الرئيس الفرنسي بِذهابِه إلى الرياض و”إقناع″ وليّ العهد السعودي بإطلاق سراح السيد الحريري، والسَّماح له بالمُغادَرةِ إلى فرنسا، قدَّم خِدمَةً كبيرةً ليس للبنان والسيد الحريري فقط، وإنّما للمملكة العربيّة السعوديّة أيضًا، لأنّه أنقَذها من مأزقٍ سياسيٍّ ودِبلوماسيٍّ على درجةٍ كبيرةٍ من الخُطورة، وقَلَّص خسائِرها إلى الحُدود الدُّنيا، لأنّ الطَّريقة التي جَرى من خِلالها استدعاء السيد الحريري، ومن ثم احتجازه، كانَت غير مَسبوقةً وغير مَقبولة.
اعتراف الرئيس ماكرون، وبهذهِ الدَّرجة من الصَّراحة والوضوح، يُحرِج الرئيس الحريري الذي خَسِر ثُلُث مقاعِد كُتلتِه في البَرلمان اللبناني، ويَعكِف حاليًّا على تَشكيل الحُكومة اللبنانيّة بعد أن حصل على أصواتِ ثِقَة 111 نائبًا، مُعظَمهم ويا للمُفارقة من نُوّاب “حزب الله” وحُلفائِه الذي كان الهُجوم عليه، ومِحور المقاومة الذي يتزعَّمه، العَمود الفقري لبرنامج الحريري الانتخابي، وهذا أمرٌ مُؤسِف بكل ما تَعنيه هذهِ الكَلمة من مَعنى.
كُنّا، وما زِلنا، نتمنَّى أن نسمع الرِّواية الحقيقيّة لما حدث في مسألة الاحتجاز هذه من السيد الحريري نفسه، ولكنّه لن يفعل، ليس حِرصًا على مصالح لبنان، وإنّما على مصالحه الخاصَّة والشخصيّة، وفي المملكة العربيّة السعوديّة تحديدًا، ولا نُريد أن نقول ما هو أكثر من ذلك.
من احتجز السيد الحريري يَعرِفه أكثر مِنّا، مِثلَما يعرف معادن الكثيرين الذين يلتفُّون حوله، وكيفيّة التعاطي معهم، صحافيين كانوا أو نُوَّابًا أو وزراء، ولهذا فعل ما فعل دون أي تَردُّد.
الرئيس ماكرون أكَّد في حديثِه، أنّه بتدخُّلِه للإفراج عن السيد الحريري منع حَربًا في لبنان، ولكنّه لم يَقُل أنّ هذه الحرب كانت ستندلع بسبب الوَقفة البُطوليّة التي وقفها الرئيس اللبناني ميشال عون مَدعومًا من حَليفِه “حزب الله” عندما أكَّد على الهَواء مُباشَرةً “أنّ الحريري مُحتَجَزٌ في السعوديّة وأنّ هذا الاحتجاز يُعتَبر عَملاً عَدائيًّا ضِد لُبنان، ويَجِب أن يَنتَهي فَورًا”، وكان يُمَثِّل بِمَوقِفِه هذا كُل لبنان الذي شَعَرَ بالإهانة.
لا يَسَعنا إلا أن نتقدَّم بالشُّكر في هذهِ الصحيفة “رأي اليوم” للرئيس ماكرون لشَجاعَتِه في هذه القضيّة، وقول الحقيقة دون خَوف، وقبلها ذهابِه إلى الرياض، وفك أسر رئيس وزراء لبناني، ومَنع حَربًا أهليّة، ربّما كانَت ستُؤدِّي، لو اندَلعت، لإزهاق أرواح الآلاف مِن الأبرِياء، وتَدمير هذا البَلد الجميل الذي اسمه لُبنان.
“رأي اليوم”