وجاء کلام الشیخ قبلان خلال مجلس فاتحة وتقبل عزاء بالعلامة الشهید الشیخ نمر باقر النمر، أقامه «المجلس الإسلامي الشیعي الأعلی» عصر امس الأربعاء في مقره بالضاحیة الجنوبیة لبیروت، شارك فیه حشد کبیر من الشخصیات السیاسیة والحزبیة والدینیة وعلماء دین من السنة والشیعة.
وأکد الشیخ قبلان أن جریمة إعدام الشیخ النمر 'قضیة أکبر من وطن، وأخطر من هفوة لسان'، 'لأنه في جملة مواقفه کان یؤکد وجع ناسه وواقع أمّته، بخلفیة الأنانیة السیاسیة، والإجحاف الحقوقي والإنساني، لیس بحق ناسه في القطیف فحسب، بل کظاهرة عامّة للعقل السیاسي، والنزعة المتفرّدة التي ترید أن تحکم بعیداً عن وجع الناس وحیثیتهم الحقوقیة.لذا، کان الشهید الشیخ النمر صوت کل مواطن سعودي، بل عربي، یطمح للشراکة السیاسیة، والعدالة الإنسانیة والاجتماعیة بکل أبعادها. والذي لا شبهة فیه أنه صدح بالحق، وأصرّ علی توظیف الدین الأخلاقي کقیمة حاکمة في المیزان السیاسي، والمواطنة کعنوان أکید للعدالة بکل أصنافها وأشکالها، بعیداً عن الکیدیة والتزمّت ونمطیة التکفیر والتشفيّ ورمي الناس بالشرك والأباطیل.لذا کان المعارض الذي یرید توظیف الله خادماً لمشروعه ولیس العکس، فکان مصراً علی حمایة الوحدة الإسلامیة، والتنوّع المذهبي، من سنيی وشیعي، إلا أن بعض العقول أصرّت علی مصادرته علی طریقة الإعدام بلا مدرکیة من کتاب أو سنّة، فقط لأن البعض یقرأ الإسلام بمصالح السلطة، ولیس بمعاییر القرآن'.
أضاف: 'لا شك أن قتل العلاّمة الشیخ نمر النمر 'کبیرة' یکفی فیها قول الله تعالی (فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعًا)، إلا أنه کان معوّلاً بلحظة ضمیریة استثنائیة أن یتراجع السجّان، أو یؤوب القاضي، أو تعید السلطة السیاسیة حساباتها، إلا أنه لم یحصل شيء من هذا، ونحن الآن أمام مشکلة لا حدّ لها، لأن الخصومة هي مع الله، والقاتل لیس أهل السنّة, کما أن الصراع لیس سنیاً شیعیاً، ولا یجوز بأی شکل من الأشکال أن یکون کذلك، لأن الله تعالی یقول (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ) ویقول (وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ) ویحدّد أطر المرجعیات الإقلیمیة الدولیة، فیقول (إِنَّمَا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ قَاتَلُوکُمْ فِي الدِّینِ وَأَخْرَجُوکُم مِّن دِیَارِکُمْ)، وهذا یعني بتفسیر الیوم، الدول الکبری، رمز الاستعمار، والقتل والفتن، وافتعال الخصومات المذهبیة، فقال عن تبعیة هذا الصنف (وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنکُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، لیؤکّد أن الإطار المفروض علینا هو الإسلام، إسلام (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِینَ)، إسلام (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، إسلام (ادْخُلُواْ فيی السِّلْمِ کَآفَّةً)، إسلام (وَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْیَا النَّاسَ جَمِیعًا)، إسلام (وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، إسلام (وَلْتَکُن مِّنکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ)، لأن السلطة السیاسیة دون آمر بالمعروف وناهٍ عن المنکر تصبح وحشاً یتآکله الاستبداد، إسلام (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَعَدُوَّکُمْ أَوْلِیَاء تُلْقُونَ إِلَیْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ کَفَرُوا بِمَا جَاءکُم مِّنَ الْحَقِّ)، وهو یعني بحیثیة الله سبحانه وتعالی یجب تمتین الأواصر بین دول أهل الإسلام، یجب أن نمتّنها مع إیران، ولیس مع الغرب، وهو بمضبط قوله تعالی (وَمَا لَکُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ)، وهذا یعنی بالضرورة نصرة فلسطین، وتجییر الجیوش لتحریر القدس، وقطع العلاقات الدبلوماسیة مع المتآمرین والشامتین، ولیس إحراق سوریا والیمن والعراق ولیبیا، وهو بمضبط قوله تعالی (مَا لَکُمْ لا تَنَاصَرُونَ)، یعيی مقاتلة العدو الحقیقي، القاتل المستعمر المحتل فی فلسطین، وإعلان النفیر علی المستعمر التاریخي الذي ما زال ینهش جسد هذه الأمة المنهکة، ولیس تشکیل جبهات قتال یراد منها ارتکاب مذابح مذهبیة وطائفیة، بحسابات سیاسیة مذیّلة بختم وعّاظ السلاطین، ولیس بختم الله'.
وتابع الشیخ قبلان: 'لذلك، ومن منطق الوجع، ندعو إلی قراءة واقع المنطقة من جدید، والتفتیش عن الذي یختبئ وراء کل فتنة مذهبیة وعرقیة وطائفیة، بهذه الخلفیة نقول للریاض: إن السعودیة أکثر حاجة إلی شراکة إیران, لأن البدیل هو الأزمات التي تروّج لها واشنطن، ولأن دول الإسلام بالشراکة والحوار والوحدة والتلاقي والتنازل والتواضع لبعضها البعض هي دول رابحة، بل إسلام رابح. أما التلویح بحرب سیاسیة أو دبلوماسیة بین بعضها البعض، هو تعبیر عن ضعف وخسارة، ولیس عن ربح، فضلاً عن أنه یزید منسوب الفتنة، ویؤسّس لمناخات الدم، ویرفع مؤشّر الحرائق والخراب، وهو بالأکید لیس لصالح أي دولة عربیة أو إسلامیة، ولا لصالح دول مجلس التعاون ، بل لیس لصالح أهل الإسلام قاطبة'.
وأکد الشیخ قبلان علی القیم الإسلامیة، 'لا للظلم والضلال السیاسي، لا للخلاف الهدّام، ولا للتحریض والتنکیل، لا للفتنة وأبواقها، لا للإصرار علی الخطیئة والإثم، لا للظالم أیاً کان هذا الظالم، نعم للمظلوم، أیاً کان هذا المظلوم، نعم للقیم الضامنة، لا للشراکة مع المتربصین بهذه الأمة شراً، نعم للشراکة بین أهل الإسلام وأهل الأدیان، نعم للشراکة لکل ما فیه مصلحة الإنسان، لا للتکفیر ولا لهدر الدماء وقتل الأبریاء، لا لقطع الرؤوس بالفتوی السیاسیة، لا للدعایة الخبیثة التي توظّف المذهبیة مادة لحرائق المنطقة، نعم لإعادة بناء هذه الأمة بمعاییر القرآن، نعم لتصحیح الأخطاء التي تمنع حرائق المنطقة وتحول دون خراب بیوت العرب، لأن أمة یتمزقها الخلاف والتبعیة والحقد والتکفیر والتحریض والغدر لن تبقی أمّة، ولن تجد لها مقعداً في میزان قوی هذا العالم'.
واعتبر أننا 'أمام أزمة کبیرة یمکن تجاوزها بعزل الشیطان الذی یزید منسوب النیران والخراب، وإلا فإن خطاب الفتنة والدعوة إلی القطیعة والفرقة وإعلان النفیر وتشکیل الأحلاف العسکریة یعنی التأزیم والخسارة الفادحة لمن ظنوا أن فتنة الشام أو العراق أو الیمن تعنی الانتصار'.
وقال الشیخ قبلان: 'الأهم من هذا وذاك، یجب علی الأزهر والنجف وقم وباقی المرجعیات الدینیة الکبری أن تعی الدور الخبیث للمتآمرین لضرب السنة بالشیعة والعکس، لأن مصالح الغرب والإسرائیلي تتوقف إلی حدّ کبیر علی مصیر حرب کبیرة بین السنة والشیعة، وهذا لا یجوز أن یمرّ أبداً، وهو ما نؤکّده، وهو ما أکّدت علیه المرجعیات الدینیة الکبری، وهو ما نطالب به الأزهر، ونصرّ علیه لأن خسارة الغرب الدموی وتل أبیب تتوقف علی وحدة متکاملة بین أهل الإسلام'.
وختم المفتي الجعفری في لبنان قائلاً: 'إن کارثة قتل الشهید الشیخ نمر النمر تعنی أنّ زلزالاً وقع، ومن ارتکب هذه الجریمة علیه أن یتدارك حجم الأزمات، ولسنا بحاجة إلی تهدید ووعید، لأن کل الهیبات تسقطها الخیبات.نسأل الله أن تکون دماء الشهید العلاّمة الشیخ نمر النمر قرباناً لوحدة المسلمین ولحفظهم ولأخوّتهم ولقوّتهم في وجه کل قوی الشر، وإلا ستکون هذه الدماء عقاباً کعقاب من عتوا عن أمر ربهم فعقروا ناقة صالح، فأصابهم الله بالرجفة قبل یوم الحساب'.
وکان من أبرز المشارکین في مجلس فاتحة وتقبل عزاء بالعلامة الشهید الشیخ نمر باقر النمر، نائب رئیس «المجلس الإسلامي الشیعي الأعلی» الشیخ عبد الأمیر قبلان، سفیر الجمهوریة الإسلامیة الایرانیة محمد فتحعلي، الوزراء: علي حسن خلیل، غازي زعیتر، محمد فنیش، حامد الخفاف ممثل آیة الله السید علي السیستاني، رئیس المجلس السیاسي لحزب الله السید ابراهیم أمین السید ممثلا الأمین العام السید حسن نصر الله، وعدد کبیر من النواب الحالیین والسابقین، رئیس مجلس الأمناء في «تجمع العلماء المسلمین» الشیخ احمد الزین علی راس وفد من التجمع، رئیس اتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشیخ ماهر حمود، وفد من هیئة الرئاسة والمکتب السیاسي والهیئة التنفیذیة والمجلس الاستشاري لحرکة أمل، وقیادات حزبیة وعلماء دین من مختلف الطوائف، وشخصیات أکادیمیة وتربویة واجتماعیة وقضائیة وإعلامیة ووفود شعبیة من مختلف المناطق اللبنانیة.