فضلا عن ذلك فان ثمة اطرافا ما في العملية السياسية مافتئت تراهن على اعادة ارض الرافدين الى المربع الاول، أي الى تحكم "البعث الصدامي الطائفي" برقاب العراقيين وتطبيق لغة الحديد والنار عليهم مجددا، وهذا ما اكده خروج المدعو "عزت ابراهيم الدوري" من جحره، والظهورعلى شبكات التلفزة الخليجية تاليا بيانه المشؤوم، وسط معلومات شبه مؤكدة تفيد بان هذا المجرم الهارب عن وجه العدالة، يعيش تحت حماية آل سعود والوهابیة الضالة، وهو يواصل تنفيذ مهماته القذرة مستعينا باموال اسياده من اجل ضرب الوحدة الوطنية في العراق.
لكن بعيدا عن هذا وذاك لابد من الاعتراف بان العملية السياسية الفتية، عززت روح الثقة والجرأة والصراحة في نفوس ابناء الشعب العراقي على اختلاف مشاربهم الدينية والمذهبية والعرقية، وهذا امر منطقي جدا يدعو الى التفاؤل والغبطة في آن معا.
فلقد انقشع كابوس النظام الدکتاتوري البائد وذهب الى مزبلة التاريخ، ولم يعد العراقيون مستعدين حتى لاستماع لفظة "البعث" باعتبارها لصيقة بكم هائل من الذكريات المريرة والعذابات والمقابر الجماعية والحروب العدوانية والانفال والكيمياوي والاعدامات على الظنة ومطاردة المناضلين الشرفاء في ديارهم والمنافي البعيدة وانتهاك الاعراض والكرامات وملء السجون بالناس الابرياء وجرائم اخرى لا يسع ذكرها في هذا المقال.
اذن فنحن وبعد نحو عشر سنين من السقوط، اصبحنا امام (عراق جديد)، بكل لهذه العبارة من معنى، استطاع ان يكسر الحواجز ويبدد الهواجس، ويتطلع نحو الافضل، لكننا لا نعدم بقاء تراكمات الارث الطائفي التي ما انفكت تحرض بعض ضعاف النفوس على التغني بالماضي الاسود، بل ورفع صورة "الطاغية المقبور" في تظاهرة سلمية كفلها الدستور، الامرالذي عمل علی تشویه الاهداف المشروعة ــ فعلا ــ واساء الى الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية والاهلية التي اعتصمت من اجل الاعلان عن المطالب المحقة بمنأى عن التوجهات "الفتنوية" و"البعثوية" و"الطائفية".
ومهما يكن الحال، فقد توضحت الصورة امام الرأي العام في ما يتصل بهذه الازمة، وافتضاح امر الجهات الانتهازية المرتبطة بالمشروع الطائفي الدولی الخطير الذي ما فتئ يفتك بالشعوب الاسلامية والعربية في العراق وسوريا ولبنان ومصر واليمن والبحرين والسعودية، وهو لا يدخر مالا اوسلاحا او فتاوى مفبركة او اعلاما لاغراق المنطقة بالمزيد من المجازر الدامیة والممارسات الارهابية ما ظهر منها وما بطن، فضلا عن اشاعة العقائد التكفيرية والمفاهيم المتطرفة في العالم الاسلامي.
واضح ان العراق يعيش مخاضا عسیرا في خضم هذه التجاذبات والمواريث والحملات المسعورة، الشيء الذي يدعو ابناء الشعب في هذا البلد الى تمحيص العملية السياسية المستقبلیة تمحيصا جيدا، والاعتبار من النتائج الايجابية والسلبية السابقة على حد سواء. فالعراقيون الیوم تسري في عروقهم حياة جديدة مفعمة بالعطاء، وعليهم ان يزيلوا جميع الادران والشوائب والعوائق التي يمكن ان تعرقل مسيرتهم الوثابة لبناء صرح العراق الاصيل المحب للسلام والتكاتف والمودة والتعايش الحضاري، والمبغض للطائفية والتعصب الاعمى واشکال الفرقة.
حمید حلمی زادة