الخطيب ابن 53، جيولوجي في اختصاصه، اصبح معلم فقه، مقتنع، بان مجرد تشكيل حكومة مؤقتة في الوقت الذي تكون فيه الخلافات في أوساط القيادة عميقة بهذا القدر قد يحطم الائتلاف تماما، يعظم الحرب السياسية الداخلية، التي تجري منذ الان بكل الحماسة، فيخدم النظام. واذا كان لا مفر من تشكيل حكومة ما، فان الخطيب يفضل حكومة انتقالية، حكومة تضم شخصيات من النظام السوري القائم وأعضاء من قيادة المعارضة.
بعد خمسة اشهر من انتخابه رئيسا 'للائتلاف الوطني' الجسم التمثيلي الذي حل محل 'المجلس الوطني'، الذي كف تحت ضغط الولايات المتحدة عن تمثيل المعارضة واندمج في الائتلاف الوطني اصبح الخطيب نفسه شخصية موضع خلاف.
فقد جاء من عائلة سنية هامة. والده، الشيخ محمد ابو الفرج الخطيب، كان فقيها معروفا في دمشق، وهكذا كان اباؤه ايضا. لست سنوات عمل الخطيب في شركة النفط الهولندية 'شل' كمهندس نفط، وبالتوازي تعلم الشريعة وعلم الدين في دول عديدة بما فيها هولندا، نيجيريا والبوسنة، تركيا، الولايات المتحدة وبريطانيا.
ولا ينتمي الخطيب الى الاخوان المسلمين، ولكنه يرى في الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يعتبر الزعيم الروحي للاخوان، شخصية قدوة ويقيم معه علاقات قريبة. وعندما فر من سوريا في تموز الماضي، بعد عدة فترات في السجن، وصل الى مصر، وهناك أقام علاقات وثيقة مع القيادة المصرية الجديدة ومع قادة الاخوان المسلمين.
ويقيم الخطيب علاقات قريبة ايضا مع الادارة الامريكية، الامر الذي دفع منتقديه الى الادعاء بانه يعمل كـ 'ممثل واشنطن في المعارضة'. وهذا ليس الانتقاد الوحيد تجاهه. تصريحه قبل نحو شهر بانه مستعد لاجراء حوار مع النظام، دون أن يشترط ذلك بطلب صريح من الاسد بالرحيل، أثار عليه أغلبية أعضاء الائتلاف الوطني.
وفي الاسبوع الماضي كان هناك من اقترح طرح مشروع حجب ثقة عن استمرار توليه منصب رئيس المعارضة: 'انه يتصرف كديكتاتور، يأخذ القرارات دون التشاور مع قيادة الائتلاف ويقود المنظمة نحو اتجاهات غير مرغوب فيها'، كما أفادت مصادر مجهولة شبكة التلفزيون السعودية 'العربية'.
وافادت مصادر أخرى بان مندوبين من الائتلاف الوطني سافروا الى السعودية وقطر، اللتين تمولان نشاطات المعارضة والجيش السوري الحر، كي تعملا على تنحية الخطيب.
واذا كان المجلس الوطني السوري اتهم بانه يسيطر عليه الاخوان المسلمون ولا يمثل كل منظمات المعارضة في سوريا فان 'الائتلاف الوطني' مشبوه الان في نظر منتقديه في أنه يخدم مصالح أجنبية. وهذا بالضبط نوع الانتقاد والخلافات التي دفعت الخطيب الى الفهم بان تشكيل حكومة مؤقتة لن يساعد في اسقاط الحكم بل سيجعل اداء الائتلاف اصعب. هذا ليس فقط خلافا داخليا بين تيارات وممثلين سياسيين. فالسعودية، قطر، الولايات المتحدة، فرنسا، تركيا وبريطانيا تشارك عميقا في سلوك المعارضة، وكل واحدة تحاول منذ الان ان تصمم لنفسها مراكز النفوذ المستقبلية في سوريا.
السعودية، مثلا، التي تخشى من سيطرة الاخوان المسلمين على الدولة، تؤيد الخطيب والمندوبين الموالين له. وبالمقابل، فان قطر، التي أصبحت ذات مكانة هامة في ادارة النزاعات في الشرق الاوسط، فانها تدفع الى الامام بالاخوان المسلمين السوريين، وحسب التقارير في مواقع المعارضة على الانترنت، فانها تطالب برحيل الخطيب.
والتعليل الرسمي هو أن الخطيب مستعد للتفاوض مع نظام الاسد، ولكن خلف هذا التعليل يختبىء تطلع قطر الى تشكيل حكومة سورية مؤقتة بقيادة مرعييها. وحتى لو تشكلت حكومة مؤقتة لتكون مسؤولة عن ادارة المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، فان احدا ما يتعين عليه أن يمولها وأن يدعمها. الولايات المتحدة والدول الاوروبية، التي تخضع وسائل المساعدة لديها لاقرار المجالس التشريعية، ستجد صعوبة في منافسة دول مثل السعودية، قطر التي لا تخضع لمثل هذه الاجراءات.
على خلفية الخلافات الداخلية والعربية يمكن ايضا أن نفهم المعضلة في مسألة تسليح المعارضة في سوريا. فالولايات المتحدة، التي تخشى أن يسقط السلاح في ايدي منظمات الارهاب أو يوجه للصراع بين منظمات المعارضة، تعارض التسليح. وهي تعكف على ان تدرب في الاردن مئات المقاتلين، الذين يتعلمون كيف يستخدموا الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات ويجتازون تأهيلا في جمع المعلومات الاستخبارية.
اما فرنسا وبريطانيا، بالمقابل، فتهددان بان تخرقا حظر بيع السلاح وتبدآ بتزويد المعارضة بالسلاح. اما روسيا فتنفذ مناورات التهديد العادية خاصتها وتبعث مرة اخرى بالسفن الحربية للرسو في ميناء طرطوس، فيما تحذر من أن تسليح المعارضة هو 'خرق للقانون الدولي'.
بعد 70 الف قتيل ونحو مليون نازح، تدخل سوريا سنة "الثورة" الثالثة. واذا حاكمنا الامور حسب الصراعات الداخلية، يبدو أن يوم الذكرى الثالثة لن يأتي هو أيضا بالبشائر لمواطنيها.
*هآرتس 22/3/2013