نعم نقول ذلك ونحن نرى شعب واسرى احرار يصنعون فجراً لحرية قادمة، يقول نيلسون مانديلا "لا يسلب السجن حرية الإنسان وحسب، بل يحاول أن ينتزع إنسانيته"، لكن الفلسطيني يبدو مختلفاً بعض الشيء فهو يسعى لأن ينتزع هويته الوطنية من براثن الاحتلال، واليوم يمضي عرفات جرادات شهيدا في زنازين التحقيق، بعد ان تناوب العديد من ضباط المخابرات، مستخدمين شتى الأساليب والوسائل لانتزاع اعتراف أمني منه من خلال الضرب المبرح والتعذيب بالسياط والصدمات الكهربائية وعمليات الشبح، حيث قابله بهجوم وطني مضاد، وأيقظ روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني في معركة المجابهة والتحدي.
وتخطئ حكومات العدو الصهيوني، إن هي ظنت أن الشعب الفلسطيني انتهى، وأنه غرق في دوامة خلافاته السياسية الداخلية، وأن حلم الدولة بات في مهب الريح بعد حالة الانقسام ما بين الضفة وغزة، وبالتالي لن يستطيع أن يفعل شيئاً في مواجهة سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية، فتظاهرات التضامن مع الاسرى أتت كأكبر دليل على حيوية هذا الشعب وقدرته على إيصال صوته في المكان والزمان المناسبين ولتقول للعالم اجمع ان الانتفاضة الفلسطينية الثالثة قادمة لا شك.
أن الواقع بات معبأ بالكثير من الحقائق المؤلمة عن مستقبل القضية الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطيني، في ظل الأحداث الجارية في المنطقة التي تؤشر إلى مزيد من الانحدار لأوضاع الشعوب العربية وخاصة الشعب الفلسطيني، حيث تشير تناقضات المواقف العربية في مختلف القضايا لاسيما الساخنة والمتصدرة لمشهد الأحداث إلى أن الشأن الفلسطيني في ذيل الحسابات العربية، في ظل حالة الاصطفاف غير المسبوقة لجامعة الدول العربية مع المعسكر الأميركي، حيث لم تتخذ الجامعة العتيدة اي قرار داعم لصمود الشعب الفلسطيني بمواجهة الاحتلال الصهيوني وجرائم الحرب التي يرتكبها سوى بيانات الادانة، مع أن أضعف الإيمان أن تدعو جامعة الدول العربية أطراف اتفاقية جنيف للانعقاد لإلزام كيان الاحتلال الصهيوني باحترام حقوق الأسرى ووقف استمرار التعامل معهم كمجرمين.
وليس المقاطعة الاقتصادية وليس المطالبة بالبند السابع، وفي هذا المقام لا نعفى القيادة الفلسطينية من المسؤولية لعدم تحركها المطلوب لتوظيف وضع الدولة لفلسطين المحتلة في الانضمام إلى اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة، والتوجه إلى المحكمة الجنائية ووضع جرائم الحرب الصهيونية أمامها، وعدم الرضوخ لمطالبات حكومة الاحتلال الصهيوني للرئيس الفلسطيني محمود عباس بوضع حد للاحتجاجات الشعبية التي تشهدها مدن الضفة الفلسطينية، وتحذيراتها له من عواقب استمرار التظاهرات المنددة بجرائم الحرب الصهيونية ضد الأسرى الفلسطينيين، فواضح أن كيان الاحتلال الصهيوني بدأ يتحسب لاحتمالات تفجر انتفاضة فلسطينية ثالثة تشغله عن جرائم الإبادة ونهب الأرض.
لقد بات الشعب الفلسطيني بحاجة فعلًا اليوم إلى القيام بانتفاضة ثالثة، لعل في هذا العالم الذي أضحى ضميره بيداء قاحلة من يسمع أصوات الألم والمآسي المنبعثة من داخل سجون الاحتلال الصهيوني ومن الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونأمل أن لا يتدخل الإطفائيون العرب لمنع تفجر هذه الانتفاضة، التي قد يعتبرونها معيقة لمخطط تدمير المنطقة .
وها هي فلسطين في اللحظة النضالية الراهنة تؤكد وفائها للأسرى البواسل، المسربلون باغلال الإحتلال، وفي مقدمتهم الاسرى سامر العيساوي وايمن الشراونة ومحمد التاج الذين يستمدون معنوياتهم من الشعب الفلسطيني.
ان المسيرة النضالية الفلسطينية المجلجلة والدم الفلسطيني المقاوم النازف يجمع محطات نضالية على قيادته ان تسير بأجمعها من خلفه، من خلال الملحمة الفلسطينية بأسطوريتها الفريدة.
ان الشعب الفلسطيني العظيم الذي هب هبة رجل واحد باستشهاد الاسير عرفات جرادات وتضامنا مع رفاقه الاسرى الذين يخوضون معركة الحرية ، يؤكد بما لا يدعي الشك ان عذابات وتضحيات وبطولات الاسرى ترسم لنا المستقبل الموعود لأنهم وحدهم أكثر من دفع أثمان تحصيلها .
ان الشعب الفلسطيني بهذه النماذج المناضلة لن يُهزم، أويستسلم، أويفرِّط وهو يتهيأ لانتفاضة ثالثة، لذا يقع على عاتق الفصائل جميعها دعم وتطوير هذا الحراك، وتوفير متطلباته.
ان اهمية انتفاضة الأسرى، أنها تعزّز ثقة الفلسطينيين بأنفسهم، وتحثّهم على اعتماد المقاومة بالوسائل الشعبية، لملاءمة أشكال كفاحهم مع إمكانياتهم وقدراتهم، والوقوف مع الاسرى الذين يواجهون الاحتلال بصدورهم العارية، ويسطرون بأمعائهم الخاوية ملاحم البطولة في مواجهة الجلاد الصهيوني.
امام كل ذلك نتسأل لماذا هذا الصمت العربي والدولي والتواطؤ مع الكيان الصهيوني، واين الشرعية الدولية والامم المتحدة لمطالبة حكومة العدو بإطلاق سراح الاسرى باعتبارهم مناضلين من أجل الحرية والتأكيد على دورهم النضالي الذي يصنعون من خلاله ملحمة القيد والحرية، واذا كانت هناك مصداقية للامم المتحدة جادة فلتتخذ عقوبات رادعة بحق دولة الكيان ومعاقبتها على جرائم الحرب ،وباعتبار ان استشهاد عرفات جرادات جريمة حرب،ومناف للديمقراطية وخرق لكل الأعراف والمواثيق والقوانين والاتفاقيات الدولية.
ختاما : لا بد من القول استشهد جرادات، في معركته الأخيرة من أجل الحياة الحرة الكريمة من اجل تحرير فلسطين، معاهدا وطنه وشعبه ورفاق دربه وعائلته، على أن يجسد في رحيله كما في حياته، معنى أن يكون الإنسان مناضلا عربياً فلسطينيا تحت قبضة السجان والجلاد الإسرائيلي... معنى أن يكون الإنسان موقفاً وقضية ورسالة في حياته ومماته، معنى أن تتجسد فيك الحياة كوقفة عز.
* بقلم : عباس الجمعة