ومن المؤكد ان اجتماع المئات من علماء الدين الاعلام والمفكرين الرساليين في هذا المؤتمر الدولي يعبر عن حجم المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقهم في الوقت الراهن، نظرا لاشتداد ردود افعال عناصر الثورة المضادة للصحوة الاسلامية المعاصرة.
كما ان الخطاب التاريخي الذي القاه قائد الثورة الاسلامية الامام الخامنئي في جموع المؤتمرين، حدد معالم التحركات الاميركية الاوروبية الاسرائيلية الرامية الى تفريغ الصحوة الاسلامية العالمية من مكاسبها وانجازاتها وعطاءاتها الرائعة لاسيما على مستوى ضرب المشاريع الاستكبارية وافشال الكثير من المخططات المعادية للتلاحم والاتحاد والرأفة والتعاون الاخوي والانساني بين ابناء امة الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).
وبهذا المعنى يسعنا القول ان الامة الاسلامية تواجه اليوم هجوما دوليا شرسا لا يتورع عن استخدام اقذر الادوات والآليات لتعمیم الانقسامات والتشرذم والاحتراب في العالم الاسلامي من اقصاه الى اقصاه، وفي مقدمتها الخلافات الطائفية والمذهبية والقومية التي اعتبرها السيد الخامنئي من اشد المخاطر التي تهدد الصحوة الاسلامية.
ومما يحز في النفس ان هذه المخططات الغربية الصهيونية تموّل بدعم من دولارات النفط والساسة المأجورين في المنطقة ــ كما جاء في خطاب قائد الثورة ــ لكن الذي يبعث على المزيد من الاسى والحزن في هذا الخضم، هو انخراط بعض وعاظ السلاطين في خدمة التآمر الاستكباري عبر اطلاق الفتاوى والمواقف التي تتناقض وروح السماحة والمودة والتراحم بين المسلمين كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ويؤسفنا القول ان هذه الفتاوى المتساوقة مع اجندات اميركا والانظمة العميلة سببت جروحا عميقة في الجسد الاسلامي هنا أو هناك، وادت الى سفك بحار من الدماء في انحاء العالم الاسلامي، وقد عزا سماحة الامام الخامنئي تفشي هذه المظاهر الى "ركون العلماء لملذات الدنيا وحياة الدعة والمهادنة مع الحكام الظالمين".
وبسبب النتائج الكارثية لهذا التوجه نرى ان الامة الاسلامية تقف في مواجهة تحديين اساسيين:
الاول - التحدي العسكري الارهابي الذي بات يستنزف طاقات الامة ويودي بحياة الآلاف منهم بين فترة واخرى نتيجة للاعمال المتطرفة الهوجاء للجماعات التكفيرية التي تفتك بارواح الناس الابرياء وتدمر ممتلكاتهم بوحي من الفتاوى المضللة الصادرة من الوهابيين في السعودية ووعاظ السلاطين في قطر.
الثاني - هو "تحدي الارهاب الديني" الذي لا يوفر اية وسيلة لفرض مناهجه وتعاليمه المتحجرة والقمعية على المسلمين سنة وشيعة، وعلى اتباع الديانات السماوية الاخرى.
وامام هذه الحرب الارهابية العسكرية والفكرية، تتعاظم واجبات علماء الامة الاسلامية ومفكريها وخطبائها ودعاتها، وذلك من خلال ترجمة الاهداف السامية للقرآن والسنة في المجتمع الاسلامي ــ كما قال السيد القائد للمؤتمرين ــ وعندئذ سيتمكن المؤمنون الحقيقيون من التصدي للظواهر السلبية والسلوكيات المنحرفة التي كرستها المؤامرة الغربية الصهيونية لاشاعة التناحرات والفتن السوداء (لفائدة تأمين حماية العدو الصهيوني وتكريس تفوقه في المنطقة) على حساب ازهاق الارواح البريئة للمسلمين والعرب.
لاحظوا ان "اسرائيل" الغاصبة لفلسطين والقدس الشريف هي الرابح الاكبر راهنا جراء استعار النزاعات في العالم العربي تحت ذريعة نشر الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان، وهي مفاهيم اريد من ورائها التعتيم على اشراقات الصحوة الاسلامية ودور العلماء المبدئيين الذين نذروا انفسهم منذ مئتي عام لمقارعة الغزو الثقافي والعسكري للاستعمار الغربي كالسيد جمال الدين الاسد آبادي (الافغاني) والشيخ محمد عبده والشهید الشیخ عمر المختاروالشهيد حسن البنا والشيخ ابن باديس والشهيد عزالدين القسام والمفكر اقبال اللاهوري والشيخ ابو الاعلى المودودي والامام السيد محسن الحكيم والشيخ محمد الغزالي السقا والشهید الشیخ محمد سعید البوطی والمرجع السید محمد حسین فضل الله وآیة الله العظمی الامام الخميني وسواهم ممن هم الان في رحاب الله سبحانه وتعالى، أو ممن يواصلون مسيرتهم الجهادية دون هوادة لتقوية الوحدة الاسلامية وتأصيل القيم الدينية السليمة بعيدا عن أي افراط او تفريط.
واضح ان غالبیة علماءالدین المجاهدین الذین تبنوا قضایا الامة الاسلامیة فی مکافحة الاستعمار الاجنبي والغزو الثقافی الغربی او الشرقی لم یخلدوا الی الراحة او المرونة ابدا، بل تصدوا بکل شجاعة وعزم لایلین للممارسات الاستکباریة، ولهذا نجد ان اکثرهم نال شرف الشهادة ، اولقی من الضغوط والمضایقات والعذابات ما تنوء به الجبال. بید ان هذا الصمود الایمانی ترك آثاره التغییریة الخالدة على مسيرة الامة في مابعد عبرتحریر الاوطان من المحتلین الغزاة أوالاطاحة بالانظمة الدکتاتوریة المتواطئة مع المشروع الغربی الصهیونی.
والواقع أن الصحوة الاسلامية العالمية تقف كالطود الشامخ في مجابهة مستكبري الارض كافة، وتقاوم بكل قوة وشهامة وايمان المؤامرات الطائفية في البحرين وسوريا والعراق ولبنان والمناطق الاخرى.
وازاء ذلك فان من الطبيعي ان يتحمل علماء الامة وروادها مصاعب وتعقيدات ومعاناة كبرى، وتحديات خطيرة ،في سبيل تأمين نجاة المسلمين والعرب والانسانية جمعاء من دوامة الاضطرابات والحروب الاهلية والفوضى والفتن العمياء وایصالهم الی بر الامان، بهدف تقوية شوكة (اهل لا اله الا الله محمد رسول الله)، وتوفير اسباب انتصارهم على جميع المؤامرات (الغربية ــ الصهيونية ــ الرجعية)، وصيانة مكتسبات الصحوة الاسلامية المعاصرة، لصالح اعزاز امة المليار ونصف المليار مسلم والحاق الهزيمة المنكرة باعداء القيم الالهية العظيمة.
*حميد حلمي زادة