في هذا كان اطراف الصراع, خاصة الفلسطينيين, فضلا عن القوي الاقليمية, متمسكين بهذا الدور بل ويحثون عليه, حتي حلفاء امريكا الغربيين كانت حركتهم تجاه هذا الصراع ودورهم فيه يحد منها ويعيقها ويعتبرون ان الولايات المتحدة هي القوة المؤهلة للقيام بالدور الاساسي والفعال في البحث عن تسوية. غير انه عبر العقود, وللظروف المعقدة لهذا الصراع والاعتبارات السياسية الداخلية الامريكية, راوغ الصراع الولايات المتحدة ورؤساءها, رغم عدد المؤتمرات التي انخرط فيها الرؤساء انفسهم, مثل مؤتمر كامب دافيد الذي دعا اليه الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون في نهاية ولايته, عام2000, وجورج بوش الابن في مؤتمر انابوليس عام2007 ومع كل هذه المحاولات كانت الامور تزداد تعقيدا بفعل السياسات الاسرائيلية خاصة في بناء المستوطنات, حيث وصل المستوطنون الي500 الف في الضفة الغربية والقدس مما يقوض امكانيات قيام دوله فلسطينية مستقلة ومتكاملة.
وقد تجدد الامل في الدور الامريكي مع مجيء باراك اوباما عام2009, خاصة مع مبادرته المبكرة في الدعوة الي قيام دوله فلسطينية مستقلة وأهم من هذا دعوته لوقف بناء المستوطنات, ومعروف ما قوبلت به هذه المبادرة من تحد اسرائيلي كادت ان تجمدها, الا ان التطلع الي دور امريكي قد تجدد مع حصول اوباما علي ولاية ثانية بدأها بزيارة اسرائيل في20-23مارس.2013 ورغم ان الادارة الامريكية حرصت في البداية علي ان اوباما لا يحمل خطة للسلام, غير ان هذا لم يمنع اوباما من ان يقدم رسائل للإسرائيليين, يدعوهم فيها الي ان يفكروا في الاطفال الفلسطينيين مثلما يفكرون في اطفالهم, ويتحدث عن محنة الفلسطينيين ومعاناتهم اليومية من الاجراءات الاسرائيلية من حواجز وقيود علي حركتهم, كذلك لم يمنع هذا التحفظ الامريكي علي حدود حركته, من ان يعقب زيارة اوباما زيارة لوزير الخارجية جون كيري لإسرائيل وللسلطة الفلسطينية ثلاث مرات في غضون شهر بهدف تحسس امكانيات التقدم والبناء عليه.
هذا التطور لم يقنع باحثين ومحللين متابعين للصراع ومشاركين في المفاوضات التي جرت حوله في امكان حدوث اختراق نحو التوصل الي تسوية مقبولة للطرفين, فعند هؤلاء ثمة ثلاثة تطورات قد تعيق الحركة الامريكية وتقلل من اهتماماتها بالشرق الاوسط ككل, وبالتالي بالقضية الفلسطينية, تتمثل هذه التطورات في:-
الاكتشافات الواسعة للبترول والغاز في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك, والتي سوف تقلل من الاعتماد الامريكي التقليدي علي بترول الشرق الاوسط والذي كان حاكما لسياسات الولايات المتحدة تجاه هذه المنطقة وقضاياها. الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لإدارة اوباما في التحول نحو منطقة آسيا باسيفيك وجعلها مركز اهتمام الاستراتيجية الامريكية. وحالة عدم الاستقرار بل والغليان التي تسود بلدان الانتفاضات العربية والتي لا تجعل حكوماتها المنشغلة بقضاياها ومشكلاتها الداخلية قادرة او مهتمة بالانغماس في مفاوضات او جهود جادة تتطلب تنازلات وحلولا وسطا وتكون قادرة علي تنفيذ اية مفاوضات.
سيطرة موضوع البرنامج النووي الاسرائيلي علي تفكير الإسرائيليين, ومن ثم الولايات المتحدة. كل هذه الاعتبارات تتجه الي جعل القضية الفلسطينية في اولوية متأخرة.
ولكن هل تعني هذه الحسابات المعقدة للبيئة المحيطة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي, استبعاد الامل في تسوية مقبولة, وفي ايجاد ظروف امام الولايات المتحدة والقوي الدولية والاقليمية تجعلها تسهم بفعالية في دفع المفاوضات. ان هذا التطور في تصورنا لن يتحقق اساسا إلا من خلال طرفي النزاع وخاصة الاسرائيليين, وتغيرهم الجذري لنمط تفكيرهم حول مفهوم الإمن وتأثير سياساتهم الحالية خاصة بناء المستوطنات علي مستقبل ايه تسوية, وعلي مستقبلهم كدولة ديمقراطية, وأن يستمعوا الي باراك اوباما الذي أثبت انه اكثر رئيس امريكي دعما لإسرائيل انهم سيكونون آمنين حين يصبح الفلسطينيون احرارا, وان يتذكروا نصيحة رئيس وزرائهم الاسبق اسحاق رابين انهم لا يستطيعون ان يواصلوا سيطرتهم علي شعب يعيش الي جوارهم.
اما الجانب الفلسطيني فإن علي فصائله وقواه خاصة حركتي فتح وحماس, ان يدركوا الظروف المعقدة فلسطينيا واقليميا ودوليا التي تمر بها القضية الفلسطينية, وان استمرار الشقاق الفلسطيني هو اكثر ما يضر بالقضية الفلسطينية, لذلك فإن الضرورات تتطلب بناء جبهة واستراتيجية فلسطينية موحدة والاتفاق علي آليات النضال التي تتفق مع طبيعة المرحلة, وتعطي مصداقية للعمل الفلسطيني, وتبطل الدعاوي الإسرائيلية أنه ليس لديهم شريك فلسطيني يتفاوضون معه.
*د. السيد أمين شلبي - فلسطين اليوم