الإنجاز بهرولة هوكشتاين إلى بيروت لإنقاذ كيان الاحتلال بفرض اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى "سلقه" على عجل، واحتضانه من قِبل المعسكر الآخر.
نُبشر السيّدة مورغان أنّ المُقاومة لم تُهزم، وما زالت موجودة وقويّة برجالها ذوي البأس الشّديد، وهي عائدة حتما، وربمّا أكثر قوة بعد استيعاب كل الدروس، وإعادة تنظيم صفوفها، والتمسك بإرث سيد الشهداء العظيم حسن نصر الله في مواصلة أداء الواجب الرباني والأخلاقي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ونجزم بأن هذه الاستفزازات الأمريكية والإسرائيلية، وركوع البعض اللبناني، سيسرع هذه العودة.. والأيام بيننا.
عبد الباري عطوان