الاتفاق النووي بين ايران والقوى الست الكبرى في العالم ، لاقى ترحيبا من قبل العالم اجمع ، الا انه ، وكما كان متوقعا ، شذ عن قاعدة الترحيب “اسرائيل” والسعودية ، وعلة شذوذهما هي واحدة ، رغم محاولات الثانية الظهور بمظهر من يختلف مع الاولى في اسباب الشذوذ.
الحقد “الاسرائيلي” على ايران ، له ما يبرره ، لموقف ايران المبدئي من وجود “اسرائيل” ؛ هذا الكيان اللقيط والغاصب للقدس ، حيث تتخذ ايران موقفا ثابتا ازاء ضرورة اعادة الاراضي الفلسطينية الى اصحابها الاصليين ، والعمل على اتخاذ كل الوسائل المتاحة من اجل تحقيق هذا الهدف.
الحقد “الاسرائيلي” على ايران ، نابع من ادراكها لحقيقة موقف ايران من الوجود المزيف للكيان الصهيوني ، وهو موقف ليس للدعاية ، كما هي مواقف العديد من الدول التي تاجرت بالقضية الفلسطينية بالشعارات البراقة والرنانة ، دون ان تتخذ اي اجراء حقيقي على الارض للوقوف في وجه الغطرسة الصهيونية ، فبعد 35 عاما من انتصار الثورة الاسلامية ، اثبتت الجمهورية الاسلامية في ايران ، انها لن تتخلى عن الشعب الفلسطيني في نضاله العادل ضد العدوان الصهيوني.
هذا الادراك الصهيوني لطبيعة موقف ايران من القضية الفلسطينية ، هو الذي يفسر كل هذا العداء الجنوني لايران ، والذي انكشف جانبا منه من تصرفات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامن نتنياهو ، وهي تصرفات لا يمكن وصفها الا بالجنون ، فهو لا يقدم اي بديل للادارة الامريكية بشان طريقة تسوية الازمة النووية الايرانية التي اصطنعها الغرب ، الا الحرب ، بينما الجميع يعلم وفي مقدمتهم امريكا انه لا يمكن مواجهة ايران عسكريا باي شكل من الاشكال.
ان الموقف الاخرق لنتياهو اثار حفيظة الامريكيين والاوروبيين ، حيث انتقد الرئيس الامريكي باراك اوباما ، نتنياهو ، وقال متهكما : عليه ان يقدم بديلا قابلا للتنفيذ.
اما وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند فأكد أنه من المستحيل عقد صفقة نووية مع إيران ترضي “إسرائيل”. واضاف في إفادة أمام مجلس العموم البريطاني: “هناك سؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا – ما هو الاتفاق الذي يمكن أن ترحب به تل أبيب. والجواب، طبعا، هو أن “إسرائيل” لا تريد أية صفقة مع إيران على الإطلاق. “إسرائيل” تريد مأزقا دائما (للمفاوضات النووية مع إيران)، وإنني لا اعتبر أن ذلك يصب في مصلحة المنطقة”.
اما وزير خارجية المانيا فرانك فالتر شتاينماير ، انتقد صراحة معارضة “اسرائيل ” للاتفاق النووي ، وقال شتاينماير في مقابلة مع محطة “إيه.آر.دي” التلفزيونية الألمانية ان “هذا اتفاق مسؤول وعلى (إسرائيل) أن تنظر إليه بعناية ولا تنتقد الاتفاق بهذه القسوة”.
فاذا كان بالامكان تبرير موقف “اسرائيل” من الاتفاق ، رغم انه لم يقنع حتى اقرب حلفائها من الامريكيين والغربيين ، ترى كيف يمكن تبرير الموقف السعودي من هذا الاتفاق ، الذي يبعد شبح الحرب وعدم الاستقرار عن منطقة الشرق الاوسط ، وهي منطقة تقع السعودية في قلبها؟ ، اذا كان الامريكيون والغربيون انتقدوا ، كما راينا ، موقف “اسرائيل” الرافض للاتفاق ، ترى كيف سيكون موقفهم من السعودية؟
الحقيقة من الصعب جدا فهم الموقف السعودي ، المتطابق بالكامل مع الموقف “الاسرائيلي” حتى في ادق التفاصيل ، ازاء الاتفاق النووي ، بعيدا عن الانباء التي تحدثت عن وجود تنسيق وثيق بين السعودية و”اسرائيل” لمواجهة “الخطر الايراني ” ، حتى انه تم تسريب معلومات عن احتمال الاعلان عن قيام حلف “اسرائيلي” سعودي ، هدفه افشال الاتفاق النووي ، مهما كلف الامر.
ليس من الصدفة ان يتصل الرئيس الامريكي باراك اوباما بعد لحظات من الاعلان عن الاتفاق بالملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز ، ورئيس الوزراء “الاسرائيلي” بنيامين نتنياهو لطمأنتهما وتهدأتهما ، كما ليس صدفة ان يقوم وزير الدفاع الامريكي اشتون كارتر بزيارة السعودية و”اسرائيل” لاقناعهما بضرورة الاتفاق النووي عبر تقديم اسلحة متطورة الى “اسرائيل” ، وبيع المزيد من الاسلحة الى السعودية.
لم نكن نتمنى ان يأتي اسم بلد عربي مسلم مثل السعودية ، مباشرة بعد اسم “اسرائيل” ، عندما يتم التطرق الى الدول الرافضة للاتفاق النووي ، والمعادية للجمهورية الاسلامية في ايران ، والمناهضة لمحور المقاومة، والمؤيدة للحرب على سوريا واليمن ، والداعمة للجماعات التكفيرية ، والرافضة لتسوية الازمات في الدول العربية والاسلامية بالطرق الدبلوماسية ، و.. ولكن يبدو ان قادة السعودية الجدد ، لا يشعرون بأي خجل من ذلك ، بعد ان سلبهم الحقد الطائفي الاعمى كل مشاعرهم الدينية والقومية وحتى الانسانية.
*جمال كامل / شفقنا