العالم – الخبر وإعرابه
-لسنا هنا في وارد تقييم ما يجري في سوريا من تطورات، فهذا امر خارج نطاق مقالنا هذا، ولكننا سنركز على اداء الاعلامي العربي المتمثل بالفضائيتين، وكيفية تغطيتهما لاحداث سوريا، ومقارنتها بتغطيتهما لما حدث في العراق عام 2003 ، وما قبل هذا العام، لنضع المتصفح امام حقيقة "موضوعية" هذا الاعلام العربي الذي صدعوا رؤوسنا بها.
-رغم انه من الصعب مقارنة نظام صدام في العراق بنظام الاسد في سوريا، فهي مقارنة في غير محلها، والعارفون بطبيعة النظام الصدامي في العراق، لا يقارنون بين ذلك النظام باي نظام اخر سوى بنظامي هتلر او استالين، ولكن رغم ذلك لم نشهد في العراق بعد عام 2003 قيام السلطات العراقية، او فصائل مسلحة، بتمشيط مدن عراقية، حتى مسقط رأس صدام في قرية العوجة في تكريت، وكل الذي حدث، هو ان امريكا وضعت قائمة تتالف من 55 لكبار المسؤولين العراقيين المطلوب القبض عليهم. ولكن الاعلام العربي كان يتحدث عن "مجازر ومذابح يتعرض لها "السنة" و البعثيين والصداميين" وهو ما لم يحدث ابدا.
-العراق الذي حوله صدام الى مقبرة جماعية من شماله الى جنوبه، بشهادة عدسات الكاميرات، ولكن في راي هذا الاعلام، فان "العراق خرج من النور الى الظلام بعد عام 2003 ، اما سوريا فقد خرجت من القبر الى الحياة بعد سقوط الاسد" من وجهة هذا الاعلام، ان "صدام رغم بعض هفواته الا انه كان قائدا عربيا قارع "اسرائيل"، اما بشار "فليس لديه اي ايجابية، وكان يحرس امن اسرائيل". "صدام لم يكن طائفيا" رغم انه قصف العتبات المقدسة في العراق، وقال صهره المقبور، حسين كامل، انه "لا شيعة بعد اليوم"، اما "بشار فكان طائفيا" لانه كان يرفض نهج الاخوان المسلمين.
-"عراق ما بعد صدام عراق طائفي" من وجهة نظر هذا الاعلام العربي، رغم انه لم يفرض النظام العراقي الجديد اي اذان على العراقيين، ولكن النظام السوري الجديد، ليس طائفيا، حتى لو فرض الاذان الذي يحبذه، كما يحصل في مرقد السيدة زينب بنت الامام علي عليهما السلام.
-"النظام العراقي بعد صدام جاء على دبابة امريكية" من وجهة نظر هذه الفضائيات، التي تجاهلت ان الدبابات الامريكية جاءت انطلاقا من اراضي الدول التي تمول وتحتضن هذه الفضائيات. اما "النظام السوري الحالي، فنزلت عليه الاسلحة من السماء، مثلما هبط الالاف من المقاتلين من السماء ايضا، دون تدخل من اي جهة اجنبية" هذا ما تكرره الفضائيات العربية ليل نهار على مسامعنا.
-كما قال قائل، ان هذه الفضائيات والجهات التي تمولها، ليس مهما لديها القاتل والمقتول او الممول والمحرض، المهم لديها، ان "القاتل مناضل ومجاهد وثوري"، لو كان من طائفتها، وغير ذلك فهو "طائفي وقاتل وميليشيا". ليس هذا فحسب حتى المقتول فانه مُدان ويستحق القتل لو لم يكن من طائفتها، اما المقتول الذي قُتل لمنعه من ذبح طفل برىء، فانه يتحول الى ضحية للحقد الطائفي!.
-ان هذا التعامل المقزز والفاضح لهذه الفضائيات العربية، وسقوطها المخزي في امتحان الموضوعية، مع ما جرى في العراق وما يجرى في سوريا، هو الذي سيجعل نار الاحقاد والصراعات مشتعلة في ديارنا، والتي تهدد بإلتهام الاخضر واليابس.
-التطورات التي تشهدها سوريا هذه الايام، يمكن ان تتاخذ منحى اكثر هدوءا، لولا هذه الفضائيات التي تنفخ في نار الاحقاد، وتعكر الاجواء على الجميع عبر تزييفها للحقائق، من خلال هذه التغطية الطائفية البغيضة التي لا تخدم شعوب المنطقة، ولا تصب في صالح الشعب السوري. فالداني والقاصي يعلم علم اليقين، انه لو سارت الامور في سوريا وفقا لاجندة هذه الفضائيات، فان النار ستلتهم السوريين جميعا دون استثناء، بينما يبقى "الاسرائيلي" يتفرج ضاحكا على مشهد النار، وهو يقف على قمة الجبال المشرفة على دمشق.