العالم - مقالات وتحليلات
المراقبون الذين يتعاملون “بجدية” مع تصريحات وتغريدات وتهديدات ترامب اليومية والمتناقضة ، برروا تلك التناقضات على انها “استراتيجية ترامبية” تُفقد “العدو” القدرة على التنبوء بمواقف ترامب .
هذا التبرير رغم تفاهته الا ان المبررين كانوا مضطرين لاعتماده من اجل ابعاد “شبح” الشخصية المتناقضة وغير المتزنة والنزقة عن رئيس دولة تزعم انها اكبر دولة في العالم ، ولولاها لاختلط الحابل بالنابل في العلاقات الدولية!.
يمكننا الدخول الى “عالم ترامب” من خلال موقفه من الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 ، الذي يعتبر موقفا عدائيا الى حد العمى ، ولكن من دون ان يقدم مبررا منطقيا واحدا لموقفه هذا من اجل اقناع اقرب حلفائه الاوروبيين ، الذين كانوا ومازالوا يعتمدون على تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، كمعيار وحيد لمدى التزام ايران بالاتفاق ، وهي تقارير اكدت جميعها دون استثناء ، من سوء حظ ترامب طبعا ، التزام ايران الكامل بالاتفاق.
هناك من يعتقد ان سبب العداء الاعمى لترامب للاتفاق النووي ، يعود الى حقده المرضي على سلفه باراك اوباما ، الذي توصلت امريكا في عهده الى هذا الاتفاق ، فترامب ، ولاسباب شخصية وحتى عنصرية ، يسعى بكل ما اوتي من قوة لنسف تراث اوباما من التاريخ الامريكي ، الامر الذي يفسر عزله حتى صقور ادارته الذين رفضوا مماشاته في موقفه من الاتفاق النووي ، لعلمهم ان لا بديل منطقيا لهذا الاتفاق.
العالم بأجمعه لا يرى بديلا للاتفاق النووي ، الا ترامب ، ولكن لو تمعنا جيدا نرى انه حتى ترامب ليس لديه بديلا للاتفاق ، الا ان الاسباب التي ذكرناها هي التي تدفعه الى اطلاق التهديدات والمواقف الاستعراضية ضده ، الامر الذي جعل ماكرون وماي وميركل وكل زعماء اوروبا تنتابهم الحيرة في كيفية التعامل مع هذا المهووس.
يعتقد ترامب تحت ضغط “عقدة أوباما” ، ان بامكانه من خلال الضغط على الاوروبيين ، ان يحذف توقيع سلفه اوباما من على الاتفاق النووي ويضع مكانه توقيعه الهستيري ، بينما فاته ان العالم لا يمكنه ان يضع مصيره بيد رجل يتعامل مع الاتفاقيات والقضايا الدولية الحساسة ، بطريقة صبيانة تتقاذفها الاهواء الشخصية والنوازع المرضية.
ليس مستبعدا ان يخرج ترامب من الاتفاق النووي في 12 يناير القادم ، ولكن هذا الخروج سيتحول الى كابوس ينغص على ترامب حياته خلال ما تبقى له من اعوام في البيت الابيض ، والاسباب:
-موقف ايران الحازم والقاطع من تهديدات ترامب ، حيث اتفقت القيادة الايرانية على استئناف التخصيب بسرعة استثنائية وبمعدلات اعلى ، دون الاعتناء بعنتريات ترامب ولا بعنتريات صقور ادارته.
-العالم اجمع وفي مقدمته العالم الغربي سوف ينظر الى امريكا بانها دولة لا تحترم تعهداتها ، وتتعامل مع اخطر القضايا الدولية بسطحية وعدم مسؤولية.
-امريكا ستعزل نفسها عن العالم وحتى عن اقرب حلفائها.
-سيكون من الصعب على ترامب ان يُقنع كوريا الشمالية بانه جاد في تسوية برنامجها النووي عبر الوسائل السياسية ، فامريكا ترامب لم تحترم اتفاقا دوليا شاركت في صياغته على مدى عقد من الزمن وصادق عليه مجلس الامن الدولي.
-من الذي يضمن لكوريا الشمالية ، في حال فرضنا جدلا توصلها الى اتفاق مع ترامب ، ان تلتزم به الادارة الامريكية التي ستاتي بعد ادارة ترامب الى البيت الابيض.
-على ترامب ان يتحمل ارتقاع اسعار النفط التي ستشهد قفزة على وقع تهديداته وعنترياته لايران ، لمنعها من استخدام حقها في الطاقة النووية للاغراض السلمية.
ماجد حاتمي / شفقنا
109-2