من ذات الزاوية الضيقة، ركزت اوساط اسرائيلية امس على مسألة هل صاروخ واحد اطلق من غزة يبشر هو ايضا على تغيير وانهاء لثلاثة اشهر 'هدوء'، في ظل التجاهل المعتاد لحقيقة أنه لم يكن لسكان غزة هؤلاء اشهر هدوء: في ذات الاشهر واصل الجيش الاسرائيلي اطلاق النار على المدنيين الصيادين، المزارعين وجامعي الخردة في هوامش القطاع، اصابة البعض واعتقالهم ولا سيما الصيادين، في ظل مصادرة قوارب صيدهم. ومثلما في غزة في الضفة حين لا يخرج الفلسطينيون للصدام مع جنود الجيش الاسرائيلي وأن هذا لا يعني انه يوجد 'هدوء' وان الترتيب الذي لا يخرق هو أيضا الترتيب الطبيعي.
تجري دائرة المفاوضات في م.ت.ف متابعة يومية لاحداث 'متعلقة بالاحتلال'، توثقها أجهزة الان الفلسطينية والمنظمات المدنية المختلفة. وكل يوم تنشر الدائرة قائمة 150 حتى 200 حدث كهذا. وحتى عندما لا تكون حالات اصابة أو موت، فانه دوما يوجد اطلاق نار من جنود الجيش الاسرائيلي، تنكيلات من المستوطنين، اقتحامات عسكرية للقرى أو المدن، هدم منازل، استيلاء على بيوت لاغراض عسكرية، اعتقالات، حواجز متنقلة، اغلاق طرق وما شابه.
القائمة اليومية للاحداث المتعلقة بالاحتلال لا تتضمن تجارب عادية من الاهانة في حواجز الخروج الى اسرائيل، منع الخروج من غزة أو الضفة، العيش في ظل الارض التي صودرت لمستوطنة مجاورة، او للسور، القيود الاقتصادية، التقارير على ساعات الانتظار في مكاتب الادارة المدنية، نتائج الاهمال البلدي في شرقي القدس، التقارير عن التحقيقات في أقبية المخابرات المختلفة والادانات بالجملة في المحاكم العسكرية.
وعندما نأخذ بالحسبان مشاعر الغضب والاحباط، فان ما يفاجيء هو أنها لا تنفجر وتجترف معظم الجمهور الفلسطيني. صحيح أن محمود عباس واجهزة أمنه تخشى من انتفاضة جديدة، ولا سيما من اختطاف المسلحين لها مثلما حصل في الانتفاضة الثانية ولكن هذا لا يشرح ضبط النفس الفلسطيني العام.
خلافا لما يفهم من بعض التحليلات الامنية الاسرائيلية، فان الفلسطينيين ليسوا حجارة شطرنج لقياداتهم العليا أو الاقل ممن يعرضون حياتهم للخطر أمام استحكامات الجيش الاسرائيلي بناء على الاوامر، او يمتنعون عن الصدامات مع الجنود بسبب أمر معاكس. المفاجيء في مظاهرات التأييد للسجناء ليس المئات الذين شاركوا فيها، بل العشرات ومئات الالاف من الاشخاص الذين لهم كل الاسباب للتظاهر ضد من يمثلون الحكم الاجنبي، ولم يفعلوا ذلك. الضحايا والمعاناة التي كانت تنطوي عليها الانتفاضة السابقة والقمع الاسرائيلي لها لم تحدث التغييرات المنشودة بل العكس. الكثير من الناس يعتقدون ان الانتفاضتين انتهتا باساءة الوضع. ولكن الفشل ليس سببا كافيا لعدم تجربة انتفاضة ثالثة.
وعليه، فان تفسيرا مركزيا، واحدا للنظر هو عدم الثقة بالقيادات: سواء كانت هذه فتح، التي بعض منها يدعو الى التظاهر وبعض آخر يدعو الى الحذر، ام كانت هذه حماس التي تتحدث بصوتين: صوت وقف النار والاستقرار والتنمية حين يتعلق هذا بقطاع غزة، وصوت الكفاح حتى الابادة عندما يتعلق هذا باي مكان آخر.
في الشهرين الاخيرين، بعد النشوة لما وصف بالانتصار الفلسطيني في 'عمود السحاب' وشهر العسل من اللقاءات بين حماس وفتح، نجد أن الناطقين من الحركتين مرة اخرى يتناوشون لفظيا في مسألة من هو الطرف المسؤول عن عدم تقدم محادثات المصالحة. مثل هذه المناوشات العلنية كانت في السبت الماضي، عندما استخف رئيس البرلمان الفلسطيني المعطل، المنتخب من حماس، عزيز دويك، استخف بانجازات حركة فتح. وفي جنازة عرفات جرادات، المعتقل الفلسطيني الذي توفي في وقت التحقيق معه لدى المخابرات الاسرائيلية، هتف الشباب المؤيدين لحماس هتافات بمكبرات الصوت، في الوقت الذي كان يخطب من يفترض به أن يمثل كل التيارات الفلسطينية عباس زكي، رجل سعير، قرية جرادات. شباب فتح ارسلوا لكي يأخذوا منهم مكبر الصوت، في ذروة الحدث الرسمي.
استنتاج سائد هو أن القيادتين منشغلتان بالحفاظ على هيمنتها كل واحدة في مجالها اكثر مما بالسعي الحقيقي لالغاء الازدواجية السلطوية، الانقسام الذي يخرب على قدرة بناء استراتيجية واحدة ضد الاحتلال. والقيادات الجديدة او المنظمات الجديدة والمتجددة تتلبث في النشوء وفي اثارة الحماسة.
اندلاع الثورات في الدول العربية بث في البداية روح تفاؤل في أوساط الفلسطينيين وتعاظمت المبادرات لنشاطات شعبية مباشرة. وكانت فرضية الفلسطينيين أن الانظمة المتصالحة مع اسرائيل سقطت أو ستسقط قريبا، وان ميزان القوى الاقليمي سيتغير بسرعة. في هذه الاثناء تبين لهم ان الاخوان المسلمين والثوار في سوريا يعملون تحت المظلة الامريكية وان الشعوب الشقيقة غارقة في مشاكل الثورة والثورة المضادة لديها، وغير متفرغة بعد لكسر قواعد اللعب التي تحسن لاسرائيل. وعليه، فان الاستنتاج هو أنه لا يزال ينبغي ضبط النفس.
عميره هاس
هآرتس
27/2/2013