التوتر بين "الأزهر" و"الرئاسة" يدخل مرحلة جديدة طرفها الإعلام

التوتر بين
الجمعة ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٩:٣٨ بتوقيت غرينتش

في السادس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أصدرت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بيانا مفصلا حول قضية "ميراث المرأة".

العالم - مصر 

ونص البيان على: "تابعت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف باهتمام بالغ ما يثار في الاونة الأخيرة حول بعض الثوابت الشرعية المحكمة التي يحاول البعض التحقير من شأنها والاستخفاف بأحكامها، بينما يجتهد اخرون في التقليل من قيمتها، بإخراجها من إطار القطعيات المحكمات إلى فضاء الظنيات"، وانتهى إلى "الأزهر الشريف يحذر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذه الفتنة ومن دعاتها، ويرفض رفضا قاطعا أية محاولة للمساس – من قريب أو بعيد- بعقائد المسلمين وأحكام شريعتهم، أو العبث بها".

وبحسب موقع " العربي الجديد " ، فان"هيئة كبار العلماء" هي أعلى مرجعية دينية تابعة للأزهر، وأنشئت عام 1911 في عهد الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر حينها، ثم تم حلها عام 1961 في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. أعيد إحياؤها بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني عام 2012 بموجب القرار بقانون صادر من مجلس الوزراء انذاك، وأسند إليها اختصاصات لم تكن موجودة من قبل وكان أهمها انتخاب شيخ الأزهر، وترشيح مفتي الديار المصرية، والبت في الأمور الدينية واعتبارها مرجعية لكل ما يتعلق بالشؤون الإسلامية.

هذا البيان الصادر عن مؤسسة الأزهر، كشف مجددا عن التوتر بين مؤسسة الرئاسة وعلى رأسها عبد الفتاح السيسي، وبين الأزهر كمؤسسة وعلى رأسها شيخ الأزهر أحمد الطيب. ولم يرق النظام المصري الحالي البيان، على غرار العديد من مواقف الأزهر خلال السنوات القليلة الماضية.
وظهر هذا التوتر جليا، منذ نحو أسبوع، عندما شهد احتفال المولد النبوي الشريف الذي نظمته وزارة الأوقاف في التاسع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، جدلا لافتا بين وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، وهو الجدل الذي دفع السيسي إلى الخروج عن نص كلمته والتعقيب عليه.
إذ أشاد فيه وزير الأوقاف ب"فضل الرئيس في الدعوة الشجاعة إلى تجديد الخطاب الديني، الذي أصبح واجبا وعلى رأس أولوياته". وقال وزير الأوقاف: "فإلباس الثابت المقدس ثوب المتغير هدم للثوابت، وإلباس المتغير من الفكر البشري الناتج عن قراءة النص المقدس ثوب الثابت هو عين الجمود والتحجر والانغلاق والتخلف عن ركب الحضارة، بل عن ركب الحياة كلها، والخروج عن أسباب التقدم بالكلية".

فيما رد عليه شيخ الأزهر في كلمته في نفس الاحتفال بانتقاده ل"الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وثبوتها وحجيتها، والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد سنته الشريفة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام والاعتماد على القران الكريم وحدة في كل ما يأتيه المسلم.

والجدل بين الشيخين، دفع السيسي للخروج عن النص، مذكرا أنه أكد مرارا ضرورة التجديد الديني، وأن لا يعادي المسلمون العالم كله، وتساءل: "هل الذين يقولون بوجوب الأخذ بالقران الكريم فقط بدلا من القران والسنة، يسيئون للدين أكثر ممن قرأوا أصول الدين قراءة خاطئة؟".
الخلاف بين شيخ الأزهر، وعدم قدرة النظام على المساس بموقعه ومنصبه، بدأ منذ مذبحتي رابعة العدوية والنهضة في الرابع عشر من أغسطس/ اب 2013، عندما أصدر شيخ الأزهر بيانا نفى فيه مطلقا علمه بقيام وزارة الداخلية بفض اعتصامي أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي إلا من خلال وسائل الإعلام، مجددا موقفه الرافض للعنف وإراقة الدماء، داعيا كل الأطراف إلى "تغليب المصلحة الوطنية".


واستمر الخلاف بين مؤسسي الأزهر والرئاسة طوال السنوات الماضية، بل إن شيخ الأزهر، لم تتم دعوته في أغلب المناسبات الدينية التي يحضر فيها السيسي شخصيا، خاصة بعد اعتراض شيخ الأزهر على تصريحات السيسي حول قضية "الطلاق الشفوي"، عندما أطلق السيسي توجيها في معرض خطابه في الاحتفال بعيد الشرطة يوم 24 كانون الثاني/ يناير 2017، بضرورة سن قانون يمنع وقوع الطلاق إلا في حالة استيفاء الأوراق الرسمية وأمام مأذون شرعي، مبررا ذلك بأن الإجراءات الرسمية تعطي فرصة للطرفين لإعادة النظر في فكرة الطلاق. وأوضح أن معدلات الطلاق في ازدياد مطرد في مصر وأن الاثار الاجتماعية لذلك كبيرة وخطيرة، واختتم توجيهه بعبارة لفتت أنظار السامعين والمتابعين للخطاب، إذ قال موجها حديثه لشيخ الأزهر الذي كان في مقدمة الحضور "تعبتني يا فضيلة الإمام".

حينها لم ينتظر شيخ الأزهر طويلا للرد، فدعا كبار العلماء بعدها بأيام قليلة لاجتماع طارئ للرد على ما طرحه رئيس الجمهورية، وتم الاجتماع وأصدرت الهيئة بيانا حادا للغاية بإجماع الاراء، أكدت فيه فكرة وقوع الطلاق الشفهي. وجاء في البيان، أنه بإجماع العلماء باختلاف مذاهبهم وتخصصاتهم انتهوا إلى وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي وحتى يوم الناس هذا، دون اشتراط أشهاد أو توثيق، وحذر البيان "المسلمين من الفتاوى الشاذة التي ينادي بها البعض حتى ولو كان منتسبا للأزهر".

لم يتوقف الرد عن هذا الحد؛ بل أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانا بعد اجتماع هيئة كبار العلماء بأيام، أيد فيه بالإجماع ما أصدرته هيئة كبار العلماء بخصوص قضية الطلاق الشفوي.

لكن في ما يتعلق بموقف الأزهر الصارم من قضية "المساواة في الإرث"، دخل التوتر بين مؤسسة الرئاسة والأزهر مرحلة جديدة، بحسب وصف الصحافي والباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عمرو عزت، الذي نقل عن أكثر من صحافي في مؤسسات صحافية مختلفة، بأن "أوامر من جهات عليا صدرت للصحف والمواقع بعدم تغطية بيان هيئة كبار العلماء في الأزهر بخصوص مشروع قانون مساواة الذكور والإناث في الميراث".

وتمكن الباحث من توثيق حذف خبر صدور البيان حول قضية الميراث، من موقع جريدة "اليوم السابع" الخالصة بعد نشره بساعات، بينما تجاهله باقي مواقع الصحف أو حذفته بعد نشره.
اللافت أن وسائل الإعلام المصرية، تابعت وتعقبت تصريحات الصوت الأزهري - الوحيد تقريبا - سعد الدين الهلالي، المؤيد لمساواة الذكور والإناث في مشروع القانون التونسي.

وأستاذ الفقه المقارن في الأزهر سعد الدين الهلالي، على خلاف دائم مع التيار السائد في الأزهر بسبب ارائه المختلفة عنهم، التي يتعامل معها النظام الحالي ومع غيرها من الاراء المخالفة لاراء الأزهر، بمنطق "الحداثة وتطوير الخطاب الديني".
ويشار إلى أن الهلالي له تصريح شهير عام 2014، وصف فيه السيسي، ووزير داخليته انذاك محمد إبراهيم ب"رسولين لحماية الدين"، وذلك في كلمة على هامش حفل وزارة الداخلية لتكريم أسر شهداء الشرطة والمصابين.

لكن المركز الإعلامي لمشيخة الأزهر، أصدر بيانا علق فيه على الحملة الغاضبة ضد سعد الدين الهلالي، وقال فيه إن المنع والمصادرة لا يجديان، وإن الأزهر يتسع للاجتهاد، رافضا دعوات فصل سعد الدين الهلالي من الجامعة أو سحب درجة الدكتوراه منه، لكن البيان لم يتطرق تفصيليا للرد على رأي الهلالي في قضية "المساواة في الإرث"، بل اكتفى بالإشارة إلى أن "أحكام الميراث ليست من قبيل الفتوى وإنما من باب الأحكام الشرعية، فلا يدخلها التغيير والتبديل لا باختلاف الأحوال ولا الأشخاص ولا الزمان ولا المكان".