هل تقرِّر "الشوارع" مستقبل الاقتصاد الأوروبي وعملته؟

الجمعة ٢٢ أكتوبر ٢٠١٠ - ٠١:١٥ بتوقيت غرينتش

لو كانت هناك بطولة غير رسمية على مستوى الاتحاد الأوروبي في مظاهرات الشوارع لكانت اليونان وفرنسا أكثر الفائزين المنتظمين فيها. فقد دأب العمال اليونانيون والفرنسيون على تنظيم الإضرابات والمظاهرات بهمة وعدد مرات يضعان العمال الأوروبيين المنافسين في الظل.في الأسبوع الماضي عادت البلدان إلى هذا النهج. في اليونان منع العمال المضربون الناس من الوصول إلى الأكروبول احتجاجاً على فقدان الوظائف، وتم تفريقهم من قبل شرطة مكافحة الشغب بالقنابل المسيلة للدموع. والمظاهرات ضد المحاولات الرامية لرفع سن التقاعد في فرنسا اكتسبت زخماً مع نزول الملايين إلى الشوارع.

لو كانت هناك بطولة غير رسمية على مستوى الاتحاد الأوروبي في مظاهرات الشوارع لكانت اليونان وفرنسا أكثر الفائزين المنتظمين فيها. فقد دأب العمال اليونانيون والفرنسيون على تنظيم الإضرابات والمظاهرات بهمة وعدد مرات يضعان العمال الأوروبيين المنافسين في الظل.

 

 

في الأسبوع الماضي عادت البلدان إلى هذا النهج. في اليونان منع العمال المضربون الناس من الوصول إلى الأكروبول احتجاجاً على فقدان الوظائف، وتم تفريقهم من قبل شرطة مكافحة الشغب بالقنابل المسيلة للدموع. والمظاهرات ضد المحاولات الرامية لرفع سن التقاعد في فرنسا اكتسبت زخماً مع نزول الملايين إلى الشوارع.

 

 

ويبدو أن الفرنسيين يجدون متعة في الإضراب. ففي الأسبوع الماضي كان هناك نوع من الجو الاحتفالي – عرضت فيه الأعلام، والطبول، والمشاعل، والترانيم، حتى الملابس المبهرجة. وهناك أمر مثير لبعض السخرية حول إضراب تلاميذ المدارس احتجاجاً على معاشاتهم التقاعدية، ما يغري باستبعاد أن يكون كل ذلك مسرحاً في الشارع وافتراض أن القرارات الحقيقية يتم اتخاذها في مكان آخر. لكن ذلك سيكون خطأ. ذلك أن الإضرابات الفرنسية تتسبب في تمزيق خطير للاقتصاد مع خطر نفاد النفط من البلد في وقت قريب.

 

 

إن المعركة على مستقبل أوروبا تجري بالفعل على مستوى آخر. فهناك الجدل الدائر في الدوائر الحكومية وفي غرف الاجتماعات الخالية من التدخين في بروكسل، ومحاولة السياسيين والبيروقراطيين تحديد قواعد جديدة يتم تطبيقها في سائر أرجاء القارة لضمان عدم عودة أوروبا إلى الانزلاق في أزمة مديونية جديدة تؤدي إلى ضعفها. لكن من المرجح أن يتقرر مستقبل الاقتصاد الأوروبي وعملته الموحدة في الشوارع.

 

 

في الأسبوع الماضي جرى في بروكسل نقاش حاد للجهود المبذولة لإنقاذ أوروبا من مشاكل مديونيتها من خلال سن أنظمة جديدة. لكن معظم المقترحات التي عرضت على الطاولة غير واقعية ومن المرجح أن تمنى بالفشل. ولأن الاتحاد الأوروبي لن يكون قادراً على فرض الانضباط المالي من المركز، فيتعين القيام بذلك في كل بلد على حدة.

 

بطبيعة الحال لا يقبل زعماء أوروبا أن يكون الفشل مصير جهودهم الرامية إلى إعادة صياغة قواعد جديدة للاتحاد الأوروبي. لكن إذا نظرتَ إلى المقترحات المقدمة في هذا الشأن، يكون من الصعب استخلاص أي استنتاج آخر. فقد اختفت معاهدة الاتحاد الأوروبي الأصلية الخاصة بالاستقرار والنمو، التي كان يقصد منها الحد من العجز في الموازنات الوطنية، عندما اتضح أنه لا فرنسا ولا ألمانيا كانت على استعداد لقبول القاعدة التي تقضي بقيام الاتحاد الأوروبي بتغريمهما بسبب إدارة عجز في الموازنة بنسبة تزيد على 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

 

 

ومع ذلك، فإن صقور العجز – خاصة في ألمانيا – يدفعون الآن باتجاه فرض عقوبات أشد على البلدان التي تدير عجوزات كبيرة. ومرة أخرى تعود فكرة فرض غرامات على الدول المدينة إلى السطح – باستثناء أنها ستكون هذه المرة "تلقائية". ولن يكون هناك تملص من نسخة العبودية هذه لمعاهدة الاستقرار والنمو. ويطالب الألمان بقوة أيضاً بحرمان البلدان التي تدير عجوزات تزيد كثيراً على نسبة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من حقوقها التصويتية في الاتحاد الأوروبي.

 

 

وفي ظل الظروف الراهنة، فإن ذلك يعني أن يجلس معظم أعضاء الاتحاد صامتين حول الطاولة، وغير قادرين على أن تكون لهم كلمة في القرارات المهمة. إن فرنسا التي تدير حالياً عجزاً بنسبة تقارب 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ستخسر صوتها. حاول أن توضح ذلك للرئيس نيكولا ساركوزي. مهما كانت جدية التهديدات بفرض غرامات من قبل الاتحاد الأوروبي أو تعليق حقوق التصويت، إلا أنها فارغة من الناحية الجوهرية. لكن هناك تهديد واحد فاعل يبدو أنه سينجح مع السياسيين والجمهور. هذا التهديد هو الإفلاس الوطني.

 

 

إذا وصلت البلدان إلى القاع – أي إذا اكتشفت أن الأسواق لن تقدم لها القروض مرة أخرى – عندها تكتشف الحقيقة المرة وتبدأ الضربة القوية المتمثلة في إعادة الانضباط إلى الموازنة. ويتردد الاتحاد الأوروبي في اختبار هذه النظرية خشية "العدوى" في ظل انتشار الأزمات الوطنية عبر أوروبا. لكن يستدل مما لدينا من خبرة أن قواعد السوق ستكون أكثر فاعلية بكثير من قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة.

 

 

وفي هذا الخصوص، فإن قصتي اليونان وفرنسا – رغم جميع أوجه الشبه الظاهرية بينهما - مختلفتان تمام الاختلاف. فقد اقترب اليونانيون لدرجة الخطورة من العجز الوطني عن سداد الديون هذا العام. لكن رداً على ذلك – وبعد تأمين القروض من صندوق النقد الدولي ومن بقية دول الاتحاد الأوروبي – عملت أثينا بجد. وفي العام الماضي خفضت العجز في ميزانيتها إلى النصف وأعدت خططاً معقولة من أجل تحقيق التوازن في الميزانية. وواجهت الحكومة احتجاجات الشوارع وواصلت السير. وما زالت إمكانية العجز عن سداد جزء من الديون في نهاية المطاف قائمة. ومع ذلك، دفعت اليونان نحو إجراء الإصلاحات المالية وإصلاح سوق العمل، وهي إصلاحات لم تكن واردة قبل عامين.

 

 

في المقابل، يبدو أن الفرنسيين ما زالوا غير مدركين للخطورة التي ينطوي عليها وضعهم. إن اقتراح حكومتهم رفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاماً يعتبر إصلاحاً بالغ الاعتدال – بالتأكيد مقارنة بتخفيضات الأجور والمعاشات التقاعدية والخدمات التي يجري فرضها في البلدان الأوروبية الأخرى، كاليونان، وإسبانيا، وإيرلندا حتى بريطانيا. ورغم ذلك جلبت الإصلاحات المقترحة في فرنسا ملايين المتظاهرين إلى الشوارع. وربما يحتاج الأمر في النهاية إلى أزمة مالية حقيقية لإقناع الفرنسيين "بعدم وجود بديل"، كما قالت مارجريت تاتشر ذات مرة.

*فاينانشال تايمز- جديون راتشمان من لندن