أما الفظائع التي ارتكبتها السلطات ضد المحتجين والتي اشار اليها التقرير ، فهي الاخرى كانت تعكسها الصور التي تنقل من داخل البحرين الى العالم اجمع ، وهي صور افشلت ببركة دماء الشهداء كل حملات التضليل التي شنت ومازالت تشن ، على الثورة البحرينية ، عبر الصاق اشنع التهم بالمحتجين ، والتي تراوحت بين الطائفية والخيانة والارتباط بالاجنبي وتنفيذ اجندة خارجية واشاعة الفوضى وو..!!.
ماذا جاء في تقرير بسيوني؟
خلص تقرير بسيوني الذي تم الاعلان عنه يوم الاربعاء 23/ 11/ 2011 ، بعد 5 اشهر من التحقيقات والتحريات والاستماع الى شهادات الالاف من ضحايا القمع ، الى مايلي :
1- لاتوجد ادلة على تدخل الجمهورية الاسلامية الايرانية في احداث البحرين.
2ـ دور سلبي مارسه الاعلام البحريني بالقائه الاتهامات والتخوين ضد المواطنين.
3ـ حصول 35 حالة وفاة بين المواطنين.
4ـ مورس التعذيب ضد المعتقلين بشكل متعمد بهدف انتزاع اعترافات او للعقاب والانتقام.
5ـ المحتجوزن تعرضوا للتعذيب باستخدام الصدمات والصعق بالكهرباء وهددوا بالاغتصاب واهانة الطائفة الشيعية.
6ـ السلطات لجأت الى استخدام القوة المفرطة وغير الضرورية بهدف بث الرعب بين المواطنين.
7ـ القوات الامنية قامت بتدمير واتلاف ممتلكات المواطنين.
8ـ التهم الموجهة الى 2900 مواطن تم اعتقالهم تتعارض مع حق حرية التعبير التي تكفلها مبادىء حقوق الانسان.
9ـ ان المفصولين الذين يبلغ عددهم 4400 تم فصلهم نتيجة اعمال تندرج ضمن حرية التعبير.
10ـ عدم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ادى الى ارتكاب المزيد منها.
عندما يسقط مبرر التخوين والقتل والقمع والتعذيب
تقرير لجنة تقصي الحقائق رفع المبرر الرئيسي الذي استخدمته سلطات المنامة لارتكاب ابشع الجرائم بحق الشعب البحريني ، الذي خرج كباقي الشعوب العربية مطالبا بتغيير الاوضاع في بلاده ، فاذا به يواجه تهمة الخيانة والعمالة لبلد اخر ، وهي تهمة لم ير العالم لها مثيلا .
المسؤولون البحرينيون لم يجدوا صعوبة او حرجا ، وهم يستقبلون ضيوفهم او عندما يحلون ضيوفا على العواصم العربية والغربية ، في توجيه وتبرير قمعهم للتظاهرات السلمية للشعب البحريني ، كما كان يواجهه اقرانهم في مصر وتونس واليمن ، فكانت العمالة لايران !! هو السحر الذي يشل تفكير ضيوفهم ومضيفيهم على السواء ، فيرفعون ايديهم بالاستسلام امام المسؤولين البحرينيين ، لهذه الحجة البالغة والدليل الدامغ على عمالة المحتجين .
المؤسف ان تقرير بسيوني او لجنة تقصي الحقائق ، حمل مسؤولية الصاق الاتهامات بالتخوين والعمالة للاعلام الحكومي ، بينما الحقيقة ليست كذلك ، فالاعلام الحكومي يجتر ما تغذيه به الاجهزة الحكومية ، وان اتهام غالبية الشعب البحريني بالعمالة والتخوين انطلق اولا من اعلى المستويات في النظام البحريني نفسه ، وهو الذي امر وسائل الاعلام في النفخ فيه وتكراره والتأكيد عليها.
كيف تحول ثوار البحرين دون العرب جميعا الى عملاء لايران!!
من الصعب جدا رصد كل الاتهامات التي وجهها المسؤولون البحرينيون الى غالبية الشعب البحريني بالعمالة لايران !! لانها كانت القاسم المشترك لتصريحاتهم قبل واثناء ثورة الشعب البحريني ، لذلك اخترنا عينات منها كي نبين مدى الظلم الذي نزل بهذا الشعب المظلوم والمبتلى. الملفت ان كل هذه الاتهامات لم تعثر لجنة تقصي الحقائق على اي اثر لها على ارض الواقع !!!.
1ـ ملك البحرين حمد بن عيسى ال خليفة وخلال زيارته للقاهرة في 29 / 3 / 2011 اعلن بعد قمع التظاهرات السلمية للشعب البحريني ، انه احبط مؤامرة خارجية ضد بلاده. وجرى الاعداد لهذه المؤامرة منذ عشرين الى ثلاثين عاما وبدأ تنفيذها عندما بدأت الظروف مواتية.
2ـ وزير خارجية البحرين خالد بن احمد ال خليفة كان السباق منذ اندلاع الثورة في البحرين في تسويق تهمة عمالة غالبية الشعب البحريني لايران الى العالم ، لعلمه ان هذه التهمة اثيرة لدى اخوانه الخليجيين الذين يتسابقون الى تصديقها وتعضيدها وترويجها وحتى اختلاقها ، فقد بدأ مع انطلاقة الثورة في شباط /فبراير و اذار / مارس ، بالنفخ في مزاعم التدخل الايراني في بلاده والمؤامرات التي تعصف بها والخلايا التي تكتشفها النائمة منها والفاعلة :
ـ في 19 / 3 / 2011 اعلن ان القوات السعودية والاماراتية لن تغادر البحرين الا بعد انجاز مهمتها بالتعامل مع اي خطر خارجي ، واضاف في حديث مع رويترز على هامش مؤتمر في الامارات ، ان مايرى من ايران تجاه البحرين .. لايجعل الوضع ايجابيا.
ـ في 21 حزيران 2011 اعلن في حديث مع صحيفة الوطن ان مشروع استيراد الغاز الايراني متوقف حاليا نتيجة التدخل الايراني السافر في شأن البحرين!!.
ـ وخلال مشاركته في الحوار الاستراتيجي الروسي الخليجي في 3 / 11 / 2011 في ابو ظبي دعا البلدان العربية الى دعم بلاده في وجه ايران وقال ان من مسؤولية كل الدول العربية الوقوف امام الخطر الايراني.
3ـ في يوم الاحد 13 / 11 / 2011 اعلنت السلطات البحرينية اعتقال خمسة اشخاص كانوا يخططون لشن هجمات في البلاد حصلوا على دعم من ايران وان احد المعتقلين تلقى تدريبات عسكرية ودعما ماليا من جانب الحرس الثوري الايراني وقوات البسيج!!.
جوقة التطبيل
سلطات المنامة تعرف جيدا انه ليس هناك من سيطلب منها الدليل على اتهام الثورة البحرينية وبالتالي اتهام غالبية الشعب البحريني بالعمالة لايران ، فهذا الشعب متهم بالاساس قبل اندلاع الثورة حتى ، لانه ليس على مذهب الملك !!! ، والغريب ان هذا الشعب يتهم بالطائفية من قبل السلطات ، في الوقت يذبح يوميا بسكين الطائفية المسمومة.
هذا الاتهام وجد من يروج له ويتبناه من بين المجموعات التي تتنفس الطائفية وترتزق عليها فاطلقت النار من اسلحتها المحرمة ، فتحول التدخل العسكري السعودي الاماراتي الى طوق نجات والغالبية العظمى من الشعب البحريني الى رافضة واذناب لايران ولابد من استئصال شأفتهم وانقاذ البحرين منهم.
ـ فهذه جمعية الاصالة الاسلامية!! في البحرين تطالب بأقامة قاعدة دائمة لقوات درع الجزيرة في البحرين من اجل مواجهة المشروع الامبراطوري الايراني !!.
ـ عبد الرحمن العطية الامين العام السابق لمجلس تعاون الخليج الفارسي شن هجوم على ايران ضد تدخلها في البحرين معتبرا تدخل السعودية والامارات في هذا البد هو تدخل شرعي امام العدوان الخارجي !!.
ـ عبد اللطيف الزيناني الامين العام الحالي لمجلس تعاون الخليج الفارسي اتهم ايران بالتحريض على الفتنة في البحرين!!.
أصل الاتهام
صحيح انه زار البحرين في ذروة الثورة ، دون ان يثير ضجة ولكن مرورا سريعا على تصريحاته يكشف دور كبير السحرة في اتهام الشعب البحريني بالعمالة لايران !! ، انه ايني فاليوما فيجا عضو مجلس النواب الامريكي الذي اعلن في ندوة في نادي الخريجيين في المنامة تحت عنوان اهمية البحرين ، ان ايران كانت تخطط لزعزعة استقرار البحرين قبل احداث فبراير (الثورة ( بكثير وان هدفها في النهاية هو تدمير اتحاد دول مجلس التعاوني الخليجي !!.
واضاف ان البحرين واجهت هذا العام مشكلة حقيقية تتمثل في حرب بالوكالة كان على جانب منها ايران وفي الجانب الاخر دول مجلس التعاون الخليجي وحلفائه في الولايات المتحدة والدول الاخرى.
واوضح ان البذرة الاولى للمخطط الايراني لزعزعة البحرين يمكن رؤيتها بوضوح في ظهور المخططات الارهابية للانقلاب على نظام الحكم في البحرين بداية هذا العام وهذه المخططات تمثلت بحرق الاطارات كل ليلة !!! وقيام الشباب بهذه الاعمال قرب ابراج الاتصالات الامر الذي تطلب ان تواجه السلطات هذه الاعمال التخريبية!!.
بعد هذا الموقف الواضح لاحد دهاقنة السياسة الامريكية ، هذه السياسة التي تقدم الف دليل ودليل لتبرير زواج الشواذ ، الا انها ليست بحاجة الى دليل للحفاظ على مصالحها حتى لو كانت على انهار من الدماء.
البعض اعتبر تقرير بسيوني اهانة
بالرغم من ان السلطات البحرينية هي التي كلفت لجنة بسيوني بتقصى الحقائق ، لسد الطريق امام اي تحقيق دولي ، الا ان نتائجها صعقت هذه السلطات ، والسبب ليس محاباة اللجنة لضحايا القمع في البحرين ، بل لفجاعة الانتهاكات التي اذهلتها وما كان بالامكان تجاهلها او المرور امامها مرور الكرام لاسيما ان رئيسها رجل يحترم سمعته ومهنته.
ان تقرير بسيوني جاء تاييدا لحقيقة ان التحرك الشعبي البحريني هو تحرك سياسي بامتياز ، شانه بذلك شان التحرك الشعبي في مصر وتونس واليمن ، وهو تحرك نابع من صميم الشعب البحريني المطالب بالحرية والعدالة ومكافحة الفساد والتمييز والطائفية ، وان ما قيل عن اجندة خارجية وعمالة وتخوين وخلايا نائمة واخرى فاعلة ، ليس الا اتهامات ظالمة الهدف منها تبرير القمع والاستبداد والاستفراد بالسلطة .
ان النتائج الايجابية لتقرير بسيوني لم تكن كافية لترضي المعارضة البحرينية فقد اعتبرت حركة 14 فبراير شهادة التقرير بشأن عدم وجود ادلة على تدخل ايراني في شأن البحرين ، اهانة بحد ذاتها ، وتساءل المتحدث باسم الحركة قائلا ، هل يسمح بسيوني لنفسه ان يسأل الشعب المصري او التونسي سؤالا عن جهة التي حرضته على القيام بالثورة؟!.
بعد سقوط أوراق التوت
ترى غالبية الشعب البحريني ان نتائج تقرير بسيوني ستزيد من الهوة التي تفصل بينها وبين النظام ، الذي ادخل البلاد في دوامة من الدماء والفوضى وفتح ابوابها للتدخل العسكري الخارجي ، تحت ذرائع واكاذيب لم تصدقها حتى اللجنة التي كلفها النظام بتقصي الحقيقة.
المراقبون للمشهد البحريني يرون ان حالة انعدام الثقة سوف تتسع وتتعمق بعد تقرير بسيوني ، فالملك حمد بن عيسى ظهر متمسكا بموقفه السابق في اتهام الشباب البحريني واصفا اياهم بالمخربين ، حتى بعد ان القى بسيوني على مسامعه نتائج تقريره.
ترى الا يحق لغالبية الشعب البحريني ان تتساءل عن أمكانية الوصول الى صيغة للتوافق مع هذا النظام الذي استباح كل شيء وتجاوز كل الخطوط الحمراء ؟ ترى هل يمكن الركون الى مثل هذا النظام الذي تعامل بهذا الشكل الفظيع مع شعبه؟ ترى من الذي يضمن الا يعيد هذا النظام تلك الاتهامات المعلبة والجاهزة كلما شعر بالخطر؟ الى متى يبقى الشعب البحريني يعيش وجع السكين وهي تأكل من لحم رقبته؟ الى متى يبقى الشعب البحريني متهما بوطنيته ويحتاج لاثباتها الى شهادات من وراء الحدود ؟ ترى بماذا يختلف الشعب البحريني عن باقي الشعوب العربية ؟ لماذا ثورته لا كباقي الثورات ؟ لماذا تسترخص دماء ابنائه؟ لماذا يتجاهل الاعلام العربي والفضائيات العربية معاناته وجثث شهدائه؟ .. اسئلة على اخوة الشعب البحريني في العروبة والدين ان يجدوا لها اجوبة قبل فوات الاوان.
المصدر البديع
بقلم :منيب السائح