ولم تؤكد روسيا حتى الآن أي تدخل عسكري لها في شبه جزيرة القرم، إلا أن مجرد التلويح بفكرة التدخل وطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موافقة "المجلس الفدرالي الروسي" على إرسال قوات روسية إلى أوكرانيا، بدا أنه غيّر جميع الحسابات السياسية والعسكرية في المنطقة، وأربك المجتمع الدولي.
إلا أن اتصالاً في وقت متأخر بين بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خرق الأجواء نسبياً، حيث أعلنت الحكومة الألمانية أن الرئيس الروسي "وافق على اقتراح لميركل بتشكيل مجموعة اتصال"، بهدف البدء بـ"حوار سياسي" في شأن أوكرانيا.
وأضافت أن "الرئيس بوتين وافق على اقتراح المستشارة بتشكيل فوري لبعثة تحقيق، بالإضافة إلى مجموعة اتصال يمكن أن تكون برئاسة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا للبدء بحوار سياسي".
وفي فرنسا، أعلن الإليزيه في بيان أمس، أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند دعا نظيره الروسي إلى "تفادي اللجوء للقوة" في أوكرانيا. وأشارت الرئاسة الفرنسية إلى أن "هولاند أبلغ بوتين قلقه الشديد، ودعاه إلى بحث الحلول مع المجتمع الدولي للخروج من الأزمة".
وأضاف البيان أن "هولاند تباحث أيضاً، أمس الأول، عبر الهاتف مع كل من نظيره الأميركي باراك أوباما ورئيس مجلس أوروبا هرمان فان رومبوي وميركل".
من جهة ثانية، دعا حلف شمال الأطلسي روسيا وأوكرانيا للسعي إلى "حل سلمي" للأزمة بينهما عبر "الحوار" و"نشر مراقبين دوليين"، بحسب ما أعلن الأمين العام للحلف أندرس فوغ راسموسن.
وأوضح راسموسن، إثر اجتماع لسفراء الدول الـ28 الأعضاء في الحلف استمر نحو 9 ساعات، أن انتشار المراقبين سيتم "بإشراف مجلس الأمن الدولي أو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا".
وأكد راسموسن أن الحلف ينوي التحاور مع روسيا، لافتاً إلى أن العديد من الدول الأعضاء طلبوا عقد اجتماع بين الطرفين. وأضاف "ندين التصعيد العسكري الروسي في القرم"، معتبراً أن "العمل العسكري للقوات الروسية ضد أوكرانيا يشكل انتهاكاً للقانون الدولي ويتنافى مع مبادئ مجلس الحلف الأطلسي وروسيا والشراكة من أجل السلام".
وحتى مساء أمس، كانت المخاوف من بدء التفكك السلطوي في أوكرانيا تظهر تباعاً. فبعد انفجار التوتر في القرم، أعلن مجلس مقاطعة لوغانسك الأوكرانية أنه لا يعتبر المستولين على السلطة في كييف حكومة شرعية.
وجاء في القرار الذي تبناه المجلس في اجتماعه أمس، أنه "لا يعترف بشرعية أجهزة السلطة المركزية التي شكلتها الرادا العليا (البرلمان) الأوكرانية"، مؤكداً أن القرار الذي نشر على موقع المجلس أن "الرادا أعادت مفعول دستور العام 2004 مخالفة للقوانين".
من جهة أخرى، أعلن قائد سلاح البحرية الأوكرانية الأدميرال دنيس بيريزوفسكي أمس، ولاءه للسلطات الموالية للروس في شبه جزيرة القرم، وذلك في مؤتمر صحافي عقده في مقر قيادة أركان الاسطول الروسي في سيفاستوبول.
وقال بيريزوفسكي "أعلن الولاء لسكان جمهوية القرم ذات الحكم الذاتي... أقسم بإطاعة أوامر القيادة العليا لجمهورية القرم ذات الحكم الذاتي".
اتصال الرئيس الأميركي باراك أوباما بنظيره الروسي أمس الأول، لم يكن كافياً لإخماد فتيل الأزمة. 90 دقيقة على الهاتف اظهرت مدى خطورة الموقف خصوصا في القرم، حيث اكد بوتين أن "روسيا تحتفظ بحق حماية مصالحها ومصالح الناطقين بالروسية الذين يعيشون هناك".
اتصال تبعه أمس، تعليق أميركي شديد اللهجة من قبل وزير الخارجية جون كيري، الذي لوّح بإمكانية "عزل" روسيا اقتصادياً، واستبعادها من "مجموعة الدول الثماني".
في غضون ذلك، أعلن مسؤول أميركي أنّ وزير الخارجية جون كيري سيزور العاصمة الأوكرانية كييف غداً الثلاثاء تعبيراً عن دعم واشنطن "للسلطات الانتقالية"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ القوات الروسية باتت لديها "الآن السيطرة العملانية الكاملة على شبه جزيرة القرم".
وألغت الولايات المتحدة، وفقاً للمسؤول، اجتماعات اقتصادية مع روسيا، بما في ذلك زيارة لوفد روسي إلى واشنطن للبحث في ملف الطاقة. كما يتوقع تجميد حدث عسكري كبير كان مقررا قريبا بين البلدين.
وفي وقت لاحق، قال وزير الخزانة الأميركي جاك لو إن "الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع شركائها الثنائيين والمتعددي الأطراف لتوفير أكبر دعم ممكن لأوكرانيا".
خيار العزل الاقتصادي حاضر في أوروبا أيضاً، إلا أن كل شيء يعتمد على الخطوة التالية للرئيس الروسي، ليختار الأوروبيون قراراً من حزمة مطروحة أمامهم على الطاولة.
السفير