وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن مطلقي الصواريخ جاءوا من قطاع غزة وأن إسرائيل ستعرف كيف ترد عليهم في إشارة إلى بناء ملف جديد للعمل الحربي في القطاع. وهدد نتنياهو «بأننا لن نسلم بذلك. وسوف نجبي منهم ثمن ذلك. هذه هي سياستنا الدؤوبة في السنوات الأربع الأخيرة وهي سياستنا الآن أيضا».
ولا يخفي المعلقون العسكريون الإسرائيليون قلقهم من حساسية الوضع في سيناء بسبب ما يعتبرونه مفارقة: سيادة مصرية لا يجب انتهاكها وعجز عن فرض السيادة لا يمكن احتماله. وفي كل الأحوال ثمة إيمان بأن الوضع الاستراتيجي على الجبهة المصرية يتغير. والمشكلة الأكبر في نظر إسرائيل هي أن الأمور تعود إلى نقطة البداية، إلى الحدود. فما يجري في سيناء ليس حدثا موقتا ولا معزولا عما يجري في المنطقة عموما، حيث تتفكك السيطرة المركزية التي كانت عماد النظام الإقليمي القائم حتى نشوب ثورات الربيع العربي. فالحكم في مصر، ومهما قيل عنه، ليس ما تريده إسرائيل التي بذلت جهودا هائلة لإقناع الغرب بصراع الحضارات وأن الإسلام ـ وإن شئتم «المتطرف» - هو الخطر الداهم الذي ينبغي إعادة بناء التحالفات في المنطقة والعالم على أساس مواجهته. وهكذا تنظر إسرائيل إلى ما يجري أيضا في سوريا عموما وفي جنوبها - وتحديدا قبالة هضبة الجولان - خصوصا.
وليس صدفة أن احتفالات إسرائيل بذكرى إعلانها الخامسة والستين جرت في ظل الحديث عن مسألة التغيير الجوهري في الوضع الاستراتيجي على الحدود. ومعروف أن إسرائيل، إلى ما قبل عامين، كانت ترى أن الخطر المركزي ليس ما هو قائم قرب الحدود وإنما ذلك المتواجد بعيدا. وسبق للتقديرات الاستخبارية الإسرائيلية السنوية أن أشارت مرارا إلى أن الخطر المركزي هو الخطر النووي الإيراني وهو خطر، وإن كان لا يزال قائما، إلا أنه لم يعد يحظى بالتركيز نفسه. وعاد التركيز الإسرائيلي على الحدود سواء المصرية أو السورية ومن قبلهما مع لبنان وقطاع غزة وباهتمام أكبر على الحدود الأردنية.
وقد أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بني غانتس أن أربعين عاما من الهدوء في هضبة الجولان قد «انتهت». والواقع أنه تجنب التأكيد صراحة على انتهاء الهدوء ليس فقط في الجولان وإنما في كل الجبهات أيضا. فالتهديدات الإسرائيلية شبه اليومية لحماس في غزة وللسلطة في رام الله ولحزب الله في لبنان تطلق بشكل منتظم. وهدد غانتس غزة التي يجري منها «تنقيط» إطلاقات الصواريخ بـ«أننا لن نسلم بظواهر من هذا النوع، وسنرد عليها بيد حازمة ومصممة». وهدد بأن «على مواطني لبنان وزعمائه أن يفهموا بأن كل هجوم من حزب الله علينا، فإنه ولبنان نفسه سيعتبران مسؤولين وسيتحملان الثمن».
وفي مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي ألمح غانتس الى معقولية أن تتجه المواجهات في سوريا نحو اسرائيل ايضا. وأضاف: «نحن نرى أن الثوار داخل سوريا في هذه اللحظة يديرون صراعا ضد الجيش السوري ونظام الاسد، ولكن واضح تماما أنه ستكون هناك حرب ثانية. وهذه قد تكون بينهم وبين أنفسهم، ويمكن أن تكون موجهة ضدنا. عندي انطباع أننا سنراهما سويا». وفي كل الأحوال غدا الإسرائيليون يتحدثون عن تفكك منظومات الدول المحيطة وبزوغ ما يسمونه بالجهادية العالمية بوصفها خطرا مركزيا جديدا.
والحال أن إسرائيل تراهن حاليا على عنصر الزمن في انتظار أن تراكم معرفة وقدرة تتيح لها مواجهة أنماط الخطر المقبلة. وتنظر إسرائيل بارتياح إلى عدم استقرار الأوضاع أو عدم حسمها في الدول العربية المجاورة لا سياسيا ولا عسكريا. وبحسب جلعاد ابن أرييل شارون في «يديعوت» فإن ما يجري في سوريا، مثلا، «ليس حربا بين أبناء النور وأبناء الظلام، فكلهم أبناء الظلام». ويخلص إلى: «لينشغل السوريون بأنفسهم لأنه اذا سقط مستبدهم فلن نذرف الدموع، لكن لن يكون عندنا سبب كبير للفرح ايضا».
ولكن شمعون شتاين وشلومو بروم من مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب يحذران من هذه النظرة ويريان أن سوريا كفت «عن أن تكون تهديدا عسكريا ذا مغزى على اسرائيل لسنوات طويلة، واستمرار الحرب الاهلية سيساهم فقط في تصعيد التهديدات العسكرية من نوع آخر والتي تنبع من امكانية أن تتحول سوريا الى دولة فاشلة ومن تضعضع الاستقرار الاقليمي». وهما يريان أن وجود نظام مركزي في سوريا حتى لو كان ذا طبيعة إسلامية معتدلة أفضل لإسرائيل.
وبديهي أن هذا الموقف يذكر كل مراقب بما حاولت إسرائيل الإيحاء بتقبله في مصر وربما أيضا في قطاع غزة من خلال تغيير الموقف الحاد من حكومة حماس. فمن الواضح أن تصاعد مخاطر السلفية الجهادية من ناحية وعدم وجود عناوين يمكن لإسرائيل التوجه نحوها باتا يقلقان الدولة العبرية. ويمكن للبعض أن يتندر ويلاحظ أن إسرائيل كانت ترى الشر في اتحاد وتنظيم العرب، واليوم ترى الشر في تفرق وفوضوية العرب. وفي كل الأحوال: إسرائيل يهمها على الدوام أن تجد عنوانا واضحا ترهبه أو تحاربه أو تصالحه وهي غير مسرورة باختلاف العناوين وتوزعها وغموضها في زمن يتطلب وضوحا.
*حلمي موسى