العالم- تقارير
ورغم وعود واشنطن تستمر أميركا في إدراج السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ويقول رجال أعمال ودبلوماسيون إن هذا الوضع لا يزال يضغط على الاقتصاد السوداني، وساهم في أزمة تغذي احتجاجات على نطاق واسع تشكل أكبر تهديد حتى الآن لنظام حكم الرئيس عمر البشير المستمر منذ ثلاثين عاما.
وتقول واشنطن إنه حتى يتم رفع السودان من قائمة الإرهاب، سيكون محظورا عليه الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو دعم تحتاجه البلاد بشدة لتقليص معدل التضخم الذي بلغ حوالي 73 بالمئة في ديسمبر/ كانون الأول.
ويقول مصرفيون سودانيون إن علاقات المستوردين بالموردين الأجانب لا تزال محصورة في نطاق ضيق، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى الافتقار إلى علاقات مراسلين مع بنوك أجنبية. ولا يوجد بنك في السودان لديه القدرة على فتح حساب بالدولار.
وتنتظر معظم البنوك الأمريكية والأوروبية رفع السودان من قائمة الإرهاب، وأبدت قلقها من عقوبات ثانوية لا تزال قائمة بحق أفراد مرتبطين بالحرب في دارفور، بحسب ما قاله مصرفيون سودانيون.
ويجب على البنوك الأجنبية والسودانية أن تثبت أنها متوافقة مع هذه العقوبات خشية التعرض لغرامات ضخمة.
وقال أمين النفيدي، الذي يدير واحدة من أكبر شركات النقل في السودان وأكبر مورد لأفراخ الدجاج إلى صناعة الدواجن في البلاد، ”معظم البنوك الأجنبية لا تستجيب... الحجم المنخفض لأنشطة الأعمال لا يشجعهم“.
وقال مصرفيون سودانيون إن شركات سودانية، تحولت بالفعل من استخدام الدولار واليورو، إلى تسوية جميع أنشطتها تقريبا بالدرهم الإماراتي عبر دبي، في تحرك لا يبدو أن الحكومة الأمريكية ستعترض عليه.
لكن مثل هذه الصفقات يمكن أن تزيد التكلفة بما يصل إلى 20 بالمئة، فيما تبقى العقوبات مؤثرة.
وقال رجال أعمال إن شركة الخطوط الجوية السودانية، التي تعاني منذ فترة طويلة من مشكلات في الصيانة، تشغل فقط طائرتين مستأجرتين. ولم يتسن الحصول على تعقيب من الشركة.
وقال مسؤول تنفيذي بقطاع التأمين السوداني إن شركات التأمين لا تستطيع تحويل دولارات إلى شركات إعادة التأمين العالمية الكبرى، وهو ما يدفعها إلى التعامل فقط مع شركات إقليمية لإعادة التأمين ليس لديها القدرة على الحصول على مدفوعات من السودان.
وتابع قائلا ”هذه مشكلة لمشروعات كبيرة مثل مصانع السكر، أو محطات الكهرباء، لديها مخاطر كبيرة لا تستطيع شركات إعادة التأمين المحلية التعامل معها“.
هذا وكانت الخرطوم تتوقع تسهيلات ائتمانية لإجراء الاستفتاء الذي أسفر عن انفصال الجنوب في 2011، منتزعا من السودان ربع أراضيه ومعظم إنتاجه النفطي.
لكن مع استمرار عقوبات، وافقت بنوك أوروبية، من بينها "إتش.إس.بي.سي" و"بي.إن.بي " باريبا في 2013 و2014 على دفع أكثر من عشرة مليارات دولار لتسوية قضايا أقامتها الولايات المتحدة بشأن تعاملات مزعومة مع دول تحت طائلة العقوبات من بينها السودان.
وقال مصرفي ثان ”الأمر يشبه من يحرق أصابعه. أي بنك الآن، حتى لو كان سعوديا، يحجم عن التعامل مع بنوك سودانية“.
واشنطن خدعت السودان
ورفعت واشنطن عقوبات تجارية، استمرت عشرين عاما، عن السودان في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، مشيرة إلى تقدم في مكافحة الإرهاب ودخول المساعدات الإنسانية، إلا أن الخرطوم بقيت في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وأعلنت الولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي أنها بدأت محادثات مع الخرطوم لشطبها من القائمة، التي ترجع إلى عام 1993، وترتبط باتهامات بدعم السودان لجماعات إسلامية مناوئة للإحتلال الإسرائيلي، من بينها "حماس" و"حزب الله".
وفي نفس السياق، وعدت أميركا السودان اذا قطعت خرطوم علاقاتها مع إيران فسوف تخرج من قائمة العقوبات، فأجاب السودان لكن واشنطن لم تفي بوعودها!
وكانت الخطة تتضمن الاجتماع مرة كل شهر، بالتناوب في واشنطن والخرطوم، لكن العملية تأخرت في يناير/ كانون الثاني بسبب الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية. وقال دبلوماسيون إن أي اتفاق سيتم التوصل إليه، قد يستغرق شهورا لوضعه موضع التنفيذ.
ورغم أن من الصعب قياس الناتج المحلي الإجمالي بسبب الاضطرابات بسبب تشوهات الهبوط السريع في قيمة العملة، فإن مستويات المعيشة تهبط حيث يؤدي نقص السلع إلى طوابير طويلة أمام المخابز ومحطات الوقود وماكينات صرف النقود.
وبعد إعلان أميركا رفع العقوبات على خرطوم، لم يتحقق منه شيء على الواقع، بل زادت وتيرة الحظر على خدمات يتضرر منه بالدرجة الأولى شعب السودان.
ويعاني السودانيين من تأثير المقاطعة الإقتصادية الأمريكية والتي تشمل فرض قيود واسعة للتحويلات المالية من أوربا وأمريكا للسودان. بالإضافة لمنع البنوك السودانية من إصدار البطاقات الإئتمانية الشهيرة مثل "فيزا" و"ماستر كارد" وبالتالي يشكل ذلك حظر تقني واضح لأن المواطنيين لا يستطيعوا تسوية أي مدفوعات للبرامج والسلع والخدمات عبر الإنترنت.
ويعتقد السودانيون، أن أميركا لا تسهدف حكومة معينة في السودان ولكن تستهدف العنصر السوداني ذات نفسه. فقد ساهمت الولايات المتحدة بتأجيج الصراع المسلح بين السودان وجنوبه حتى أدى لقيام دولة جنوب السودان، ولكن دولة جنوب السودان ما لبثت أن عاشت صراع داخلي دموي تحت بصر وسمع أميركا دون بذل أي جهود جدية لإيقافه.
فالنتيجة هي إن الدم السوداني رخيص عند الأمريكان. وكما قالو الإيرانيون مرارا خلال العقود الماضية" أمريكا هي الشيطان الأكبر وبلد غير موثوق فيه".
وخضع السودان منذ العام 1997 لعقوبات اقتصادية وتجارية فرضتها إدارات أميركية تعاقبت على البيت الأبيض. وتقول الخرطوم إن هذه العقوبات ألحقت بها خسائر اقتصادية وسياسية فادحة، فاقت 50 مليار دولار، لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة ظلت تجدد هذه العقوبات عاماً بعد آخر، دون أن تضع حساباً لنداءاتها، وللتنازلات الكبيرة التي قدمتها.