وفي رسالة واضحة على رفض التدخل السعودي الإماراتي المصري، نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لشباب في موقع اعتصام محيط القيادة العامة للجيش السوداني وهم يرفعون لافتات كتب عليها بالخط العريض "لا للتدخل الإماراتي السعودي والمصري، ولا للدعم من السعودية والإمارات".
وتعد الصورة المتداولة جزءا يسيرا من حالة التململ السياسي والشعبي من تدخل هذه الدول بالشأن السوداني وتحويل مسار الحراك الشعبي خدمة لأجندتها، بعد الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير.
وتصاعدت حالة الضجر في الايام الماضية بعد أنباء عن لقاءات ضُرب حولها سياج من السرية بين قادة المجلس العسكري الانتقالي، ووفد "سعودي-إماراتي" مشترك، وصل إلى البلاد بمعية المدير الأسبق لمكاتب الرئيس المخلوع، الفريق طه عثمان الحسين، الموصوف بأنه رجل السعودية والإمارات في السودان.
وساهم طه عثمان الحسين خلال وجوده في منصب مدير مكتب البشير قبل سنوات في توجيه البلاد إلى المحور السعودي الإماراتي، وكان هو أول من أعلن قطع علاقات السودان مع إيران، إضافة إلى دوره المشبوه في إرسال القوات السودانية للحرب في اليمن.
وقبل عامين تمت إقالة طه من المنصب بعد حديث مستمر عن تضخم سلطاته ودخوله في نزاعات مع عدد من المسؤولين الحكوميين أبرزهم وزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور، فضلا عن دخوله في صفقات مالية مع رجال أعمال سعوديين وإماراتيين. وبعد عزله مباشرة من المنصب غادر للسعودية ومنح الجنسية السعودية بقرار ملكي، وعين مستشاراً للديوان الملكي للشؤون الأفريقية.
وتأتي عودة طه إلى البلاد، عقب التئام قمة بين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، انتهت بتجديد التأييد للمجلس العسكري الانتقالي في السودان، مع إقرار الرياض وأبوظبي إرسال حزمة مساعدات إلى السودان، وهو أمر ردَّ عليه نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الجنرال محمد حمدان "حميدتي" بتحية أفضل منها، إذ أكد الإبقاء على القوات السودانية في اليمن، رغم المطالبات السابقة بسحبها.
وأبدى الأمين السياسي، لحزب "منبر السلام العادل"، محمد أبو زيد، عن بالغ قلقه إزاء التحركات السعودية الإماراتية للزج باسم الخرطوم في صراع المحاور الإقليمية، مستدلاً بعودة رجل السعودية في السودان، الفريق طه إلى واجهة الأحداث من جديد.
وتوقع أبوزيد أن يحاول البلدان "فرض نفوذهما من خلال تقديم الدعم المالي والاقتصادي للسودانيين الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة، وفي المقابل يبسطان سيطرتهما على موانئ البحر الأحمر، مع توجه قوي للقضاء على الحركات الإسلامية، وإبعاد الخرطوم بالكلية عن قطر وتركيا".
وحذر قوى المعارضة، من أن "ما يراد لها شبيه بما تم في مصر، حيث إن التحسن الاقتصادي رهين بوصول حُكامٍ لا علاقة لهم بالتغيير الذي سعى لأجله الشعب السوداني"، مضيفاً أن من يريد مساعدة الشعب السوداني "فعليه ألا يرهن ذلك باتخاذ مواقف سياسية".
من جانب اخر دشن الفريق ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري السوداني، انتقال بلاده بالكامل إلى التحالف العربي الذي تتزعمه السعودية ويخوض حرباً في اليمن وليبيا، عندما أكد يوم الاثنين الماضي متحدث باسمه أن القوات السودانية المشاركة فيه ضد قوات "أنصار الله" باقية حتى يحقق أغراضه كاملة.
وكان واضحاً بالنسبة إلى الكثيرين، أن الجنرال البرهان يريد التقرب من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها العرب، عندما أوفد المجلس العسكري الجديد مندوباً عنه للقاء القائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم، تحت عنوان شرح أهداف المجلس والسياسات الإقليمية والخارجية التي سيتبعها في المرحلة المقبلة.
ما دار بين مندوب المجلس العسكري والدبلوماسي الأميركي ما زال "غامضاً"، لكن من الواضح أن النظام السوداني العسكري الجديد يسعى من أجل رفع العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على بلاده، وإزالة اسمها من قائمة "الإرهاب"، وأن السعودية والإمارات ستلعبان دوراً كبيراً في تحقيق هذه الأهداف بحكم علاقاتهما القوية مع البيت الأبيض.
الفريق ركن البرهان، رئيس المجلس العسكري السوداني الجديد، كان من أبرز المؤيدين لإرسال أكثر من خمسة آلاف جندي سوداني للمشاركة في الحرب المستعرة حاليا في اليمن، التي أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين اليمنيين، وأشرف شخصيا على اختيار الوحدات الخاصة، ولهذا لم يكن من قبيل الصدفة أن تعلن القيادة السعودية منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة عن إرسال مساعدات "إنسانية" للسودان.
وقد وجه الحراك الشعبي في السودان انتقادات لاذعة إلى الرئيس المعزول عمر البشير بسبب إرسال قوات سودانية إلى اليمن، وتحويل الجيش السوداني إلى جيش من "المرتزقة".
إذا صحت النظرية التي تقول بأن المقدمات هي التي تبلور هوية النتائج، فإنه يمكن التكهن بأن السودان تحت قيادة المجلس العسكري الجديد الذي بات يحكم قبضته بقوة على السلطة، ويضع السياسات الاستراتيجية استباقاً لأي حكومة مدنية، سيكون عضواً أساسيا ليس في "محور الاعتدال العربي" فقط، بل ربما أيضاً في حلف "الناتو العربي السني" الذي تتزعمه السعودية بدعم من الرئيس الاميركي دونالد ترامب، لمواجهة إيران، كبديل عن مصر التي أعلنت انسحابها منه.
السعودية والإمارات تسعيان إلى إبعاد السودان عن المحور القطري- التركي، لكي يكون نفوذهما هو الأقوى، وأن يكون السودان دولة علمانية، على الرغم من أن الشعب السوداني شعب محافظ كما ان هذين البلدين يسعيان لإجهاض الحراك الشعبي السوداني لكي يصبح كباقي ثورات الربيع العربي حسب بعض المراقبين والمحللين السياسيين.