انتهت الجولة الثالثة من المفاوضات غير الرسمية التي جمعت بين وفد عن جبهة "البوليساريو"، و آخر عن المملكة المغربية، في ضاحية نيويورك "مانهاسيت"، بالولايات المتحدة الأميركية مساء يوم الثلاثاء 9 نوفمبر.
وحَسَب ما رشح عن هذه الاجتماعات، و ما أوردته التقارير الصادرة عن عدد غير قليل من وكالات الأنباء، فإنّ هذه الجولة كانت فاشلة على غرار سابقاتها!! إذ لم يصدر عنها ما يمكن أن يمنح جرعة الأمل في أن يتوصّل الطرفان عبر المفاوضات المباشرة إلى حلّ دائم، أو في أن يتحلحل الوضع المُراوح مكانه منذ سنوات. على أنّ ما ميّز المفاوضات الأخيرة هو ارتفاع مستوى التوتّر بين الطرفيْن بسبب الهجوم الذي شنّه الجيش المغربي على مخيّم "أكديم أزيك" القريب من مدينة العيون.
وقد حاول الموفد الخاص للأمم المتحدة في المنطقة "كريستوفر روس" أن يخفّف من حجم الفشل وأن يزفّ إلى المجتمع الدولي بُشرى تجدّد اللّقاء بين الطرفيْن المتنازعيْن أواخر شهر ديسمبر، وفي بداية السنة الجديدة! وهو ما يؤكّد حسن النوايا، والرغبة الصادقة في الوصول إلى حلّ رغم التباين في المواقف وإصرار كلّ طرف على وجاهة قاربته للنزاع.
على الأرض، يتهاوى هذا الخطاب المتفائل؛ وتؤكّد الوقائع زيفه وابتعاده عن الواقع المتأزّم. فالأحداث الأخيرة التي جدّت في مدينة "العيون" أكّدت للمتفائلين والمتشائمين على حدّ السواء، أنّ الهدنة الهشّة بين المغرب و"البوليساريو" قد وصلت إلى نهايتها، وأنّ قادم الأيّام قد يأتي بما يُعمّق اليأس من أن تعرف هذه المنطقة هدوء واستقرارا في القريب العاجل.
وإذا كانت العودة إلى التاريخ الذي أراد أن يفرض جغرافيا غريبة ولعينة في الصحراء الغربيّة، فإنّ التساؤل عن دوافع ما يجري على الأرض، وعن الأطراف الخارجيّة التي تتقاطع مصالحها في هذه المنطقة يظلّ مشروعا من جهة كونه يعرّي ما تريد أطراف عدّة إخفاءه وستره. ولم يعد خافيا أنّ ما يجري على الأرض -سلما غير دائم وحربا متقطّعة- لا يعطي انطباعا بأنّ المفاوضات جادّة وبأنّ أصحابها من الطرفيْن يريدون الوصول إلى حلّ شامل يقضي على فتيل التوتّر، ويُزيل ما وغر في الصّدور بعد أحقاد السنين التي لم تزد النار إلا اشتعالا.
فأوّل الأسئلة: هل أنّ الطرفيْن جادان في إيجاد مخرج لنزاع طال حتى تحوّل إلى ما يشبه المهزلة؟؟ وماذا تبغي جبهة "البوليساريو" من إضافة دولة جديدة إلى منطقة المغرب العربي لها علم يرفرف في جبال الصحراء الرمليّة، وتتمتّع بعضويّة كاملة في الجامعة العربيّة تمكّنها من حضور جلسات القمم الدوريّة والطارئة؟ وماذا لو بَلْوَر المغرب مفهومه لاستقلال داخلي للصحراء تحت راية المملكة المغربيّة؟ وإلى أيّ مدى يُعتبر النظر إلى ما يجري في منطقة الصحراء الغربيّة شأنا مغربيا داخليّا يجب أن تكفّ أطراف تتعلّل بحق الشعوب في تقرير المصير عن التدخّل فيه، والعمل على إطالة الأزمة خدمة لمصالح ضيّقة لم تعد خافية على من ينظر إلى هذا الملف بموضوعيّة وحياديّة؟
وهل أكثر فداحة من أن يُطلب من المستعمر الإسباني أن يتدخّل ليحدّد أيّ الطرفيْن أحقّ بالأرض عوض أن يُطالب بتعويضات عن جرائم الاستعمار؟ ألم يحن بعد وقت المكاشفة والمصارحة وقول الكلام الذي يجب أن يُقال، وإن كان موجعا؟
إنّ البحث عن حلّ شامل وعادل -أيّها المغاربة الصحراويون والصحراويون المغاربة- لا يكون برحلات مكوكية إلى أميركا، وقطع وفود لا يفصل بينها حاجز جغرافيّ، آلاف الكيلومترات بحثا عن حلّ يأتي من وراء البحار!
أليس من المهزلة أن يتوقّع بعض العرب -في لحظة إغماء- أنّ مدينة "العيون" أقرب إلى "واشنطن" أو "نيويورك" من "الرّباط" أو "الدار البيضاء"!!؟؟
إنّ حلّ الصحراء الغربيّة -بعيدا عن اللّغة الدبلوماسيّة المحنّطة- يَكْمُنُ في لقاء صريح وجادّ ومفتوح بين الملك "محمّد السادس" والرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" يُطرح فيه ملفّ الصحراء بوضوح بعيدا عن حوار الصمّ الذي عطّل مسيرة المغرب العربي، ومنع من قيام أكبر سوق واعدة بالاستثمار وبمواطن الشغل في إفريقيا.
نعم هذه هي الحقيقة المرّة التي تختفي وراء الرسائل الخفيّة وغير المباشرة التي تُطيل عمر الصراع، وتعمّق يأس الأجيال التي وُلدت على وقع الأزمة من أن تتحوّل منطقة الصحراء الغربية إلى أرض ينعم فيها الصحراويّ بالأمن، تُزال منها الأسلاك الشائكة، وتدفن جهرا تاريخ الحروب والمشاحنات كما تدفن دول أخرى سرّا نفاياتها النوويّة في أكثر من صحراء إفريقيّة!!.
أمّا السّفر ذهابا وإيابا إلى "واشنطن" أو "نيويورك" فهو لا يصبّ إلّا في مصلحة الفنادق الأميركيّة الفاخرة التي تتغذّى بسياحة المؤتمرات، والمؤامرات، والمفاوضات بين أطراف متنازعة في مشارق الأرض ومغاربها.
وما لم يقتنع الطرفان المتنازعان -أصحابَ الأرض الشّرعيين- أنّ الحلّ قد لا يأتي من الأجوار وإن أخلصوا، ولا من الأباعد مهما تلوّنوا، وتقرّبوا، فإنّ هذا الملف الشائك سيظلّ سيفا مُسلّطا على أصحاب الأرض يُفنيهم بالتناحر، ويبيد أحلامهم في رمال الصحراء المتحرّكة شمالا أو جنوبا.
*محمّد صالح مجيّد: