في ظل العدوان الاسرئيلي الهمجي:

غزة تشهد أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ!

غزة تشهد أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ!
السبت ٣١ أغسطس ٢٠٢٤ - ٠٨:٤١ بتوقيت غرينتش

في كل يوم، تترك الحرب الإسرائيلية بصمتها القاسية على أجساد الأطفال وأرواحهم في قطاع غزة. في كل يوم، يُجبر الأطفال على فقدان أحد أطرافهم أو كليهما في جراحات مؤلمة للغاية تُجرى بلا تخدير، مما يجعل كل لحظة من العملية جحيماً لا يُحتمل. هؤلاء الأطفال، الذين فقدوا أجزاءً من أجسادهم، يتحملون ألاماً مضاعفة بفقدان ذويهم ليجدوا أنفسهم يواجهون مصيراً مجهولاً في صراع يومي من أجل البقاء والكرامة.

العالم-فلسطين

وأعلن المفوّض العام لـ«الأونروا»، فيليب لازاريني، أن الحرب الدائرة في قطاع غزة تؤدي إلى فقدان 10 أطفال ساقاً أو ساقين كل يوم. ويقول المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل: «في كل عملية استهداف تنتشل الطواقم عدداً من الأطفال، بينهم أطفال مبتورو الأرجل او الأيدي».

كما تشير تقديرات اليونيسيف إلى أن ألف طفل في غزة أصبحوا مبتوري الأطراف منذ بدء الحرب الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول. وقال الجراح الفلسطيني غسان أبو ستة: «هذه أكبر مجموعة من الأطفال المبتوري الأطراف في التاريخ». ووفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود، فإن مبتوري الأطراف في غزة معرضون لخطر المضاعفات المميتة بسبب الافتقار إلى العلاج الطبي المناسب، وأنه كان من الممكن تجنب غالبية عمليات البتر التي أجريت في ظل ظروف طبيعية. ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، أصيب أكثر من 86969 شخصًا في حرب إسرائيل على القطاع، ويُقدر أن ما لا يقل عن 12000 منهم من الأطفال، وكثير منهم يعانون من إصابات لا رجعة فيها.

البتر: الخيار الوحيد المتاح
صحيح أن بتر الأطراف هو الإجراء الجراحي الذي يتم اللجوء إليه غالبًا كحل «أخير» لإنقاذ حياة الطفل بعد إصابته بجروح بالغة، لكن في قطاع غزة الوضع مختلف تماماً. ففي كثير من الأحيان لا يكون لدى الأطباء الفلسطينيين خيار آخر سوى البتر، خاصة بعد أن حاصرت قوات الاحتلال بنك الدم، وبالتالي لم يكن بوسعهم إجراء عمليات نقل الدم، فإذا كان أحد الأطراف ينزف بغزارة، كان عليهم أن «يقطعوه». وقد ساهمت ندرة الإمدادات الطبية الأساسية، بسبب الحصار، في زيادة عدد عمليات البتر. وفي غياب القدرة على غسل الجرح على الفور في غرفة العمليات، غالباً ما تتطور العدوى والغرغرينا، مما يؤدي إلى تفاقم الحالات التي تتطلب بترًا. كما يضيف نقص الأدوية الضرورية بعد العملية، وخاصة مسكنات الألم، معاناةً إضافية للطفل.

المعاناة مضاعفة بعد تدمير منشآت إعادة التأهيل في غزة
عدد الأطفال الذين بُترت أطرافهم يحمل آثارًا طويلة المدى بعد أن دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلية المنشأة الوحيدة في غزة لتصنيع الأطراف الاصطناعية وإعادة التأهيل، في مستشفى حمد. علماً إن شراء الأطراف الاصطناعية أو تأمينها عبر جهات مانحة ليس سوى الخطوة الأولى، حيث يحتاج الأطفال الذين بُترت أطرافهم إلى رعاية طبية كل ستة أشهر أثناء نموهم. ولأن العظام تنمو بشكل أسرع من الأنسجة الرخوة والأعصاب المقطوعة غالبًا ما تلتصق بالجلد بشكل مؤلم، فإن الأطفال الذين بُترت أطرافهم يحتاجون إلى تدخلات جراحية مستمرة. وفي هذا السياق يقول الجراح الفلسطيني غسان أبو ستة «يتطلب كل طرف من ثماني إلى اثنتي عشرة عملية جراحية أخرى».

مواجهة الحياة بـ«إعاقة» جديدة
عندما يفقد الأطفال أطرافهم، فإنهم لا يواجهون فقط جراحات مؤلمة، بل يعيشون أيضاً مع الإعاقة التي تصاحبهم طوال حياتهم. تتطلب العمليات الجراحية الخاصة ببتر الأطراف، والتي تُجرى في ظل ظروف قاسية، اهتماماً طبياً خاصاً، يتضمن توافر الأدوية، والتخدير، والبيئة الطبية المناسبة. لكن في غزة، يُعاني الأطفال من نقص حاد في هذه الموارد الأساسية.

غالباً ما تُجرى الجراحات في ظروف غير ملائمة، حيث يُعاني الأطفال من الألم الشديد دون توافر مسكنات الألم الضرورية. يُشير العديد من الأطباء إلى أن الألم الناتج عن العمليات الجراحية بدون تخدير أو مسكنات يمكن أن يكون لا يُطاق، مما يزيد من معاناة الأطفال وأسرهم. كما أن التعافي من بتر الأطراف يتطلب عمليات جراحية متكررة ورعاية طبية مستمرة، وهو ما يصعب تأمينه في ظل انهيار النظام الصحي.

الأطفال الذين يعانون من بتر الأطراف يواجهون تحديات إضافية تتعلق بالنمو وتكييف الأطراف الاصطناعية. تحتاج الأطراف الاصطناعية إلى تعديلات دورية لمواكبة نمو الأطفال، مما يستلزم تدخلات طبية مستمرة، وهو ما يعجز العديد من الأسر عن توفيره بسبب نقص الموارد.

كما تؤدي الإعاقة الناتجة عن بتر الأطراف إلى تغيير جذري في حياة الأطفال، حيث يجدون أنفسهم مجبرين على التكيف مع ظروف جديدة ومواجهة تحديات جسدية ونفسية. على سبيل المثال، يحتاج الأطفال إلى تعليم خاص ورعاية نفسية لمساعدتهم على التكيف مع فقدان أطرافهم، بالإضافة إلى الدعم الاجتماعي الذي يعزز من قدراتهم ويخفف من آثار الإعاقة.

الأثر يتضاعف بشكل دراماتيكي إذا كان الأطفال قد فقدوا أيضاً عائلاتهم. هؤلاء الأطفال ليسوا فقط مضطرين للتعامل مع فقدان أطرافهم، ولكنهم أيضاً يتعاملون مع الصدمة النفسية وفقدان الرعاية والدعم العائلي. وفقدان الأهل يُضيف عبئاً إضافياً على معاناتهم، حيث يضطرون لمواجهة الحياة بمفردهم في عالم لا يوفر لهم الأمان والدعم الكافي. كما أن العزلة والفقدان يؤثران بشكل عميق على صحتهم النفسية، ويجعل من عملية التعافي والتكيف أمراً أكثر صعوبة.

«استعادة الأمل»: مبادرة جديدة لدعم مبتوري الأطراف في غزة
في خطوة إنسانية تسعى إلى تقديم الدعم والمساعدة للأطفال الذين فقدوا أطرافهم بسبب الحرب في غزة، أُطلقت مبادرة "استعادة الأمل". هذه المبادرة الأردنية التي تهدف إلى تحسين حياة هؤلاء الأطفال، وتقديم الدعم اللازم لهم ولعائلاتهم في مواجهة التحديات الكبيرة التي يواجهونها. تسعى هذه المبادرة إلى تزويد الأطفال بأطراف اصطناعية متطورة، لتساعدهم على استعادة بعض من استقلاليتهم وقدرتهم على الحركة. كما تهدف إلى تقديم الرعاية الطبية اللازمة، بما في ذلك العمليات الجراحية والتعديلات المطلوبة للأطراف الاصطناعية. تشمل المبادرة برامج تأهيلية وتدريبية للأطفال وأسرهم لمساعدتهم على التكيف مع استخدام الأطراف الاصطناعية والتعامل مع التحديات اليومية.

ورغم أهمية المبادرة في تزويد الأطفال بالأطراف الاصطناعية المتطورة وتقديم الرعاية الطبية والنفسية، فإنها لا يمكن أن تعوض بالكامل عن الألم العميق والصدمات النفسية التي تعرضوا لها. الأطفال الذين فقدوا أطرافهم في الحرب الهمجية الإسرائيلية يعيشون مع معاناة لا تُقاس، حيث يتطلب التعافي من بتر الأطراف أكثر من مجرد تدخلات طبية؛ فهو يشمل أيضاً رحلة طويلة من الشفاء النفسي والتكيف مع فقدان جزء من جسدهم وحياتهم.

«استعادة الأمل» تقدم أملًا حقيقيًا ولكن لا يمكنها أن تعيد الزمن إلى الوراء أو تعوض عن الألم العاطفي والنفسي الذي يعاني منه الأطفال. المبادرة تسعى جاهدة لتخفيف معاناتهم، لكنها تظل جزءًا من جهود أوسع تحتاج إلى دعم شامل لمواجهة التحديات التي يواجهها هؤلاء الأطفال وعائلاتهم.

بتر الأطراف بدون تخدير
إجراء عملية بتر الأطراف بدون تخدير هو تجربة مؤلمة وعلمياً معقدة. خلال هذه العملية، تتعرض الأنسجة والعضلات والأعصاب للقطع، مما يحفز مستقبلات الألم في الجسم بشكل مباشر. عادةً، يقوم التخدير بتعطيل هذه المستقبلات ويمنع إشارات الألم من الوصول إلى الدماغ، مما يخفف من الألم بشكل كبير. ولكن بدون تخدير، تظل إشارات الألم متصلة مباشرة بالدماغ، مما يجعل الألم شديداً وقاسياً.

الألم الناتج عن بتر الأطراف بدون تخدير يشمل عدة مراحل: من الألم الحاد الذي يحدث أثناء العملية، إلى الألم المستمر بعد الجراحة بسبب التهابات الأنسجة والعضلات المقطوعة. بالإضافة إلى ذلك، الألم المصاحب لعملية البتر يتضمن الألم الناتج عن قطع الأعصاب، الذي يمكن أن يستمر حتى بعد الشفاء من العملية، مما يزيد من معاناة المريض. تجربة البتر بدون تخدير لا تتوقف عند حدود الألم الجسدي؛ فهي تشمل أيضاً صدمة نفسية عميقة. الإحساس بالألم الشديد مصحوب بالقلق والخوف من العملية، مما يضيف طبقة إضافية من الضغط النفسي. هذه الصدمة النفسية، جنباً إلى جنب مع الألم الجسدي، تجعل تجربة بتر الأطراف بدون تخدير واحدة من أكثر التجارب صعوبة وقسوة التي يمكن أن يمر بها الإنسان.

*الأخبار