العالم - الاميركيتان
وفك التحالف الغربي الاستراتيجي الذي تزعمته بلاده منذ الحرب العالمية الثانية، بشقيه العسكري (حلف الناتو)، والاقتصادي السياسي (منظومة الدول السبع)، الأمر الذي سيصب في مصلحة الصين وروسيا ومنظومة “البريكس” التي يتزعمانها، وأول مهامها إنهاء سيطرة الدولار والهيمنة المالية الأمريكية.
الضرائب الجمركية على الواردات الأمريكية القادمة من الشركاء الأوروبيين خاصة، بنسب متفاوتة بين 10 بالمئة و20 بالمئة و35 بالمئة وتصل قيمتها إلى 34 بالمئة على الصين إحدى أكبر الشركاء المنافسين الاقتصاديين لأمريكا، تعني اتباع سياسات حمائية تأتي محاكاة للنظام الاشتراكي الذي قادت أمريكا الحرب لإسقاطه، وفقدان الثقة من قبل الأصدقاء والحلفاء بأمريكا كشريك اقتصادي وعسكري.
شاهد ايضا.. تعريفات ترامب الجديدة تتسبب بأزمة اقتصادية عالمية
لن نغرق في بحر الأرقام، ونترك هذه المهمة للمختصين، ونركز هنا بالدرجة الأولى على التطورات الاستراتيجية السياسية والعسكرية التي يمكن أن تترتب على هذه “القنبلة النووية” عالية التدمير التي ألقاها الرئيس ترامب على النظام التجاري العالمي التي قد يكون حلف الناتو ودوله أبرز ضحاياها، فكيف يمكن أن تثق الدول الأعضاء في هذا الحلف، وزعامة أمريكا له، بعد فرض هذه الضرائب على صادراتها خاصة من السيارات والأجهزة التكنولوجية الأخرى، حيث يصل حجم الضرائب إلى أكثر من 25 بالمئة.
أكثر الدول تضررا من هذه القنبلة الضرائبية الأمريكية هي الأكثر قربا وتحالفا مع أمريكا، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي التي يبلغ عددها 27 دولة (حجم التبادل التجاري مع أمريكا 1.7 تريليون دولار سنويا) وبعدها اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، وبريطانيا.
العالم يقف حاليا أمام سلسلة من الحروب التجارية، وظهور تحالفات سياسية جديدة تقوم على أساس المصالح الاقتصادية، والعداء للولايات المتحدة، وستتمحور هذه الحروب بردود مشتركة بفرض ضرائب عكسية ربما أكثر ضخامة على الصادرات الأمريكية إلى أسواقها، وتطبيق “معادلة المعاملة بالمثل والبادي أظلم”.
العالمان العربي والإسلامي سيكونان من أكثر المتضررين على المدى القصير من هذه القنبلة الأمريكية، فالدول الغنية مثل السعودية والإمارات والكويت وقطر، ستعاني مرتين، الأولى من انخفاض قيمة استثماراتها في أمريكا بسبب الانخفاض المتوقع لقيمة الدولار والسندات، وارتفاع نسبة التضخم وتراجع أسعار الأسهم في البورصات العالمية، والثانية نتيجة الانخفاض المتوقع لأسعار النفط، اللهم إلا إذا حدثت “حرب عالمية”، أو “إقليمية” .
الرسوم الجمركية، بالنظر إلى خريطتها ونسبها المتفاوتة، باتت سلاحا جبارا واستراتيجيا في السياسة الخارجية الأمريكية، ففي الوقت الذي يبلغ حجم الضرائب الأمريكية على الواردات من معظم دول (مجلس التعاون في الخليج الفارسي) في حدود 10 بالمئة فقط، فإنها ارتفعت إلى 41 بالمئة على سورية، و39 بالمئة على العراق، و30 بالمئة على الجزائر وتونس وليبيا، والأردن 20 بالمئة.
الارتفاع الكبير المتوقع في أسعار المواد الغذائية والسلع الضرورية الأخرى من جراء التضخم الزاحف، سيصيب فقراء العالم، ومواطني الدول العربية على رأسهم بأضرار كبيرة جدا، بسبب انخفاض القدرات الشرائية إلى مستويات متدنية جدا.
الهدف المعلن لهذه القنبلة النووية “الترامبية” هو تقليص العجز التجاري الأمريكي الذي ارتفع في شباط (فبراير) الماضي إلى 307 مليار دولار، أو ما يعادل 374 بالمئة بالمقارنة مع نظيره قبل عام، وهناك أرقام تقول بأن العجز التجاري الأمريكي السنوي يصل إلى 1.3 تريليون دولار، ولكن بعض الخبراء الاقتصاديين العالميين يعتقدون أن هذه الضرائب الجمركية ستعطي نتائج عكسية، أبرزها ارتفاع حاد في الأسعار في أمريكا نفسها وانكماش اقتصادي، وبطالة عالية جدا، أي أنها ستضر أمريكا أكثر مما تنفعها، والكلام هنا لرئيس الوزراء الأسترالي أحد الأعضاء الرئيسيين في التحالف الإنجلوسكسوني الذي قد ينهار أيضا وربما بعد انهيار حلف الناتو مباشرة.
عندما تتصاعد المفاوضات وتتكثف بين كوريا الجنوبية واليابان من ناحية، والصين من الناحية الأخرى لتكوين كتلة اقتصادية جديدة ثلاثية مشتركة كرد على قنبلة الضرائب الأمريكية، فإن هذه الخطوة تعني بداية الانقلاب الجديد في خريطة العالم الاقتصادية، وربما السياسية لاحقا، وضد أمريكا وكل طموحات رئيسها الأرعن في استعادة السيادة الاقتصادية العالمية.
اقرأ ايضا.. الاتحاد الأوروبي يهدد بالرد على رسوم ترامب الجمركية
ترامب سيزور ثلاث دول عربية في منتصف الشهر المقبل، هي السعودية والإمارات وقطر، وهذه الزيارة ليست حبا في هذه الدول وغراما بقياداتها وشعوبها، وإنما لابتزازها والحصول على 3 تريليونات على الأقل من أرصدتها المالية، كمساهمة في تقليص دين بلاده العام الذي يصل إلى 41 ترليون دولار حاليا ومرشح إلى الارتفاع، وإذا صحت التوقعات الاقتصادية العالمية بانخفاض كبير لسعر الدولار كنتيجة لهذه الضرائب الجمركية، فإن خسارة هذه الدول التي معظم استثماراتها بالدولار ستكون ضخمة.
هناك مثل عربي دارج يقول “عندما تفلس الحكومات تلجأ إلى دفاترها العتيقة”، تذكرت هذا المثل عندما قرأت تصريحا لوزير التجارة الأمريكي يطالب الكويت بمئتي مليار دولار لتسديد تكاليف تحرير الكويت في حرب عام 1991، وعندما قال له نظيره الكويتي مذكرا أن تكاليف هذه الحرب، وحسب الوثائق الأمريكية لم تكلف أمريكا أكثر من 60 مليار دولار سددتها الكويت والسعودية والإمارات وقطر فورا، رفض الوزير الأمريكي هذا الكلام وأصر على دفع الكويت المبلغ الجديد أي 200 مليار دولار سواء زارها ترامب أو لم يزرها.. وصدق الثعلب هنري كيسنجر عندما قال أن تعادي أمريكا هذه مصيبة، وأن تكون صديقا لها فالمصيبة أعظم.
كل الشكر للرئيس ترامب الذي سيدمر أمريكا، إمبراطورية الشر، وبالتالي كيان الاحتلال الإسرائيلي ذنبها، ونأمل أن يطول عمره لإنجاز هذه المهمة التي ستسعد سبعة مليارات إنسان على ظهر الكرة الأرضية.
رأي اليوم - عبد الباري عطوان (بتصرف)