العقوبات الأميركية: مصارف مَلَكيّة أكثر من واشنطن!

العقوبات الأميركية: مصارف مَلَكيّة أكثر من واشنطن!
الثلاثاء ٣٠ يوليو ٢٠١٩ - ٠٧:٤٨ بتوقيت غرينتش

قد لا تِجد الولايات المتحدة الأميركية حليفاً لها في تنفيذ عقوباتها الاقتصادية والمالية أفضل من المصارف اللبنانية. هذه الأخيرة، وبرعاية مصرف لبنان، وبناءً على تعليماته، تطبّق القانون الأميركي على اللبنانيين. وفي أحيان كثير، تتخذ مصارف تدابير في حق المدرجين على لائحة العقوبات الأميركية،

العالم _ لبنان
قد لا تِجد الولايات المتحدة الأميركية حليفاً لها في تنفيذ عقوباتها الاقتصادية والمالية أفضل من المصارف اللبنانية. هذه الأخيرة، وبرعاية مصرف لبنان، وبناءً على تعليماته، تطبّق القانون الأميركي على اللبنانيين. وفي أحيان كثير، تتخذ مصارف تدابير في حق المدرجين على لائحة العقوبات الأميركية، لا تكون مطلوبة منها، كأن تعمد إلى توسيع رقعة العقوبات لتشمل أفراد عائلاتهم ووكلاءهم القانونيين. باختصار، يمكن استعارة عبارة «الاستعمار المالي» من مقابلة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الذكرى الثانية لانتخابه، لوصف العقوبات الأميركية

يُلحّ الهاتِف بالرنين. يلتقِطه صاحبه، فلا يسمَع سلاماً كالعادة. يسأله المُتصل فوراً: «هناك خبر عاجل يقول إن (فلان الفلان) أُدرج اسمه على لائحة العقوبات الأميركية، هل أنتَ المقصود؟». يضَع السماعة. يفتح شاشة التلفزيون، وقد زاغت نظراته. يرنّ الهاتف مجدداً: «هل هذا تشابه أسماء؟». ولكن، لا يُمكن التشابه أن ينسحِب على الشركات والمؤسسات التي يملِكها. يُجيب: «لا، هذا أنا بذاته. لقد أصبحت على لائحة «أوفاك»». كم يحتاج أحدهم لأن يكون بارِد الأعصاب عندما يأتيه نبأ «كالقضا المستعجل»، يبشّره بأنّ كل ما بناه في سنوات سينهار كقصر من ورق؟ لماذا؟ لأن في العالم دولة اسمها الولايات المتحدة الأميركية، تقررّ متى يحلو لها أن تحارب أعداءها، إن لم يكُن بالحرب العسكرية التقليدية، فبلقمة عيشهم.

طوّرت واشنطن أساليب «بلطجتها» وبرامجها العقابية. إلى جانب الطائرات والصواريخ وكل مشتقات البارود، تستخدم دولارها سيفاً مصلَتاً فوق رقاب من لا يأتمر بأمرها. دول وأنظمة وأفراد، أدرجهم «مكتب مراقبة الأصول الأجنبية» الأميركي على لائحة عقوباته، بهدف تحويل حياتهم إلى جحيم… فإما اتباع سياسة أكثر اتساقاً مع الولايات المتحدة، أو دفع غرامات. أصبحت العقوبات الاقتصادية وسيلة ضغط على الناس لتبديل سياساتهم، ومصدر دخل للخزينة الأميركية.
بدأت هذه القضية تصير جزءاً من حياة اللبنانيين.ليست هي المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على رجال أعمال لبنانيين لهم نشاط اقتصادي واسع في عدد من الدول، خصوصاً في القارة الإفريقية. الإدراج على اللائحة لا يقتصر على تجميد بعض الأصول المالية ومنع «المُعاقَبين» من فتح حسابات في البنوك. التداعيات أكبر بكثير من ذلك. سرعان ما يتحوّل «المعاقَب» منبوذاً يخشى الجميع «الاقتراب» منه. لا تشمل العقوبات حساباته المصرفية وحسب، بل حسابات كل أفراد عائلته، وتمنعه من الاستمرار في أيّ عمل تجاري، بسبب عزوف التجار ورجال الأعمال عن التعاون معه، فتتوقف حركة السيولة المالية لديه، ولا يعود قادراً على إصدار الشيكات أو فتح اعتمادات بعدَ إغلاق أرصدته. تنجم عن هذه التدابير أضرار أخرى اجتماعية ومعنوية تطاول كل الأفراد الذين يعملون معه، في مؤسسات تضم آلاف العمال. «لعلّ الإيجابية الوحيدة التي تسجّل في هذه الشدّة أنّ المرء يستطيع أن يعرف أصدقاءه الحقيقيين»، يقول أحد المعاقبين مازحاً. غالبية الذين فرضت عليهم عقوبات تقلّصت دائرة أصدقائهم. وليس مبالغاً القول إنّ التأثير في بعض الأحيان يصل إلى درجة أن يرفض صاحب دكان البقالة بيعهم، أو يصدف أن يراه صديق في الشارع فيقرر تجاهله! لكن في المقابل، يحظى بعضهم بتضامن محيطهم.

ميسم رزق - جريدة الاخبار