العالم- الخبر واعرابه
مشهد الدمار في أميركا
-مع بداية الشتاء البارد، انقطع التيار الكهربائي عن 1.5 مليون منزل، وواجهت إمدادات الغاز مشاكل. وتلتهم النيران أكثر من 27 ألف هكتار من الأراضي. امتدت الحرائق إلى أغلى المباني في أميركا، بما في ذلك بيفرلي هيلز، وهوليوود، وسانست بوليفارد، حيث يبلغ متوسط أسعارها 2 مليون دولار. دمّرت الحرائق عشرات الآلاف من المنازل، وأجبرت أكثر من 180 ألف شخص على إخلاء منازلهم، في حين استغل اللصوص الفرصة لنهب الممتلكات.
-انتشرت صور لرجال الإطفاء وهم يستخدمون حقائب يدوية، وأقماع مرورية، ودلاء ماء لإطفاء النيران، مما أثار انتقادات واسعة. كاليفورنيا هي أغنى ولاية في أميركا، لكن رجال الإطفاء يفتقرون إلى الأدوات الأساسية لإطفاء الحرائق. وقال رجل الأعمال الأميركي ريك كروسو لشبكة "فوكس نيوز": "لوس أنجلوس لا تملك الماء لإطفاء الحرائق لأن المسؤولين لم يملؤوا خزانات المياه".
-وقال الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب: "يجب على حاكم كاليفورنيا الاستقالة. نقص المياه لمكافحة الحرائق كارثة كاملة. واحدة من أجمل وأفضل مناطق الولايات المتحدة تُدمَّر". ورد حاكم الولاية غافين نيوسوم قائلاً: "الناس يفرون ويفقدون حياتهم. المدارس دُمّرت. العائلات تشتتت، وترامب بدلاً من أن يهتم بأرواح الناس، يركز على لعبته السياسية".
مقارنة مع غزة: دمار بفعل البشر
في الوقت الذي تشهد فيه الولايات المتحدة هذا الدمار الطبيعي الناتج عن الحرائق، تتعرض غزة لدمار بشري بفعل الاحتلال الإسرائيلي المدعوم أميركياً. خلال العامين الماضيين، أنفقت الولايات المتحدة عشرات المليارات لدعم الجرائم الحربية والإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال في غزة، بينما كان يمكن استخدام هذه الأموال لمنع الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية.
الأوضاع الجهنمية في أغنى المناطق الأميركية تعد دليلاً آخر على "تآكل أميركا"، وهو تعبير استخدمه مسؤولون أميركيون لسنوات طويلة. لكن هذا التآكل يتجلى بشكل أكثر وضوحاً عندما ندرك أن الإنفاق الهائل لدعم الحروب والاحتلال يأتي على حساب البنية التحتية والخدمات العامة داخل الولايات المتحدة نفسها.
أصوات أميركية تدعو للانعزال
وكان توماس فريدمان، المحلل في نيويورك تايمز، أشار قبل اعوام لصحيفة "ميلييت" التركية بالقول: "لم يعد لدينا القدرة حتى بمقدار بسيط على التدخل العسكري في أزمات مثل سوريا. دخلت أميركا مرحلة يجب أن تركز فيها على مشاكلها الداخلية. الآن، "بيت لحم" في بنسلفانيا أهم بالنسبة لنا من "بيت لحم" في الشرق الأوسط. يدفع الأميركيون مبالغ أكبر مقابل خدمات أقل، ويتساءلون أكثر من أي وقت مضى: ماذا تفعل قواتنا في تلك المنطقة من العالم؟".
انهيار البنية التحتية
-حذرت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة، في يوليو 2021 قائلة: "بُنانا التحتية، طرقنا، جسورنا، وشبكات المياه لدينا تنهار. شبكة الكهرباء معرضة للأعطال". وتبعها الرئيس جو بايدن الذي قال في ويسكونسن: "نحن نعاني من انقسامات بشأن العديد من القضايا. (مشيراً إلى الخراب الواسع للبُنى التحتية) من بين كل 5 أميال من الطرق السريعة والجسور في أميركا، هناك ميل واحد في حالة سيئة. وفي بعض الولايات، الوضع أسوأ بكثير..تم بناء حوالي 50% من الجسور منذ أكثر من 50 عاماً. ووفقاً للمهندسين، فإن أكثر من 1000 جسر في ويسكونسن وحدها يعاني من مشاكل هيكلية. وفي جميع أنحاء البلاد، معظم الجسور تحتاج إلى إصلاح. في ميلووكي، مياه المدينة ملوثة بالرصاص، مما يشكل تهديداً خطيراً على الصحة العامة. مياه 10 ملايين منزل في أميركا ملوثة بالرصاص. مياه 400 ألف مدرسة مهددة بخطر التلوث بالرصاص".
- حتى دونالد ترامب، قبل خمس سنوات، بدأ حملته الانتخابية بالإشارة إلى حجم الدمار والخسائر في إدارات بوش وأوباما، وقال لشبكة "إيه بي سي نيوز" بعد فوزه بالانتخابات: "الولايات المتحدة تنهار. ليس لدينا المال لبناء مدرسة في بروكلين أو لوس أنجلوس. شيكاغو أصبحت مثل أفغانستان؛ كل بضعة أيام يُطلق النار على عدد من الناس. أريد التأكد من أنه خلال ولايتي، لن يموت أحد في شوارعنا بسبب الفقر أو عدم توفر التأمين..جسورنا منهارة. لا نملك المال لبناء مدرسة. السياسيون خذلوا الشعب لفترة طويلة. بـ6 تريليونات دولار أنفقناها في حروب الشرق الأوسط، كان يمكننا إعادة بناء البلد مرتين. انظروا إلى حالة الطرق، والجسور، والأنفاق، والمطارات لدينا، فهي أشبه بمواقع قديمة ومهترئة".
هل هي سُنّة الجزاء من جنس العمل؟
-هل يمكن اعتبار ما يجري في أميركا انعكاساً لتصرفات الحكومة الامريكية؟ في وقتٍ تُغرق فيه واشنطن أموالها لدعم الاحتلال الإسرائيلي الذي يهدم منازل الفلسطينيين ويقتل الأبرياء، تجد نفسها عاجزة عن توفير المياه لإطفاء الحرائق أو إصلاح الجسور المنهارة. قد يكون ما تشهده أميركا اليوم رسالة بليغة حول مصير الدول التي تغض الطرف عن القيم الإنسانية وتسعى وراء مصالحها الضيقة على حساب معاناة الآخرين