كل التلويات اللغوية هذه لن تغير الواقع: اصطلاح الاحتلال لا ينطبق فقط على الارض، بل وبالاساس على الناس الذين يعيشون عليها. وتحت سيادة اسرائيلية توجد جماعتان سكانيتان: واحدة تتمتع بكل الحقوق والامتيازات وأخرى تبقى تحت دكتاتورية عسكرية منذ خمس واربعين سنة (وإن كانت السيطرة في العقود الاخيرة عمليا تتم تحت حكومة الدمى في رام الله، وبتمويل اوروبي أمريكي).
إن الاسرائيليين، الذين يعتقدون بأنهم اذا ما أسموا الفلسطينيين 'عربا' والمناطق 'اسرائيل'، فان المشكلة السياسية التي تقف أمام أبوابنا ستختفي، يوهمون بالاساس أنفسهم. وفي هذه اللحظة يسكن هناك ملايين بني البشر عديمي الحقوق وهذا هو الامر المقرر. الكثير من الناس، في اليمين ايضا، يفهمون هذا، ولكن أغلبية لا تقل حجما من الجمهور والساحة السياسية تفضل العيش في الاوهام.
لقد أشار نشيط السلام غيرشون بسكند هذا الاسبوع وعن حق بانه لم تتخذ أي كنيست اسرائيلية أو حكومة اسرائيلية أبدا قرارا يؤيد دولتين للشعبين.
كان هناك رؤساء وزراء قاموا بعدة خطوات ذات مغزى، في اثناء المفاوضات، وكان آخرون فعلوا كل ما في وسعهم كي يمتنعوا عن ذلك، ولكن عمليا عمقت "اسرائيل" سيطرتها في المناطق. والجمهور الاسرائيلي من جهته سوغ هذه السياسة في كل حملة انتخابات.
ليس للقرار الاسرائيلي بمواصلة الاحتلال أي أساس أخلاقي، حتى وإن كان جاء نتيجة لانتخابات ديمقراطية. فليس للديمقراطية أي معنى عندما يحرم من حق الانتخاب قسم من السكان. ولا يمكن للمجتمع الاسرائيلي أن يقرر بشكل ديمقراطي احتجاز الفلسطينيين كسجناء له ومواصلة حرمانهم من الحق بحرية الحركة ومواصلة محاكمتهم في محاكم عسكرية ومواصلة ابقائهم تحت سيادة عسكرية ترى فيهم عدوا. فلا يدور الحديث عن أملاك معينة بل عن بشر، ولهم حقوق.
يوجد الكثير من الشعوب التي لم تنل الاستقلال، ولكن حتى التبتيين، الاوغوريين والاكراد ناهيك عن البسكيين أو الكاتالونيين يتمتعون بمواطنة كاملة. "اسرائيل" غير مستعدة لاعطاء الفلسطينيين المواطنة، وهي أيضا غير مستعدة لان تخرج من المناطق. كل ما تقترحه هو مفاوضات في نهايتها النظرية ربما، وربما لا، تمنح لملايين ابناء البشر ذات الحقوق الاساسية التي منذ البداية ليست من صلاحية "اسرائيل" أن تحرمها.
التدخل الدولي في صالح الفلسطينيين هو بالتالي ليس فقط شرعيا بل ومباركا ايضا. فعلى أي حال فان الكفاح في سبيل حقوق الانسان يحمل دوما بعدا دوليا، وذلك لان الجماعة المسيطرة تسعى الى الامتناع عن منح هذه الحقوق.
في جنوب افريقيا، في الصين وحتى في زمن الكفاح الامريكي في سبيل حقوق المواطن، فان احراج الحكم من خلال الكشف عن أعماله يعتبر تكتيا شرعيا ومرغوبا فيه في نظر النشطاء السياسيين.
في الحالة الفلسطينية، يخلق استمرار الاحتلال وعدم الاكتراث الاسرائيلي بالوضع مبررا خاصا للتوجه الى مؤسسات دولية أو الى الرأي العام في العالم بهدف إنهاء الاحتلال، على الرغم من كل الغضب المفهوم الذي يخلقه هذا التوجه في أوساط الجمهور.
معاريف 10/4/2013