هدوء تحت النار..

أطباء يستذكرون أهوال ما شاهدوه خلال عدوان قطاع غزة (الجزء الأول)

الإثنين ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٤ - ٠٣:٠٥ بتوقيت غرينتش

"الهدوء تحت النار"، فيلم وثائقي جديد من إنتاج قناة العالم 2024، يخلّد ذكرى كل الأطباء والطواقم الطبية وكل المظلومين الذين قضوا خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة موثقا الوحشية والدمار الذي لحق بمستشفيات قطاع غزة جرّاء العدوان الإسرائيلي.

العالمخاص بالعالم

ذكريات وتضحيات الأطباء في غزة

قبل الغارة الجوية في 23 من نوفمبر 2023 على مستشفى العودة في جباليا، كتب طبيب على لوحة قسم الجراحة البيضاء عدة عبارات قصيرة ومقطعه"لمن بقي حتى النهاية فليقص الرواية، نحن عملنا كل ما بوسعنا أذكرونا"وفي تلك الغارة استشهد الطبيب الجراح "محمود ابو نجيلة.


وقال طبيب إيراني يعمل في مستشفى شهداء تجريش في العاصمة الإيرانية طهران:" لقد عملت جراحا متخصصا في امراض السرطان لسنوات عديدة ومررت في مسيرتي المهنية بالعديد من التقلبات.

وأضاف: لكن بعض الأحداث كان لها تأثير غريب لا يمكن نسيانه، مثل تجربتي في التواجد في أحداث حرب "حزب البعث العراقي" ضد إيران أو أحداث الحرب الاخيرة في غزة والتي لا يحتملها أي إنسان.

السرطان الإسرائيلي يحصد حياة الأبرياء في غزة

وقال الطبيب الإيراني:هنا في غرفة العمليات أبذل قصارى جهدي لإنقاذ شخص ما من مرض السرطان، بينما في غزة يحاول السرطان أن يحصد حياة الناس بكل قوته العسكرية،ليس من الضروري أن يكون أحد من أهل غزة حتى يتمكن من فهم وضع شعبها، المطلوب هو القليل من الإنسانية وبعض الوعي، وبينما جسدي يحترق من الألم، يجب أن أكون هادئا ومتنبها تماما للقيام بواجبي في العمل الطبي، هذه قاعدة "الهدوء تحت النار".

وتابع: لكن ما يحدث في غزة لا يتطابق مع أي من المعايير المعروفة، انما مآسي حرب غزة وصلت إلى درجة انه وفقا لتقارير عديدة للمنظمات الدولية لا يوجد مكان آمن للمدنيين في هذا القطاع، حتى إن تل أبيب هاجمت مرارا وتكرارا أماكن التي أعلنتها سابقا كأماكن آمنة للجوء الفلسطينيين وعملها هذا لا نهايه له.

وأضاف ربما تعتبرون التعامل مع هذه المشكلات مهمة غريبه بالنسبة للجرّاح ولكن يجب ان اقول ان قتل هذا العدد الكبير من الأبرياء ليس بالأمر الذي يمكن لأي شخص أن يتغاضى عنه بسهولة، وخاصة عندما ترى أن الجيش الصهيوني يتعمد مهاجمة المستشفيات والأطباء وفرق الإغاثه.

جرائم الكيان في غزة وتشابهها بجرائم البعث العراقي بالمدن الإيرانية

وأوضح الطبيب الإيراني: هذا الوضع يذكرني بالأيام التي كان فيها جيش البعث العراقي يقتل أهالي المدن الإيرانية بهجمات عمياء بالصواريخ والقنابل الشديدة التدمير. منوها أن تقديم المساعدة في الحرب له قواعد معينة لكن دراسه سلوك المعتدين في الحروب المختلفة يظهر أنهم لا يلتزمون بأيه قواعد، مثال واحد فقط على سلوك الجيش البعثي:"هجوم أكثر من 10 طائرات تابعة له بالقنابل الثقيلة والكيميائية على مستشفى فاطمه الزهراء سلام الله عليها في السابع والعشرين من فبراير 1985".

وحشية الإحتلال ومعاناة أهالي غزة

خلف كواليس الحياة اليومية للناس في غزة، كانت هناك الكثير من المعاناة المتراكمة التي نراها كل يوم في الأخبار، والحقيقة إن الحرب الاخيرة هي إنتفاضة على كل تلك المعاناة، ومن ناحية أخرى فإن سلوك الصهاينة هو استمرار لنفس العنف.

وقال الدكتور باسم نعيم وزير الصحة الفلسطيني السابق وعضو المكتب السياسي لحركة حماس: أود أن أضعكم في حجم الجرائم التي إرتكبها العدو الصهيوني أثناء معركه طوفان الاقصى ضد المستشفيات ومراكز الرعاية الاوليه والطواقم الطبية والصحية والمؤسسات الدولية العاملة في القطاع الصحي والإنساني، الحقيقة عملت سنوات طويلة في مجمّع الشفاء الطبي كطبيب وأخصائي جراحة، ثم عملت ايضا كوزير للصحة ومسؤولا عن المستشفيات ومراكز الرعاية الاولية، لم أكن اتخيل في يوم من الأيام ونحن نبني هذه المستشفيات حجرا حجرا، ندفع ثمنا غاليا حتى نستطيع أن نستحضر جهازا أو نعلّم طبيبا، لم أكن اتخيل أن العدو الصهيوني يحمل كل هذا الحقد والغل على شعبنا الفلسطيني وأمتنا، إلى اأن يقدم على تدمير المستشفيات وقتل المرضى وقتل الطواقم الطبية والطواقم الصحية.

وأضاف الدكتور نعيم: منذ أن بدأ طوفان الأقصى قام العدو بفرض حصار ظالم وخانق على قطاع غزة فمنع قطاع غزة الغذاء والماء والوقود والطاقة والدواء، وحتى الإتصالات، وهذا أثر على كل الحياة ولكن أثر بشكل كبير على القطاع الصحي الفلسطيني، على المستشفيات، ومراكز الرعاية الاولية، وكذلك على المرضى والجرحى والطواقم الطبية، فمثلا شمال قطاع غزة لازال معزولا عن العالم ومحاصراً، ولا يصله لا غذاء ولا دواء ولا ماء ولا وقود ولا طاقة ولا إتصالات".

غزة أكبر سجن مفتوح في العالم

من معاناة أهل غزة الحصار الشامل الذي فرضه الصهاينة عليهم من خلال بناء جدار عازل لدرجة أن غزة اصبحت تعرف بانها اكبر سجن مفتوح في العالم منذ عام 1994 بدا الصهاينه ببناء سياج حول غزة من خلال بناء جدار بطول 60 كيلومترا وسجن سكان قطاع غزة عمليا وفي القرن الماضي تم تسجيل العديد من جرائم الحرب، مما أدى الى إعداد قوانين وقائية.

بعد الأحداث التي أدت الى إنشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 1863، تم تمهيد الطريق للتصديق على إتفاقيات لاهاي في عام 1899 و 1907، تلتها إتفاقيه جنيف في عام 1949، واستمر تطور القوانين مع اضافه بروتوكولي الى إتفاقيه جنيف عام 1977، بحيث أصبح الإلتزام بنظام القانون الدولي المعاصر إلزاميا لجميع البلدان.

جرائم الكيان في غزة لا تتطابق مع المعايير الدولية

لم تكن أي من المآسي وجرائم الحرب التي حدثت في غزة متوقعة الحدوث ولا تتطابق مع أي من معايير القانون الدولي، إن الهجمات المتعدده على قوات الإغاثه والمستشفيات هي بالتأكيد جرائم ضد الانسانية ومع ذلك فقد ارتكب الصهاينة هذه الجريمة بمهاجمه مستشفى الشفاء وتدميره، كما يثير خبراء الصحة العالمية هذه القضية بوضوح في تقاريرهم الميدانية.



زيارة فريق تفتيش منظمة الصحة العالمية إلى قطاع غزة

وفي زياره لخبراء ومفتشي منظمة الصحة العالمية الى مستشفى الشفاء في غزة بعد هجوم جيش الاحتلال الصهيوني قال الدكتور اياديل صفر بكوف رئيس فريق تفتيش منظمة الصحة العالمية في غزة:" انا هنا في الجزء المتبقي من طوارئ الشفاء أكبر مستشفى في غزة، ولسوء الحظ كما ترون من حولي لم يبقى سوى الركام، مكان عبارة عن أسرة أو أنابيب أكسجين وغرف للأطباء والمرضى المرضى الذين اعتادوا ان يتواجدوا هنا لتلقي الاسعافات الاوليه ولكن للأسف تم حرق وتدمير كل شيء، وكما ترون لم يبقى شيء من هذا المكان خلفي الذي كان قسم الطواريء، وورائي بقايا وحده العناية المركزه لحديثي الولاده والحضانة.

الهجوم الوحشي على مستشفى الشفاء في غزة

تعرض مستشفى الشفاء الذي يعتبر أهم مركز طبي في غزة لثلاث هجمات كبيرة خلال الحرب، الهجوم الأضخم الأول كان بحجة الأنفاق تحت الارض لكن في الواقع تعرض الاطباء وعمال الانقاذ لهجوم وحشي والهجوم الثاني وقع في شهر رمضان، حيث تم حصار المستشفى لمدة 12 يوما وهو حصار لمنع وصول الماء والغذاء الى المستشفى_

أما الهجوم الأوسع الثالث فقد تم تنفيذه بهدف تدمير المستشفى بالكامل وقتل المرضى والأطباء وجميع اللاجئين، وبعد هذا الهجوم، تم إكتشاف العديد من المقابر الجماعيه حول المستشفى.

وبعد تلك الهجمات المدمّرة، خرج المركز الطبي الأهم في غزة عن الخدمة تماما.

بعد إنسحاب الجيش الصهيوني تم إنتشال أكثر من 490 جثث شهداء من المقابر الجماعية خلال عمليات التفتيش التي جرت في محيط المستشفى لكن أكثر من 1500 شخص، ما زالوا في عداد المفقودين والبحث مستمر عنهم.

ولفت الدكتور باسم نعيم: أثناء هذا العدوان رفع العدو الصهيوني شعارا أساسيا انه يهدف الى طرد السكان الفلسطينيين من قطاع غزة الى خارج القطاع هناك في مصر، وحتى يحقق هذا الهدف إدعى وأعلن أن المستشفيات تستعملها المقاومة للانشطة العسكرية والأمنية، وهو يعلم أن هذا الكلام غير صحيح وهو كذب، ولكن هو يبرر جريمته تجاه المستشفيات، لأن المقاومة أخذت قرارها منذ فترة طويلة بأن تبتعد عن كل المؤسسات الصحية التي يمكن أن تخدم المواطنين الفلسطينيين، مثل المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد وغيرها، عن العمل العسكري المباشر.

وأضاف: من هنا نحن كنا نعلم أنه سيقدم على هذه الجرائم لأنه يريد ان يقضي على أسباب الحياة في قطاع غزة فدمّر المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية وآبار المياه ودمّر المدارس ودمّر الجوامع ودمّر الكنائس، ولم يبقي حتى المخابز، دمّرها حتى لا يبقي سببا للحياة، حتى لا يستطيع المواطن الفلسطيني أن يستمر في الحياة في هذه المنطقة".

تهجير قسري لسكان غزة

تظهر الهجمات الصهيونية أنه ليس لديهم هدف آخر سوى جعل غزة غير صالحه للسكن، وتحت ذريعة تدمير حماس دمروا جميع البنية التحتية المدنية بما في ذلك المستشفيات، وذلك من خلال جعل قطاع غزة مكانا غير صالح للعيش وسيعاني الناس من الإخلاء القصري ومنذ بداية الحرب قام جيش الغزو بتهجير قصري لأكثر من مليون و 800 الف مواطن من سكان غزة، خاصة من المناطق الشمالية ويعتبر هذا اكبر تهجير قسري للفلسطينيين منذ عام 1948.

وأوضح الدكتور باسم نعيم: اليوم، الوضع الصحي في قطاع غزة، وضع مأساوي وكارثي، في الجزء الشمالي من قطاع غزة الوضع الصحي انهار بالكامل، يعني لا يعمل في شمال القطاع ولا مستشفى ولا مركز رعاية أولية حوالي 30 مستشفى خرجت تماما عن الخدمة، إما بسبب القصف المباشر، أو بسبب الخنق وعدم وصول الدواء والغذاء والماء و إلى آخره.. ونفس الشيء في المنطقة الجنوبية، هناك لازال عدد من مستشفيات يعمل.

ولفت الدكتور نعيم : ولكن هذه المستشفيات محاصرة لا يصلها شيء، وايضا هناك بعض المستشفيات تم استهدافها وضربها، والأهم أن هذه المستشفيات نزح اليها من الشمال الى الجنوب حوالي مليون إنسان فهي لا تستطيع ان تغطي حاجة الناس، اليوم نسبة إشغال الأسرّة في بعض المستشفيات في الجنوب 4 أضعاف الوضع الطبيعي، هناك أعداد الاف من الناس نزحت الى المستشفيات.

التفاصيل في الفيديو المرفق ...