فلقد برهنت سوريا قيادة وحكومة وشعبا على انها اعظم من ان تزلزلها نوازع الاميركان والاوروبيين والسعوديين والقطريين وحكام تركيا، وهي نوازع اتضح قبحها وحقدها وحسدها، لان دمشق اثبتت انها لا تبالغ في قدراتها الذاتية او في معنوياتها العالية، باعتبارها تدرك ان هذا التكالب الدولي الاقليمي هو بسبب تمنعها عن الانحناء للاملاءات الاستكبارية ولاسيما التخلي عن دعم المقاومة الباسلة في لبنان وفلسطين او التراجع عن شبر واحد من الجولان السوري المحتل.
بالامس حلقت المقاتلات السورية فوق سماء "تل ابيب" على ارتفاع منخفض، وفي ذلك رسالة شديدة القوة الى كل اولئك الذين حسبوا"ان دمشق هي من الضعف بحيث انها لا يمكن ان تجرؤ على القيام بمثل هذه المهمة الهجومية، خاصة وان دخان القصف الصهيوني الغادر لمنشأة جمرايا للابحاث العلمية في ضواحي العاصمة لم تكن قد خمدت بعد".
والرسالة هنا على وجه الدقة، هي ان سوريا التي ينظر اليها بعض الانظمة العميلة في منطقة الخليج الفارسي وحكومة انقرة، "نظرة استضعاف"، هي دولة تمتلك من مقومات القوة والمنعة والردع، ما تستطيع بها تلقين اسرائيل وحماتها ومرتزقتها درسا في البطولة والاقدام والاباء، لن ينسوه ابدا.
اعداء سوريا الذين حشدوا لها جماعات التكفير والارهاب وعصابات القتل واللصوصية، منذ نحو سنتين ظنا منهم انهم قادرون على اسقاطها، وتحويلها الى دولة مستباحة تتخطفها اوامر الشياطين الغربيون والصهاينة والخليجيون، كانوا منذ البداية غارقين في ظلمات الوهم والضياع والخسران ــ وهم لا يشعرون ــ.
فقد افتضحت جميع تحركاتهم العدوانية امام ابناء الامة الاسلامية والرأي العام العالمي، لانهم خالفوا ــ اساسا ــ طبائع الاشياء عندما تكالبوا على دولة تحررية مناضلة مثل سوريا، مع انها تشكل الجبهة الامامية لمكافحة العربدة الصهيونية،وتجسد الصدى الحقيقي لمشاعر المسلمين والعرب الذين ينظرون الى اميركا وحليفاتها باعتبارها عدوة الانسانية،وزعيمة الارهاب الدولي في العالم كله.
وما من شك في ان هذه النظرة هي من ادق الطرق في رفض لغة الغطرسة والاستكبار والشيطنة التي تستخدمها اميركا واوروبا وسماسرة قطر والسعودية وتركيا، في محاربة سوريا وتاريخها الريادي والفكري والحضاري والثوري على امتداد اكثر من (60) عاما.
واضح ان وهم آل ثاني وآل سعود والعثمانيين الجدد في امكانية الاطاحة بدمشق واصلاحات الرئيس بشار الاسد والتفاف الشعب حول تقوية اللحمة الوطنية، قد ذهب ادراج الرياح، لان سوريا لم تكن تلك اللقمة السائغة، ولم يسمح شعبها المؤمن معارضة او موالاة لتجار الحروب وزعماء الغرب المتصهين، واشباه الرجال في الخليج الفارسي، بان يمرروا مشروعهم الحاقد في بلادهم الواعدة، اوان يجعلوا من سوريا "ليبيا ثانية" وفقا لمقاسات النظام الرأسمالي الصهيوغربي الخليجي ــ التركي .
لقد خسر اعداء سوريا مختلف مراحل الاختبار الاخلاقي كما انكشفت عوراتهم للعالم كله، لان كل ما عملوه في هذا البلد المدافع عن كرامة الامة الاسلامية وقوى المقاومة والممانعة في الشرق الاوسط، لم يكن له أي تفسير أو معنى، ونحن نتساءل: هل حكام تركيا وقطروالسعودية يقبلون ان يصيبهم معشار ما اصاب ابناء الشعب السوري من دمار ومجازر وفوضى وحرب طائفية؟!
ثم أليس الولع في اسالة الدماء البريئة في العراق وسوريا ولبنان وباكستان وافغانستان ومناطق العالم العربي الاخرى، تحت ذرائع مختلفة وحسب البلاد المعنية بالتخريب، اعتداء سافرا على الحقوق المدنية والانسانية والسلم الاهلي والامن الوطني لكل منها؟!
وازاء ذلك هل يستطيع احد كائن من كان أن يلومنَّ الجمهورية الاسلامية وهي تقف بكل قوة وتصميم وراء الصمود السوري امام التآمر الاستكباري؟!
ان ايران تعتقد بانه اذا لم يتم التصدي لهذه المؤامرة الدولية على سوريا، فان الامور قابلة للتطور والتفاقم ليس على صعيد هذا البلد، بل على اولئك الذين ناصبوها العداء من وحي الاملاءات الاميركية والاسرائيلية، ونعني هنا بالتحديد: القطريين والسعوديين والاماراتيين واخوان تركيا، فقد بات واضحا للشعب السوري ان لغة الحوار والتفاهم والوفاق الوطني، هي السبيل لاخراج بلدهم من هذه الفتنة السوداء، وان ما عدا ذلك لن يكون سوى اغراق سوریا فی بحار من الفوضی والاضطرابات والممارسات الارهابیة و الاجرامیة ، وذلک بهدف اخراجها من محور المقاومين المؤمنين، وهو امر لن يكون على الاطلاق.
*حميد حلمي زادة