إيران وأوروبا.. والدخول من بوابة روما (القسم الأول)

إيران وأوروبا.. والدخول من بوابة روما (القسم الأول)
الخميس ١٢ نوفمبر ٢٠١٥ - ١٠:١٨ بتوقيت غرينتش

تاريخ العلاقات الإيرانية ـ الأوروبية لا يشجع لقيام علاقات وثيقة بين الطرفين، فقد كانت أوروبا على مدى تاريخها مصدر عناء وسوء لإيران.. عندما كانت امبراطورياتها الاستعمارية تنهش اطراف إيران وتقضم اراضيها لتكوين دول ومشيخات جديدة، فضلا عن نهب ثروات البلد والمشاركة في قمع الشعب والتآمر على قواه وشخصياته الوطنية ودعم عملائها من ملوك قاجاريين وبهلويين، وبعد ان عجزّت وكهُلت صارت تبعاً للفتى الاستعماري الجديد(الأميركي).

فقد شارکت أوروبا العجوز في كل المؤامرات التي واجهتها الثورة الاسلامية في ايران بعد انتصارها وعلى جميع المستويات، من الحصار الاقتصادي الى تسليح نظام صدام حسين بكل انواع الاسلحة ومنها الاسلحة الكيماوية الى سحب السفراء على خلفية حكم اعدام المرتد سلمان رشدي الى المشاركة في الحظر الاخير بحجة الملف النووي والعدوان على سوريا واليمن و...الخ.

بهذه الحقيقة على ـ مرارتها ـ يبدأ الرئيس الإيراني حسن روحاني زيارته الاولى الى القارة الأوروبية والتي تأتي بعد عقد كامل على زيارة رئيس إيراني اليها بدعوة من احدى بلدانها... فعلى مدى عقد كامل بلغ الصدام الإيراني ـ الأوروبي اشدّه (وهنا عندما نتكلم عن أوروبها نقصد بها الثلاثي العجوز بريطانيا، فرنسا والمانيا)، اما باقي الأوروبيين فهم تبع لقرارات هذا الثلاثي الذي بدوره يتبع لقرارات البيت الابيض وضغوطهم مهما حاول الفرنسيون اظهار مواقفهم على انها منفردة...

الخلاف الإيراني الأوروبي، يدور حول قضايا اساسية كثيرة ومتشعبة لا يمكن لايّ من الطرفين تجاوز اغلبها.. ومنها:
1. التقدم النووي الإيراني، والذي يهدد هيمنة الغرب في التفرد بالانتاج والمعرفة العلمية، مهما كان هذا الانتاج يسيراً مقارنة بالوضع الموجود في الدول المتقدمة صناعياً، لانه يعتبر الخطوة الأولى في المسار الصحيح، وهو ما تعتبره أوروبا خطراً ما دامت وراءه دولة تعتبرها أوروبا "مارقة"!
2. الملف السوري، حيث تقف أوروبا وأميركا وحلفائها العرب في مواجهة الحلف الروسي ـ الإيراني ـ الصيني.
3. الملف العراقي ومحاولات الغرب لتقسيم هذا البلد من خلال دعم القوى الانفصالية فيه تحت ذريعة الفيدرالية وطرد "داعش".
4. الأمن الاقليمي والذي تحاول أوروبا ومن خلفها أميركا مصادرته لصالح نفسها وحلفائها وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني...
يضاف الى ذلك مساعي الناتو في نشر الدرع الصاروخية والذي لايهدف لمواجهة الصواريخ الإيرانية والروسية والصينية، رغم ان هذا عنوانه، بل تهديد موازنة الرعب القائمة والاخلال فيها.
5.  الهيمنة على مصادر الطاقة والاستمرار بسياسة نشر القواعد العسكرية بحجة تأمينها وبالتالي فرض سياسات العرض والطلب بواسطة الدول المنتجة الحليفة لها.. حتى لو أضرت هذه السياسات بالدول المنتجة واكثرها من حلفائها!
6.  صراع النماذج بين النموذجين الغربي ـ الأميركي الذي يحاول الغرب فرضه من خلال مشروع العولمة (رغم تناقضاته في التفاصيل) ومشروع المقاومة الذي تقدمه إيران في مواجهة المشروع الغربي (الأوروبي ـ الأميركي)
7. الارهاب الذي يحاول الغرب ادارته وتوجيهه للوصول الى اهدافه في المنطقة والعالم ومنها الفوضى الخلاقة!، والذي يعدّ بالنسبة لدول مثل إيران العدو الثاني بجانب الكيان الصهيوني في الاقليم.
في حين انها تستثني من مشروعها "الديمقراطي" هذا حلفائها الخليجيين وخاصة السعودية وقطر والامارات والبحرين التي تعتبر من اعتى الديكتاتوريات في المنطقة والعالم والأنظمة الاكثر تخلفاً، لان نماذجها نسخت من القاموس السياسي العالمي منذ قرون!
8.  عدم التزام الاوروبيين بالتزاماتهم الاقتصادية تجاه ايران والانجرار وراء القرارات الاميركية.. للمعلومة فقط فان مفاعل بوشهر النووي بدأته شركة زيمنس الالمانية لكنها تنصلت من تعهداتها بعد الثورة الاسلامية!.. وهكذا فيما يتعلق بعقود النفط والطرق والمصانع والسيارات وطائرات النقل المدنية و...الخ

هذا هو جوهر ومضمون العلاقات بين الجانبين.. لكن في إيران هناك رؤية تمثلها الحكومة (حكومة الرئيس روحاني) تقول بإمكانية اختراق هذه الحالة الأوروبية بواسطة التلويح بالمصالح الاقتصادية وبريق السوق الإيرانية الأكبر والأقدر شرائياً في المنطقة...
تقوم هذه الرؤية على فكرة براغماتية الشخصية والسياسة الأوروبية (والغربية عموماً) وأنها تنظر الى مصالحها وأرقام ربحها وخسارتها.. وان هذه البراغماتية والمصلحية هي التي ضغطت على السياسة الأميركية (طبعاً بجانب فشل أميركا في خياراتها الاخرى وخاصة العسكرية) للجلوس على طاولة التفاوض النووي.. ويدعم هذه الرؤية التهافت الأوروبي على إيران بمجرد الاعلان عن الاتفاق النووي، ففي الفترة من 14 حزيران ـ يونيو الى الآن (نهاية العشرة الأولى من نوفمبر) زار من الوفود الأوروبية إيران اكثر من 10 سنوات مضت (8 سنوات حكومة الرئيس أحمدي نجاد وسنتان من حكومة الرئيس روحاني) وجميعهم ينظر الى حصته من كعكة السوق الإيرانية.. حتى مع امتناع إيران عن قبول بعضهم وفرض شروطها التي استخلصتها من تجربة العقوبات الغربية وركض الأوروبيين خلف القرارات والمواقف الأميركية...
والإيرانيون يعلمون جيداً ان التقارب الأوروبي هذا يقف خلفه ضعف موقفهم بسبب الازمة التي تجتاح العديد من اقتصاداتهم والتي تهدد الوحدة الأوروبية في كل يوم، كما انهم بحاجة الى شريك يطمئن له في اي صفقة سياسية في المنطقة.. لكن كم سيصمد هذا التقارب الأوروبي الإيراني؟.. وماهي الملفات الجديدة التي سيفتحها الغرب وأوروبا في وجه الجمهورية الاسلامية ولوبعد حين؟.. خاصة وان التعنت الفرنسي بلغ حدّاً الى الاختلاف حول مأدبة الرئيس الإيراني في الاليزيه، فإيران تصرّ على مأدبة بلحم حلال وبدون مشروبات "روحية" وهو الاسم الآخر للخمور، والاليزيه يعتبرها من ثوابت موائده (التي جلس عليها جميع رؤساء وملوك وأمراء البلدان الاسلامية الأخرى الذين زاروا باريس من قبل)، فلماذا تكون إيران استثناء!
فهل يصلح تجار ورجال أعمال أوروبا ما يفسده سياسيوها كل يوم.. انا اشك بذلك.. لكننا لن نخسر شيئاً بالنهاية.. يأتون ومعهم تكنولوجيتهم واستثماراتهم.. اهلاً بهم.. وبخلاف ذلك فأن أرض الله واسعة ومن صنع النووي وغزا الفضاء في ذروة الحصار، لا تصعب عليه التكنولوجيات الأخرى في زمن الانفتاح... (يتبع)

* علاء الرضائي