مدرسة رمضان
التوکل:
رمضان كريم
ليس معنى التوكل اغفال الأسباب والوسائل الباعثة على تحقيق المنافع، ودرء المضار، وأن يقف المرء ازاء الأحداث والأزمات مكتوف اليدين. سليب الارادة والعزم.
وإنما التوكل هو: الثقة باللّه عز وجل، والركون اليه، والتوكل عليه دون غيره من سائر الخلق والأسباب، باعتبار أنّه تعالى هو مصدر الخير، ومسبب الأسباب، وأنه وحده المُصرّف لامور العباد، والقادر على انجاح غاياتهم ومآربهم.
ولا ينافي ذلك تذرع الانسان بالأسباب الطبيعية، والوسائل الظاهرية لتحقيق أهدافه ومصالحه كالتزود للسفر، والتسلح لمقاومة الأعداء، والتداوي من المرض، والتحرز من الأخطار والمضار، فهذه كلها أسباب ضرورية لحماية الانسان، وانجاز مقاصده، وقد أبى اللّه عز وجل أن تجري الأمور الا بأسبابها.
بيد أنه يجب أن تكون الثقة به تعالى، والتوكل عليه، في انجاح الغايات والمآرب، دون الأسباب، وآية ذلك أنّ أعرابياً أهمل عَقل بعيره متوكلاً على اللّه في حفظه، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله، له: "إعقل وتوكل".
درجات التوكل :
يتفاوت الناس في مدارج التوكل تفاوتاً كبيراً، كتفاوتهم في درجات إيمانهم: فمنهم السباقون والمجلّون في مجالات التوكل، المنقطعون الى اللّه تعالى، والمعرضون عمن سواه، وهم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، ومن دار في فلكهم من الأولياء.
ومن أروع صور التوكل وأسماه، ما روي عن ابراهيم عليه السلام: "أنه لما ألقي في النار، تلقاه جبرئيل في الهواء، فقال: هل لك من حاجة؟ فقال: أمّا اليك فلا، حسبي اللّه ونعم الوكيل. فاستقبله ميكائيل فقال: إن أردتَ أن أخمد النار فانّ خزائن الأمطار والمياه بيدي، فقال: لا أريد. وأتاه ملك الريح فقال: لو شئت طيرت النار. فقال: لا أريد، فقال جبرئيل: فاسأل اللّه. فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي"6.
ومن الناس من هو عديم التوكل، عاطل منه، لضعف احساسه الروحي، وهزال ايمانه. ومنهم بين هذا وذاك على تفاوت في مراقي التوكل.
محاسن التوكل :
رمضان كريم
الانسان في هذه الحياة، عرضة للنوائب، وهدف للمشاكل والأزمات، لا ينفك عن جلادها ومقارعتها، ينتصر عليها تارة وتصرعه أخرى، وكثيراً ما ترديه لقاً، مهيض الجناح، كسير القلب.
فهو منها في قلق مضني، وفزع رهيب، يخشى الاخفاق، ويخاف الفقر، ويرهب المرض، ويعاني ألوان المخاوف المهددة لأمنه ورخائه.
ولئن استطاعت الحضارة الحديثة أن تخفف أعباء الحياة، بتيسيراتها الحضارية، وتوفير وسائل التسلية والترفيه، فقد عجزت عن تزويد النفوس بالطمأنينة والاستقرار، وإشعارها بالسكينة والسلام الروحيين، فلا يزال القلق والخوف مخيماً على النفوس، آخذاً بخناقها، مما ضاعف الأمراض النفسية، واحداث الجنون والانتحار في أرقى الممالك المتحضرة.
ولكن الشريعة الاسلامية استطاعت بمبادئها السامية، ودستورها الخُلُقي الرفيع أن تخفف قلق النفوس ومخاوفها، وتمدّها بطاقات روحية ضخمة، من الجلد والثبات، والثقة والاطمئنان، بالتوكل على اللّه، والاعتماد عليه، والاعتزاز بحسن تدبيره، وجميل صنعه، وجزيل آلائه، وأنّه له الخلق والأمر وهو على كل شيء قدير. وبهذا ترتاح النفوس، وتستبدل بالخوف أمناً، وبالقلق دِعَةً ورخاءً.
والتوكل بعد هذا من أهم عوامل عزة النفس، وسمو الكرامة، وراحة الضمير، وذلك بترفع المتوكلين عن الاستعانة بالمخلوق، واللجوء الى الخالق، في جلب المنافع، ودرء المضار.
ولعل أجدر الناس بالتوكل أرباب الأقدار والمسؤوليات الكبيرة، كالمصلحين ليستمدوا منه العزم والتصميم على مجابهة عَنَتِ الناس وإرهاقهم، والمضي قدماً في تحقيق أهدافهم الاصلاحية، متخطين ما يعترضهم من أشواك وعوائق.
كيف تكسب التوكل :
رمضان كريم
1- استعراض الآيات والأخبار الناطقة بفضله وجميل أثره في كسب الطمأنينة والرخاء.
2- تقوية الايمان باللّه عز وجل، والثقة بحسن صنعه، وحكمة تدبيره، وجزيل حنانه ولطفه، وأنه هو مصدر الخير، ومسبب الاسباب، وهو على كل شيء قدير.
3- التنبه الى جميل صنع اللّه تعالى، وسمو عنايته بالانسان، في جميع أطواره وشؤونه، من لدن كان جنيناً حتى آخر الحياة، وأن من توكل عليه كفاه، ومن استنجده أنجده وأغاثه.
4- الاعتبار بتطور ظروف الحياة، وتداول الايام بين الناس، فكم فقير صار غنياً، وغني صار فقيراً، وأمير غدا صعلوكاً، وصعلوك غدا أميراً متسلطاً.
وهكذا يجدر التنبه الى عظمة القدرة الالهية في أرزاق عبيده، ودفع الأسواء عنهم، ونحو ذلك من صور العبر والعظات الدالة على قدرة اللّه عز وجل، وأنه وحده هو الجدير بالثقة، والتوكل والاعتماد، دون سواه.
وآية حصول التوكل للمرء هي: الرضا بقضاء اللّه تعالى وقَدّره في المسرات والمكاره، دون تضجر واعتراض، وتلك منزلة سامية لا ينالها إلا الأفذاذ المقربون.