إن الأمر أشبه بمبعوث للأمم المتحدة يزور بولندة في بداية الحرب العالمية الثانية ويقترح إنشاء حكومة انتقالية أثناء الغزو النازي. من الواضح أن الأمم المتحدة ستكون طرفاً في الاعتداء على الآخرين وليس رسولاً للسلام.
جاء في مقالة نشرتها "لوس آنجليس تايمز" بعنوان "الأخضر الإيراهيمي يسعى إلى إحياء خطة السلام السورية":
"قام مبعوث السلام الأخضر الإبراهيمي بمحاولة جديدة يوم الخميس لإقناع المسؤولين السوريين والمتمردين بالتفاوض, بهدف إحياء خطة تقضي بإنشاء حكومة انتقالية وانتخابات, لكن المحاولة باءت بالفشل بسبب الخلافات حول مستقبل الرئيس بشار الأسد."
فشلت الأمم المتحدة التمييز بين المعارضة الشرعية داخل سوريا ومجموعات الإرهابيين المسلحين المتنقلة التي ترتكب جرائمَ على نطاق واسع ضد الشعب السوري, والتي تتشكل في غالبيتها من غير السوريين المسلحين من قبل الولايات المتحدة والناتو وحلفائهما الإقليميين, بما في ذلك إسرائيل والسعودية وقطر كجزء من خطة قديمة لتغيير النظام في سوريا وإيران. ولا يدعم الإعلام الغربي جهودَ الأمم المتحدة المخادعة فقط, بل ذهبَ إلى أبعدَ من ذلك حيث حاول نزعَ الشرعية عن أية معارضة في سوريا ترفض حملَ السلاح أو تعارض التدخلَ الأجنبي.
بينما تحاول "لوس آنجليس تايمز" تصوير خطة الأمم المتحدة كخطة معقولة, حيث يقف الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا فقط في وجه السلام, إلا أن الخطة – في الحقيقة – مجرد محاولة أخرى لقولبة النزاع بصفته صراعاً سياسياً بدلاً من كونه غزواً أجنبياً, كما هو في حقيقة الأمر.
سوريا تتعرض للغزو من قبل الإرهابيين الأجانب
يشكل "المتمردون" المسلحون, الذين ترفض الأمم المتحدة إدانتهم, مجموعة من مقاتلي ‘القاعدة’ المرتبطين بقوى أجنبية, بما في ذلك وزارة الخارجية الأمريكية, والأمم المتحدة, ووزارة الخارجية البريطانية, ومنظمات موضوعة على لائحة الإرهاب, و ‘المجموعة المقاتلة الإسلامية الليبية’, و ‘جبهة النصرة’ المعروفة أيضاً باسم ‘القاعدة في العراق’, ومتطرفي ‘الإخوان المسلمين’ في سوريا. لن تتفاوض الدول الغربية مع أي من هذه الفصائل الإرهابية في حال وجهت أسلحتها – لأي سبب كان – ضد الغرب بدلاً من سوريا. ومع ذلك لا يطالب الغرب فقط بالاعتراف بها والتفاوض معها, بل أيضاً بتسليمها سوريا بأكملها لكي تحكمها.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2011, جاء في مقالة نشرت في صحيفة "تلغراف" بعنوان "أحد قادة ليبيا الإسلاميين يلتقي مجموعة معارضة من ‘الجيش السوري الحر’":
عبد الحكيم بلحاج, رئيس ‘المجلس العسكري في طرابلس’, "التقى بقادة ‘الجيش السوري الحر’ في اسطنبول وعلى الحدود التركية," كما قال مسؤول عسكري يعمل مع السيد بلحاج. "وقد أرسله إلى هناك مصطفى عبد الجليل (الرئيس الليبي المؤقت)."
كما اعترفت مقالة أخرى نشرت في "تلغراف" بعنوان "قادة ليبيا الجدد يمدون المتمردين السوريين بالأسلحة":
عقدَ المتمردون السوريون محادثات سرية مع السلطات الليبية الجديدة يوم الجمعة, بهدف تأمين الأسلحة والمال لحربهم على نظام الرئيس بشار الأسد, كما علمت ‘ديلي تلغراف’.
وفي الاجتماع, الذي عُقدَ في اسطنبول وضمَ مسؤولينَ أتراك, طلب السوريون "المساعدة" من الممثلين الليبيين, وقد تم إمدادهم بالأسلحة والمتطوعين.
"هناك مخطط لإرسال الأسلحة الليبية والمقاتلين الليبيين إلى سوريا," تبعاً لمصدر ليبي اشترط عدم ذكر اسمه. "هناك تدخل عسكري قادم. وسوف ترون ذلك بعد عدة أسابيع."
ولاحقاً في ذلك الشهر, نُقلَ أن 600 إرهابياً ليبياً قد دخلوا إلى سوريا للانخراط في عمليات قتالية, وفي تموز/يونيو 2012 كشفت "سي إن إن" – التي رافق مراسلها إيڤان واطسون الإرهابيين من الحدود التركية-السورية إلى حلب – أن هناك بالفعل مقاتلين أجانب بين صفوف المسلحين, ومعظمهم ليبيون. وقد تم الاعتراف أن:
سكان القرية التي تمركز فيها ‘الصقور السوريون’ قالوا إن هناك مقاتلين من جنسيات شمال أفريقية مختلفة يقاتلون في صفوف الكتيبة أيضاً.
كما قال مقاتل متطوع ﻠ "سي إن إن" إنه ينوي السفر من ليبيا إلى سوريا خلال أيام ليرفدَ الحركة المسلحة ﺑ "فصيلة" من المقاتلين الليبيين.
وأضافت "سي إن إن":
يوم الأربعاء التقى طاقم ‘سي إن إن’ مقاتلاً ليبياً كان قد عبَرَ الحدود من تركيا إلى سوريا برفقة أربعة ليبيين آخرين. كان المقاتل يرتدي زياً عسكرياً مموهاً ويحمل بندقية كلاشنكوف. قال إن هناك مقاتلين ليبيين آخرين في طريقهم إلى سوريا.
من الواضح أن بعض المقاتلين الأجانب يأتون إلى هنا لأنهم يرون في ذلك ... نوعاً من الجهاد. إذاً, يشكل هذا [النزاع] مغناطيساً يجذب إليه الجهاديين الذين ينظرون إلى المعركة بصفتها معركة المسلمين السنة.
في الواقع, تعرضت سوريا لغزو من الإرهابيين الليبيين منذ سنة تقريباً. وإضافة إلى ذلك, فورَ اعتراف الولايات المتحدة ﺑ ‘ائتلاف المعارضة’ الذي اختارته بنفسها بصفته "ممثلَ الشعب السوري", طالبَ رئيسُه معاذ الخطيب على الفور الولايات المتحدة برفع العقوبات عن منظمة ‘جبهة النصرة’ الإرهابية المرتبطة بالقاعدة.
وقد نقلت "رويترز" عن الخطيب قوله:
"إن القرار باعتبار إحدى الجهات التي تقاتل النظام جهة إرهابية تلزم إعادة النظر فيه. قد نختلف مع بعض الجهات في أفكارها ورؤيتها السياسية والإيديولوجية, لكننا نؤكد أن كل بنادق الثوار هدفها إسقاط النظام الاستبدادي المجرم."
لا يرفض الغرب فقط الاعتراف بأن النزاع في سوريا يتسم بالإرهاب الأجنبي والمحلي, بل يعمل أيضاً على تسليح وتمويل وحماية هذه الفصائل الإرهابية. إذ إن تركيا, العضو في الناتو, متورطة بشكل مباشر في تسهيل العدوان الليبي على سوريا من خلال إيواء مقاتلين ليبيين داخل حدودها, بالإضافة إلى تنسيق تمويلهم وتسليحهم وتنقلاتهم أثناء عبورهم للحدود التركية-السورية. كما تعمل "سي آي إيه" الأمريكية على تسهيل الغزو الليبي لسوريا على طول الحدود التركية.
اعترفت "نيويورك تايمز" في مقالتها المنشورة في حزيران/يونيو 2012, بعنوان " ‘سي آي إيه’ تساعد في إيصال الأسلحة إلى المعارضة السورية", أن "ضباط ‘سي آي إيه, يعملون بشكل سري في جنوب تركيا," ويوجهون الأسلحة بما في ذلك "البنادق الآلية, والقاذفات الصاروخية, والذخيرة, وبعض الأسلحة المضادة للدبابات." وتشير "نيويورك تايمز" إلى تورط تركيا والسعودية وقطر في تأمين الأسلحة بينما تعمل "سي آي إيه" على تنسيق المعلومات اللوجستية.
الصورة: يمثل "أصدقاء سوريا" العديد من المتآمرين الذين وصفهم سيمور هيرش في تقريره المكون من 9 صفحات بعنوان "إعادة التوجيه". إن العنف في سوريا ليس نتيجة انتفاضة محلية تحمل "آمالاً سياسية", بل نتيجة مؤامرة للنخب العالمية التي خططت, منذ وقت طويل, لتدمير سوريا خدمة لأجندتهم الجيو-سياسية الأكبر.
الصورة: يمثل "أصدقاء سوريا" العديد من المتآمرين الذين وصفهم سيمور هيرش في تقريره المكون من 9 صفحات بعنوان "إعادة التوجيه". إن العنف في سوريا ليس نتيجة انتفاضة محلية تحمل "آمالاً سياسية", بل نتيجة مؤامرة للنخب العالمية التي خططت, منذ وقت طويل, لتدمير سوريا خدمة لأجندتهم الجيو-سياسية الأكبر.
تعود عداوة السياسة الأمريكية لسوريا إلى سنة 2007, حيث اعترف المسؤولون الأمريكيون أنهم خططوا لإسقاط الحكومة السورية بواسطة المتطرفين الطائفيين الأجانب واستخدام دول مثل السعودية لتمرير الأموال والأسلحة – بهدف خلق وهم يوحي بعدم تورطهم.
إن تقرير سيمور هيرش, المكون من 9 صفحات والمعنوَن "إعادة التوجيه" والمنشور في "نيويوركر" في سنة 2007, يكشف الخطط الأمريكية لاستخدام وسائل سرية لإسقاط الحكومة السورية في محاولة أكبر لتدمير إيران. يكتب هيرش: "أحد نتائج هذه الأنشطة تتمثل في دعم المجموعات السنية المتطرفة التي تعتنق رؤية متطرفة للإسلام وتعادي أمريكا ومتعاطفة مع القاعدة."
"جبهة النصرة" مرتبطة بالقاعدة بشكل علني. والقول إن "المجموعة المقاتلة الإسلامية الليبية" "متعاطفة مع القاعدة" عبارة مضللة؛ إنها القاعدة.
اندمجت "المجموعة المقاتلة الإسلامية الليبية" في المنظمة الإرهابية التي أسستها الولايات المتحدة والسعودية في سنة 2007, تبعاً لتقرير "مركز وِست بوينت لمكافحة الإرهاب" التابع للجيش الأمريكي, بعنوان "مقاتلو القاعدة الأجانب في العراق":
"يمكن ربط تزايد المجندين الليبيين المسافرين إلى العراق بعلاقة التعاون المتنامية بين ‘المجموعة المقاتلة الإسلامية الليبية’ و ‘القاعدة’, التي تتوجت بانضمام هذه المجموعة بشكل رسمي إلى القاعدة في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2007."
يتابع تقرير هيرش: "تقوم الحكومة السعودية, بمباركة واشنطن, بتأمين التمويل والمساعدة اللوجستية بهدف إضعاف حكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا." وتضمن ذلك تقديم المليارات للفصائل المؤيدة للسعودية في لبنان التي تساند مجموعات مسلحة متطرفة مرتبطة بالقاعدة. وتعبر هذه المجموعات المتطرفة الآن الحدودَ اللبنانية-السورية للانضمام إلى مثيلاتها الليبية.
من الواضح أن المؤامرة التي اكتملت خيوطها في سنة 2007, والتي فصَلها سيمور هيرش بالاعتماد على عدد كبير من المصادر الأمريكية والسعودية واللبنانية, تتكشف الآن أمام أعيننا. كانت مؤامرة فقست من المصالح الأمريكية-الإسرائيلية-السعودية المشتركة, مؤامرة لا تتجذر في قضايا إنسانية أو "ديمقراطية", بل تتأسس على إسقاط الدول السيادية التي يُعتقد أنها تشكل تهديداً لتأثيرها الجماعي خارج حدودها في كافة أرجاء المنطقة.
إن فشل الأمم المتحدة في الاعتراف بهذه المؤامرة الموثقة من قبل المصالح الأجنبية لإسقاط الحكومة السورية بشكل عنيف (ومن ثم إيران) يفضح مرة أخرى المنظمة الدولية بصفتها أداة في يد المصالح الخاصة. فمحاولاتها التوصل إلى "خطة سلام" بين إرهابيين أجانب يغزون سوريا كوكلاء للقوى الغربية تفتقد إلى أي شرعية. وعلى الحكومة السورية وحلفائها مضاعفة الجهود لقولبة النزاع كما هو في الحقيقة, أي كغزو, والدعوة إلى الدعم والصبر على المستوى الكوني إلى أن تتمكن سوريا من مواجهة وهزيمة هؤلاء الغزاة الأجانب والمصالح الأجنبية التي تسلحهم وتحرضهم.
إن الأخضر الإبراهيمي, مثل سلفه كوفي أنان, يشتري الوقت لإنقاذ السرد الغربي المتداعي. وعلى سوريا وحلفائها أن يدمروه في النهاية, بحيث يمكن الشروع في عملية إنقاذ سوريا من خلال عمليات أمنية واسعة لاستئصال المجموعات الإرهابية ومواجهة دبلوماسية للمصالح الأجنبية الداعمة للإرهاب في سورية وحولها.
* غلوبل ريسيرتش - طوني كارتالوتشي- ترجمة مالك سلمان