العالم - مقالات و تحليلات
وبدأ "سلّام" مقالته بالكتابة عن عقود، كانت الهيمنة البحرية أحد أعمدة الاستراتيجية الأمريكية، حيث اعتمدت واشنطن على حاملات الطائرات والقطع البحرية الكبرى لفرض سيطرتها على البحار والمحيطات والممرات الدولية، واعتبار أي قوة تهدد هذا النفوذ تهديدا مباشرا لمصالحها العالمية.
وأضاف لكن المواجهة الأخيرة مع اليمن كشفت عن انهيار مفهوم السيطرة المطلقة على البحار، حيث تواجه الولايات المتحدة معضلة كبيرة في حماية خطوط الملاحة وتأمين وصول السفن إلى "إسرائيل"، بل وجدت نفسها أمام تحدٍّ عسكري غير تقليدي أجبرها على الفرار وتغيير حساباتها الميدانية.
وجاء فيما نشره الكاتب "حاملة الطائرات "يو اس اس هاري ترومان" التي دخلت المنطقة باستعراض قوة مكثفة، وسربت فيديوهات استعراضية لحاملة الطائرات "ترومان" التي انطلقت منها أسراب من المقاتلات لمهاجمة المدن اليمنية، مواقع وأعيان مدنية، وأحياء سكنية ومنشآت خدماتية واقتصادية، أوقعت عدد من الضحايا المدنيين".
وتواصل "كان ذلك الاستعراض يمثل ذروة الاستراتيجية الأمريكية في الردع البحري التي كانت تعد له، لكن المشهد تغيّر بسرعة عندما وجدت نفسها هدفًا مباشرًا لهجمات الصواريخ والمسيرات الدقيقة. هذه الحاملة، المصممة لتكون قاعدة جوية عائمة تفرض السيطرة الجوية والبحرية، وجدت نفسها في موقف دفاعي غير مسبوق، حيث لم تستطع أنظمتها المتطورة مثل "إيجيس" و"فالانكس" قادرة على صد التهديدات القادمة، وتعرضها لاصابات دقيقة، مع القطع المرافقة لها، وخلال 72 ساعة تعرضت "ترومان" لأربع هجمات بالصواريخ المجنحة والمسيرات ما دفع القيادة العسكرية الأمريكية لاتخاذ قرار الفرار السريع إلى أقصى شمال البحر الأحمر بمسافة 1300 كم لتجنب كارثة استراتيجية قد تعيد رسم موازين القوة في المنطقة".
"الولايات المتحدة تدرك جيدا أن خسارة حاملة طائرات في هذه المعركة لا تعني مجرد خسارة عتاد عسكري، بل ستكون ضربة ساحقة لهيبتها أمام العالم، وستفتح الباب أمام قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا، وعدد آخر من الدول لاستغلال هذا الضعف، فضلا عن إعادة تشكيل التحالفات في الشرق الأوسط، حيث ستبدأ الدول الإقليمية في البحث عن بدائل أمنية أكثر موثوقية. لهذا، لم يكن الانسحاب مجرد خطوة تكتيكية، بل اعترافًا ضمنيًا بأن عقيدة "من يسيطر على البحار يسيطر على العالم" لم تعد صالحة في ظل الحروب غير المتماثلة، حيث بات بإمكان قوة إقليمية تفتقر إلى أساطيل ضخمة أن تشل حركة حاملات الطائرات بأدوات ردع ذكية ومنخفضة التكلفة وهذا التحول في طبيعة الصراع البحري يعني أن أمريكا لم تعد قادرة على فرض معادلاتها بالقوة، حيث أصبح التهديد المباشر للممرات البحرية أكثر فاعلية من مجرد التواجد العسكري فيها".
"اليمن لم تعد قوة دفاعية فقط، بل انتقلت إلى مرحلة فرض الإرادة الاستراتيجية، من خلال القدرة على تهديد السفن الحربية والتجارية وفرض معادلات جديدة للردع البحري. لقد بات واضحًا أن واشنطن تواجه خيارًا صعبًا ومعقدًا للغاية؛ إما الدخول في حرب استنزاف لا يمكنها تحمل تبعاتها، أو الاعتراف بالواقع الجديد وإعادة صياغة سياستها في المنطقة. وهذا يعني في المجمل فشل الولايات المتحدة في حماية إسرائيل وتأمين السفن التجارية، ويعكس ليس فقط محدودية القوة العسكرية أمام تكتيكات الحرب الحديثة، بل أيضًا تراجع القدرة الأمريكية على إدارة الأزمات وفق العقائد التقليدية. اليوم، لم تعد الحرب تقاس بعدد القطع البحرية المنتشرة في البحر، بل بمدى قدرة الطرف الآخر على شل هذه القطع وجعل وجودها في ساحة المعركة أكثر تكلفة من انسحابها. لقد وجدت أمريكا نفسها في معادلة معقدة، حيث تكون فيها الكلفة السياسية والعسكرية والاقتصادية للبقاء أعلى بكثير من كلفة الانسحاب، وهو ما أجبرها على الفرار وعن مواجهة لا تضمن نتائجها".
وختم الكاتب نشرته بتاكيد على أن "هذا الانكسار الأمريكي لم يكن مجرد تراجع ميداني، بل هو مؤشر على أن قواعد الاشتباك تغيرت، وأن القوة لم تعد تقاس بحجم الترسانة العسكرية، بل بالقدرة على استخدام الوسائل غير التقليدية لتفكيك هيمنة القوى الكبرى. اليمن فرضت واقعًا جديدًا، وإذا استمرت في تطوير قدراتها العسكرية والتقنية، فإن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وسيكون عليها التكيف مع موازين قوى جديدة لم تكن مستعدة لها، حيث لم يعد البحر ساحة نفوذ أمريكية مطلقة، بل أصبح ساحة اختبار حقيقي لمدى تداعي نفوذها أمام التغيرات الجيوسياسية والعسكرية العميقة" .
__ يذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت قد قررت إرسال حاملة طائرات ثانية إلى منطقة الشرق الأوسط في إطار تصاعد التوترات المتعلقة بهجمات حركة المقاومة اليمنية "أنصار الله" على السفن في البحر الأحمر.
ويأتي هذا الإستعراض الغزوي العدائي في وقت تتصاعد فيه التوترات مع المقاومة اليمنية "أنصار الله"، التي تواصل شن هجمات على السفن المتجهة للكيان الصهيوني في البحر الأحمر.