أمام احتمالي نيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة الذي سيصطدم بالفيتو الأميركي، والعضوية المراقبة الذي يبدو طريقه سالكاً، فإن الاحتمال الثاني الذي يعني انتقال فلسطين من “كيان مراقب” -كما هو الحال منذ العام 1988- إلى “دولة مراقبة” حتى تنضج الظروف لتحقيق العضوية الكاملة، ينطوي على مكاسب سياسية جمة؛ فهو سيعزز أحكام القانون الدولي، وبخاصة عدم أحقية إسرائيل بأي جزء من الأرض التي احتلتها العام 1967، وبأن احتلالها واستعمارها للأرض الفلسطينية (أي استيطانها وضم أجزاء منها) يعتبر أمراً غير قانوني. وفي السياق فهو تأكيد على القرارات المهمة التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة في السابق، والتي أكدت حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والدولة السيادية المستقلة. كذلك حسم مسألة الدولة الفلسطينية ككيان سيادي وقانوني، فضلاً عن إعادة القضية الفلسطينية إلى منبع نشأتها، فيصبح القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية هي المرجعية لأي اتفاق لاحق وليس اشتراطات إسرائيل.
وهو ما يعني أيضا انضمام فلسطين إلى الوكالات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة (باستثناء مجلس حقوق الإنسان الذي تتحدد عضويته بالانتخاب)، ومنها منظمة الصحة العالمية، واليونيسيف، واليونسكو، والمجلس الاجتماعي الاقتصادي، والمحكمة الجنائية الدولية التي تعترض واشنطن وتل أبيب بشدة على دخول فلسطين إليها، باعتبار أنه سيساهم في كف يد إسرائيل عن أبناء الشعب الفلسطيني وترابه الوطني بما في ذلك القدس، من خلال تفعيل دور القضاء الدولي، ويعني دخول فلسطين في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وهي حكر على الدول، ما يفتح أمامها مجالاً قانونياً وسياسياً يساعد بشكل كبير على محاصرة سياسات إسرائيل الاحتلالية والاستعمارية.
وبالنتيجة، فإن انتقال فلسطين من “كيان” إلى “دولة” -حتى لو كانت مراقبة- هو خطوة رئيسية على طريق اكتساب العضوية الكاملة، فضلاً عن ذلك فهو يفتح أمام النضال الوطني الفلسطيني أبواباً جديدة لمحاصرة إسرائيل وممارساتها، وزيادة الضغط عليها، وتفعيل قرارات الشرعية الدولية بشكل أفضل، واتخاذ إجراءات عملية بهذا الشأن.
ستصبح دولة فلسطين العضو بالمنظمة العالمية دولة خاضعة لاحتلال دولة مجاورة، وبذلك يمكن المطالبة بتحريرها كما حدث مع الكويت عندما احتلّت أراضيها قوات عراقية.
كذلك، سيمكن لدولة فلسطين إقامة دعاوى قضائية على أكبر المسؤولين في إسرائيل، مثل نتنياهو وليبرمان وباراك وباقي الجنرالات أمام المحكمة الجنائية الدولية بتُهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، بل سيُمكن للفلسطينيين، ولأول مرة، المطالبة بوقف الاستيطان وإزالة المستوطنات باعتبارها انتهاكاً لقوانين جنيف.
كما سيمكن للفلسطينيين إقامة دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة للشعب الفلسطيني، وطلب عقد جلسة طارئة لإصدار أمر من المحكمة بوقف كلّ الممارسات الإسرائيلية في هذا الصدد. كما أن العضوية ستحول كل الفلسطينيين في الخارج أوتوماتيكيا إلى مواطنين ورعايا للدولة الفلسطينية، بما يترتَّب على ذلك من حقوق لهم في التنقل والسفر والتمتع بالحماية، وكذلك حق العودة إلى وطنهم.
منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، سيغير قواعد لعبة السلام في الشرق الأوسط، فلن يضطر الفلسطينيون بعد ذلك إلى استجداء إسرائيل أو الولايات المتحدة للحصول على دولتهم.
*أسامة الرنتيسي