أهوال النزوح والحصار تزيد عذابات أهالي غزة

أهوال النزوح والحصار تزيد عذابات أهالي غزة
الإثنين ٠٨ يوليو ٢٠٢٤ - ٠٣:٢٣ بتوقيت غرينتش

من جديد، يمشي الناس في شوارع غزة كالسكارى، يسألون أنفسهم "هل هذا يوم الحشر؟"، نزوح جديد من شرق غزة لغربها، بعد أن طلبت منهم قوات الاحتلال إخلاء كل أحياء البلدة القديمة "حي التفاح، الدرج، الصحابة وقبلها حي الشجاعية".

العالم - فلسطين

كانوا ينتظرون انسحابا من حي الشجاعية الذي دخله جيش الاحتلال يوم الخميس الماضي، وإذ به يريد منهم أن يكملوا نزوحهم إلى غرب غزة.

ضاقت غزة كثيرا، لا مكان آمن من شرقها إلى غربها، البيوت تحولت إلى تلال من الحجارة المكومة على أطراف الطرقات التي جرفتها الدبابات.

أم ثكلى تحمل ما تبقى لها من متاع وهي تساند أطفالها، وتجر الجسد الذي لم يأكل طعاما يقويها منذ أشهر، وتنظر إلى كاميرا أحد المصورين وتردد "لا تشفع لهم يا رسول الله فقد خذلونا".

وهكذا يلف النازحون بطونهم جوعا، وقد رسمت تفاصيل الوهن والتعب على وجوههم، بسبب قلة الطعام، والحصار، ومنع الاحتلال دخول المساعدات إلى غزة والشمال، بينما لا يطلقون صرخة واحدة لهذا العالم، لأن الصرخات كلها لم تعد مجدية.

البلدة القديمة تاريخ غزة، وسيرتها الذاتية، وحي التفاح أعرقها ويتذكرون يوما أخبرهم فيه أجدادهم أن الحي أخذ اسمه من أشجار التفاح التي كانت تملأ أراضيه الزراعية، قبل أن يأكل البنيان الشجر، ثم تأتي الجرافات فتأكل ما بنوه على مدار السنوات، من بيوت عمرها أكبر من أعمارهم.

طريق السير طويل على من أنهكه الجوع، في ظل عدم وجود أي مواصلات تأخذهم إلى مكان آخر، وقد تحدثوا جميعهم عن تلك المخاطر التي صاحبتهم وهم يسيرون في المدينة المعتمة التي تحولت إلى كومة رماد، ثم بدأت طائرات الاحتلال بالغدر كما اعتادوا وتوقعوا فأطلقت النار من آليات الاحتلال فور تلقيهم تعليمات بالإخلاء إلى مناطق غرب المدينة تمهيدا لتوسيع العملية العسكرية التي بدأت بحي الشجاعية.

قصفت المدارس في اليوم الذي سبق تلك اللحظة، لم يعد هناك مراكز للإيواء ولا مدارس تتسع لكل هذا العدد، فبدأوا يفترشون الشوارع حينما وصلوا إلى ركن شارع الثلاثيني، أنهكهم التعب والقصف المتواصل فوقهم.

وفوق كل هذا الوجع والخوف وصرخات الأطفال لم يستطيعوا أخذ شيء من اللوازم الضرورية من منازلهم بفعل ضراوة القصف التي أعقب أوامر الإخلاء. افتقد الكثيرون أحبتهم، وبدأوا يتراكضون حولهم كل منهم يسأل عن طفل أو شيخ أو امرأة فقدوها في الطريق الموحش، بينما تحدثت مصادر إعلامية عن وصول 54 شهيدا حتى منتصف الليلة الماضية إلى مستشفى المعمداني في قلب غزة.

طواقم الإنقاذ والإسعاف لا تستطيع الوصول إلى الشجاعية منذ الأسبوع الماضي، وها هي تعجر من دخول حي التفاح والدرج أيضا، بينما تواصلت الأحزمة النارية على طول المدينة وعرضها، بدأت بالشرق وحتى الغرب.

ولم يكن جنوب القطاع أهون حالا، رغم توفر بعض الأطعمة في الأسواق مقارنة بالشمال، ولكن الطواقم الطبية فوجئت أيضا بسيارة تحمل ثلاثة جثامين مكبلة الأيدي في رفح، أسرى عذبهم الاحتلال حتى الموت دون فرصة للدفاع عن أنفسهم، بينما ظل الموت سرا في مدينة رفح لأن طواقم الإسعاف وكاميرات المصورين لا تستطيع الوصول إلى قلب المدينة لتحصي عدد الأرواح التي اغتالتها قوات الاحتلال.

الدفاع المدني عاجز حيث باتت طواقمه مستهدفة هي الأخرى، المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل عبر عن هول المشهد الذي يزداد رعبا يوما بعد يوم بالقول إن "حالة نزوح مخيفة من شرق غزة إلى المجهول تحت قذائف الاحتلال التي تلاحق النازحين وتصلنا الكثير من المناشدات، لمواطنين لم يسعفهم الوقت للخروج من منازلهم، لأن الاحتلال باغتهم بالقصف قبل أن يفعلوا وظلوا محاصرين بالموت هناك".

ولكن الاحتلال يكذب كعادته، فقد قصف أبراج وعمارات في حي الرمال حيث طلب من المواطنين النزوح، ثم لاحقتهم الطائرات بقصفها إلى حي الصناعة ومحيط شارع الجامعات وتل الهوى، حيث طلب منهم التوجه إلى هناك.

هذا يوم جديد مرعب على الشجاعية التفاح والدرج والسنفور والسامر، تتخلله أحزمة نارية متواصلة من شرق غزة إلى غربها.. مدينة عارية من كل شيء، وأهلها لا زالوا يدفعون الثمن منذ (اكثر من) 275 يوم، أثمان لم تعد الأكتاف تقوى على حملها، وضريبة من أرواحهم وأموالهم حيث تساوت الحياة والموت، وحرمهم الاحتلال حتى من غفوة وسط الشارع، لأن غزة كلها تحولت إلى كرة لهب يحترق فيها الغزي كل دقيقة دون رحمة.

* الرسالة