المؤيديون اعتبروا الحادث جاء احتجاجا على الجرائم التي يرتكبها التنظيمان التكفيريان في العراق وسوريا ولبنان ، لاسيما بعد قيام "داعش" بذبح الجندي اللبناني علي السيد ، فيما المنددون اعتبروا الحادث جاء تحقيرا للشعائر الاسلامية ، لوجود شعار " "لا إله إلا الله ومحمد رسول الله" على العلمين ، فيما قام المتصيدون في الماء العكر بحرق صلبان في مدينة طرابلس تحت علم "داعش" ، وتظاهر اخرون في مخيم عين الحلوة.
وزير العدل اللبناني اشرف ريفي امر بملاحقة الفاعلين وانزال العقاب بهم ، لما يترتب عن فعلتهم من فتنة قد تتسع الى ما لا يحمد عقباها.
ولكن هل حقا ان حرق علم "داعش" يعتبر جريمة ، لانه يحمل شعار الاسلام ؟ ، وان الفاعلين كانوا يستهدفون الاسلام والمسلمين ؟، وهل حقا جاء رد فعل المنددين بالحادث لغيرة على الدين الاسلامي ؟ ، وان تصرفهم جاء للدفاع عن الاسلام ضد من يحاولون الاساءة الية؟.
من اجل الاجابة على هذه الاسئلة ، نطرح بعض الملاحظات التي قد ترفع بعض اللبس الذي يحيط بالموضوع ، منها:
- ليس خافيا ان العلم الذي ترفعه "داعش" له جذور في تاريخ الاسلام ، ويحمل عبارات في غاية القدسية لدى المسلمين ، الا ان العلم ، شأنه شأن باقي الشعارات الاسلامية الاخرى ، اُختطف وسُرق من قبل "داعش" ، فهو علم مسروق وليس ل"داعش" ، لذا فإن من الخطا التعامل مع هذا العلم على إنه علم يعود ملكيته ل "داعش" وانه خاص بهذا التنظيم ، ونتصرف معه على هذا الاساس ، بل هو مسروق من اكثر من مليار مسلم ، ولا يحق لاي كان التصرف بشيء ثبت بالدليل القاطع انه مسروق.
- النية او الركن المعنوي للجريمة (القصد الجرمي) عامل مهم في القانون لاثبات او نفي الفعل الجرمي ، فالذي يقتل شخصا ما في حادث سير لا يمكن اعتباره قاتلا ، على عكس من الذي يخطط لتنفيذ جريمة قتل عن سبق اصرار وترصد ، فالاعمال بالنيات ، لذا فالظرف الذي احاط بحادث حرق علم "داعش" يؤكد ان الفاعلين لم يكونوا يقصدون اهانة الاسلام او التعرض للمسلمين ، وكل ما فعلوه كان احتجاجا على ارهاب "داعش".
- العلم الذي اُحرق هو علم "داعش" ، المنظمة الارهابية التكفيرية ، وليس شيء اخر ، وان الذين قاموا بهذا الفعل كانوا يقصدون التنديد بجرائم "داعش" من خلال هذا الفعل ، وهو فعل متداول لدى الكثير من الشعوب ، فعلى سبيل المثال عندما يتم حرق علم بريطانيا في تظاهرة ما ، احتجاجا على السياسة البريطانية الاستعمارية في بلداننا العربية والاسلامية ، لا اعتقد ان هناك شخص واحد بين المتظاهرين يفكر من خلال هذه الممارسة ان يوجه اهانة الى الدين المسيحي او المقدسات المسيحية ، لمجرد وجود شعار الصليب على العلم البريطاني.
- ان اغلب الشعارات الدينية الموجودة على اعلام التنظيمات الارهابية واعلام الدول الاستعمارية ، هي شعارات مسروقة وتم اختطافها من اهلها الحقيقيين ، لتمرير وتبرير الجرائم التي ترتكبها ، وكما سرقت "داعش" شعارات الاسلام ، سرق المستعمر الغربي شعارات المسيحية ، لذا لا المسلمين ولا شعارات الاسلام مسؤولين عن جرائم "داعش" ، كما لا المسيحيين والا شعارات المسيحية مسؤولة عن جرائم المستعمر الغربي.
- لا اعتقد ان هناك من اهان الشعارات الاسلامية اكثر من "داعش" نفسها ، التي ارتكبت كل هذه الفظاعات ضد الانسانية ، واخرها الجريمة الكبرى التي ارتكبتها في قاعدة سبايكر في تكريت مركز محافظة صلاح الدين العراقية ، عندما قامت وخلال لحظات باعدام نحو الفي طالب في عنفوان الشباب، وهي ترفع علم المسلمين المسروق ، وكأنها تريد ان تجعل من هذا العلم ، عن قصد واصرار ، رمزا لكل ما هو شر ، ونفس القول ينطبق على فعل المستعمر الغربي الذي ارتكب كل ذلك الظلم بحق الشعوب تحت شعار الصليب ، و وجه بذلك اكبر اهانة للصليب والدين المسيحي ، بينما الصليب والمسيحية براء من افعال المستعمرين ، كما الاسلام والشعارات الاسلامية براء من افعال "داعش".
- نظرة سريعة على ردود الافعال العنيفة التي اثارها حادث حرق علم "داعش" في لبنان ، تؤكد ان ردود الفعل تلك لم تكن في اغلبها غيرة على الدين بل اصطيادا في المياه العكرة ، وتنفيذ جانب من سيناريو توطين الفتنة الدائمة في لبنان للنيل من وحدته وضرب عناصر قوته ، خدمة لاجندات لم تعد خافية على اللبنانيين ، ويكفي ان اغلب ردود الفعل تلك جاءت من مناطق ، تُرفع فيها اعلام "داعش" بمناسبة او بدونها.
اخيرا المتتبع للاحداث التي يشهدها لبنان حاليا ، يستشعر وجود ارادة وارادة قوية جدا ، تعمل لجر هذا البلد الى اتون الفتنة المدمرة ، والا كيف نفسر ان تقوم "داعش" بخطف جنود لبنانيين من بلدهم وتنقلهم الى سوريا!!، وهناك من اللبنانيين من يتوسط بين الارهابيين والجيش اللبناني ، وتقوم "داعش" بذبح جندي لبناني لانه شيعي ، وتطلق سراح خمسة جنود مختطفين لديها لانهم سنة ، وفي غضون ذلك يُحرق علم "داعش" ، فتُثار ردود افعال مشبوهة لا مبرر لها في مناطق معروفة من لبنان ، فهذه السطحية في تبرير ردود الافعال ، ومحاولة بعض السياسيين توظيفها لصالح مشروعهم السياسي ، كل هذا يؤكد ان هناك من يحاول اختطاف القرار اللبناني ، كما اختطفت "داعش"من قبل الشعارات الاسلامية ، وهو ما يجب ان يدفع العقلاء في هذا البلد الى دق ناقوس الخطر قبل فوات الاوان.
*ماجد حاتمي- شفقنا