الحراك الدبلوماسي النشط الذي تشهده منطقة الخليج الفارسي هذه الايام ، يكشف عن وجود ارادة لدى بعض دول المنطقة للخروج من مربع الاشتباك والمواجهة وسوء الظن ، الذي اضر سياسيا وامنيا واقتصاديا بمنطقة الخليج الفارسي وشعوبها ، وهي مواجهة انطلقت في اغلبها من اوهام لا وجود لها على ارض الواقع ، وان كان هناك من يتخذ بعض سوء الفهم الموجود بين دولها ، ارضية ليبني عليها هذه المواجهة ، مندفعا بتحريض من قوى خارجية لا تريد للمنطقة وشعوبها الامن والاستقرار ، وقد تبين ذلك واضحا من الفرحة العارمة التي تسود اسرائيل هذه الايام بسبب ما يجري من اقتتال بين العرب في سوريا.
تأكيد وزير خارجية الامارات الشيخ عبدالله في طهران ، على اقامة علاقة شراكة بين بلاده وايران وان الامارات لن تكتفي بالمستوى الحالي من العلاقات بل تتطلع الي تعزيزها لتكون شريكاً أقوي من ذي قبل ، لا يمكن الا ان يكون محط اهتمام من القيادة الايرانية ، لان هذه القيادة تعلم ان مثل هذه التصريحات هي تصريحات شجاعة تأتي على عكس التيار الذي تثيره القوى الاجنبية في المنطقة والتي لاتريد الخير لبلدانها وشعوبها وفي مقدمة هذه القوى الكيان الصهيوني الذي يعيش ربيعه هذه الايام وهو يرى الصقيع يضرب العلاقات العربية العربية والعربية الاسلامية لاسيما بين بلدان منطقة الخليج الفارسي.
ما ذهب اليه وزير خارجية الامارات يستند الى وقائع على الارض لم تغب عنه ، فهناك جالية ايرانية كبيرة في الامارات، تعيش في وئام وسلام مع ابناء الشعب الاماراتي منذ عشرات السنين. ورغم وجود كل هذه الجالية الايرانية الكبيرة ونشاطها التجاري الضخم الا انه لم يسجل لهذه الجالية ان عملت ضد مصالح الدولة المضيفة ، بل على العكس يشهد الجميع على الدور الايجابي للجالية الايرانية في النهضة العمرانية التي شهدتها الامارات خلال العقود الماضية ، ومن هؤلاء شهادة القائد العام لشرطة دبي الفريق ضاحي خلفان تميم ، التي اكد فيها على ان الجالية الايرانية هي افضل الجاليات في الامارات.
ان زيارة وزير الخارجية الايرانية ظريف الى الكويت وسلطنة عمان جاءت لتؤكد ان الجمهورية الاسلامية في ايران تعرف حق المعرفة انه لايمكن الحديث عن الامن الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط دون الاخذ بالاعتبار طبيعة العلاقة القائمة بينها وبين الدول العربية في الخليج الفارسي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ، وتأثير هذه العلاقة سلبا ام ايجابا على المنطقة برمتها .
هناك امل بات يراود شعوب منطقة الخليج الفارسي ، في ان يُسدل هذا الحراك الدبلوماسي الجاري حاليا ، الستار على الرؤية السقيمة للامن القائم على الصدام والاشتباك والتعامل مع قضايا المنطقة على قاعدة الامن لي بنسبة مائة بالمائة والفوضى لجيراني بنسبة مائة بالمائة ، فمثل هذه المعادلة ضرب من الخيال ، فشعوب المنطقة مثلهم مثل ركابي سفينة لا يمكن ان يدعي البعض انه سينجو دون الاخرين بينما السفينة تغرق.
ان الرؤية الامنية المبنية على الصدام واثارة القلاقل وضرب امن الاخر ، جربتها امريكا لعقود طويلة ، الا انا ارتدت عليها وبالا وفي عقر دارها وضد مصالحها في العالم ، رغم الفاصلة الجغرافية التي تفصلها عن منطقتنا . لذلك من الخطورة بمكان تبني هذه الرؤية من قبل البعض في منطقتنا ، فان ارتداداتها ستكون حينها اعنف واكثر قسوة.
وكما ذكرنا في اكثر من مناسبة ونكررها الان ، انه لايمكن ايجاد مناطق امنة "معزولة " في بحر من انعدام الامن ، لذلك على دول الاقليم الواحد ان تتلمس الف وسيلة و وسيلة من اجل خلق المعاذير للتعالي على خلافاتها ، بهدف الوصول الى حالة من الامن تنعم في ظله جميع شعوب الاقليم بالاستقرار ، وهو هدف ليس صعب المنال ، لوجود اواصر تاريخية ودينية وثقافية واقتصادية ، وقبل كل هذا وذاك بحكم الجيرة والجغراقيا ، التي تربط بلدان وشعوب المنطقة بعضها ببعض.
ان من المؤسف حقا ان تعجز دول منطقة الخليج الفارسي عن اقامة منظومة امنية مشتركة رغم كل ما تملكة من عناصر مساعدة ، في الوقت الذي نرى الاخرين في مناطق مختلف من العالم ، ينجحون في بناء مثل هذه المنظومات الامنية المشتركة ، رغم التنافر والحروب التي طبعت تاريخ بلدانها وشعوبها.
الحقيقة البسيطة التي دفعت الاخرين للتضامن والاتحاد ، هي ان شعوب هذه الدول ايقنت بعد قرون من الحروب والدمار والويلات ، انها لن تختار جيرانها ، وان هذا الجار باق ما بقي الدهر ، هنا قد يسأل سائل ، ترى هل يوجد حقا من ينام على امل ان يصحو ولا يرى اثرا لجاره ؟ ، نقول وبصدق نعم ، هناك من يعيش مع هذه الافكار المرضية للاسف ، وهي التي ما زالت تقف عائقا في وجه تحقيق الامن المشترك في منطقة الخليج الفارسي.
اخيرا ، الى هذه الحقيقة كان يشير وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف وهي يخاطب ضيفه ونظيره الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد ال نهيان ، بالقول "أن ايران تري أن المنطقة ملك لكافة دولها ، وان السلام والتطور والازدهار هو ملك للجميع "... حقا ان الجغرافيا قدر الشعوب، فهي تفرض على الجميع احكامها الصارمة ، شئنا أم أبينا.
ماجد حاتمي