في تلك الإطلالة، أطل «السيد» ليكسر «الحرب النفسية»، التي شنها المثلث السعودي ـ التركي ـ القطري ومن خلفه الأميركي بأن «كل شيء انتهى بعد سقوط إدلب وجسر الشغور».
وأما في إطلالته، مساء غد ( اليوم ) السبت، فسيعلن «السيد» الانتصار، ويتحدث عن معانيه الاستراتيجية، وعن بعض التفاصيل الميدانية. سيشرح جزءا من سير العملية، وسيؤكد مرة أخرى أن لدى المقاومة، وكذلك الجيش السوري، القدرة على تحقيق ما تحدد من أهداف. فكما حصلت عملية إبعاد الخطر من الجنوب في منطقة القنيطرة، يتم إبعاد الخطر والقضاء على الإرهابيين في السلسلة الشرقية. كما سيؤكد الاستمرار في هذه المعركة حتى دحر الإرهابيين، وأن الحلفاء في محور المقاومة هم قلب واحد، ويد واحدة.
ميدانيا، هي معركة «نظيفة» بالمعنى العسكري، وتمت في مدى زمني أقصر مما كان محددا لها، برغم أنها مساحة شاسعة وواسعة تقع على الحدود مع القرى اللبنانية ويمر بها الطريق الدوليّ الذي يربط دمشق بحمص. وتمتد من ريف حمص شمالا حتى أطراف غوطة دمشق الغربيّة جنوبا، بالإضافة إلى أنّها طريق إمداد أساسي للمسلحين بين لبنان والداخل السوريّ.
وأما الخسائر في صفوف مقاتلي «حزب الله»، فكانت، كما تؤكد مصادر معنية، أقل مما كان الحزب مستعدا لأن يقدمه خلالها، والحصيلة كانت عشرة شهداء، في وقت انهارت بشكل مريع وسريع كل المجموعات الإرهابية والتي تشكل «جبهة النصرة» الأساس فيها مع بعض ما أسمي بـ «جيش الفتح» وبقايا «الجيش الحر» و «الفصائل القلمونية».
الميدان صار حاليا مركزاً على ملاحقة تلك المجموعات في أماكن تبعثرهم والاستمرار في دفعهم بعيدا عن المنطقة، بالتوازي مع الانتقال فعليا إلى تثبيت ما تمت السيطرة عليه (عسال الورد، راس المعرة... وغيرها من التلال والمواقع)، إذ تمكن مقاتلو الحزب والجيش السوري من السيطرة على نصف منطقة القلمون تقريبا.
والأهم في المساحة المسيطر عليها أنها تضم ما تسمى «التلال الحاكمة»، لا سيما طلعة موسى التي يبلغ ارتفاعها 2580 مترا، وجبل الباروح الذي يبلغ ارتفاعه 2460 مترا.
اكتسى الانتصار أهمية كبرى، ولعل "إسرائيل" كانت أول من قرأ تلك الأهمية وأكثر من يدرك معناها، فقد التقط رصد المقاومة إشارات بالغة الدلالة حول المواكبة الإسرائيلية لهذه المعركة، تفيد بأن هناك من يعتقد في "إسرائيل"، أن هذه العملية الضخمة البالغة التنسيق بين قطاعات عسكرية متعددة وأسلحة مختلفة، وتتضمن قطع الطرقات، وبناء الأشراك، والتسلل، والدمج بين نمطَي قتال حرب العصابات والقتال التقليدي، على مساحة جغرافية كبيرة، وفي منطقة شديدة الوعورة والتحصين، هي بمثابة تمرين استراتيجي على معركة محتملة في الجليل». بمعنى آخر، إن الراية التي غرزتها المقاومة في طلعة موسى شوهدت بالمناظير المقربة في تل أبيب.
وأما في الجانب الداخلي، فإن أهمية هذا الإنجاز الميداني الذي تحقق في بضعة أيام تكمن في ما يلي:
- حماية القرى اللبنانية المقابلة لمسرح العمليات العسكرية القلمونية، وإبعاد خطر المجموعات الإرهابية عنها.
- إبعاد خطر الصواريخ عن القرى اللبنانية لا سيما في البقاع.
- إراحة القوى العسكرية اللبنانية، وجعلها أكثر قدرة على التحرّك على الحدود وفي أماكن تواجدها على الحدود اللبنانية السورية.
- السيطرة بالنار على كل جرود عرسال، ما يجعل التسلل منها وإليها صعبا جدا. إذ لم تعد هناك بقعة أو ممر آمن من جرود عرسال إلى الداخل السوري. وبالتالي تمّ فصل جرود عرسال عن منطقة الزبداني وسرغايا ومضايا السورية.
- محاصرة الزبداني، وعزلها كليا عن القلمون. واما حسم وضع الزبداني، فقد يكون في مرحلة لاحقة وربما في وقت غير بعيد.
- ألغى أية مخاطر محتملة على خط بيروت دمشق الاستراتيجي.
- أمن حماية من الخلف للعاصمة السورية دمشق.
إضافة الى ذلك، فإن «حزب الله» يعتبر «أن أهمية ما تحقق في القلمون، توازي، بل ربما تفوق أهمية ما تحقق في القصير. فقد كان حسم معركة القصير منعطفا حاسما في مسار المعركة، وها هي القلمون تستكمل الإنجاز الأول. والأهمية الكبرى لاستكمال إنجاز القصير أنه جاء بعد الحرب السعودية على اليمن، وكذلك بعد خلق المثلث التركي القطري السعودي ضد سوريا، والذي تمثلت مفرداته في إدلب وجسر الشغور، مقرونا بحرب نفسية ومحاولة نسف المعنويات لدى محور المقاومة.
هناك من يؤكد أن حسم معركة القلمون انتهت، مبدئياً، في سياق عنوانَي التحسين والتحصين. أما النتائج فستكون ترجمتها وارتداداتها على مسار التوازنات الميدانية في سوريا، ولعل الأيام المقبلة قد تظهر عملياً تلك النتائج.
نبيل هيثم / السفير