يخوض الطرفان خلال كل جولة من جولات الحوار الوطني نقاشات حامية لملفات جدول الأعمال الفلسطيني المعقدة. و بحضور العديد من الفصائل الفلسطينية، الوطنية والإسلامية، يكاد الطرفان أن يصلان إلى نهاية الحوار في كل مرة، و الإعلان عن نتائج إيجابية تجمعهما على مائدة المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني. صحيح أن لكل طرف برنامج سياسي و خطط استراتيجية مضادة لبرنامج الطرف الآخر، و هذا الذي يجعل الكثيرين يشككون من امكانية الوصول للوحدة، و لكن هناك من الملفات الكثرة و الأهداف قصيرة الأجل التي يُجمِع عليها كلا الطرفان، و هي تحرير الأسرى و تقديم خدمات إداريه للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية و قطاع غزة، و غير ذلك من الملفات.
و بعد أن يكاد أن يصل الطرفان إلى نتيجة، نجد بين عشيةٍ و ضحاها، أن كل الجهود قد نُسِفَت و دُمِّرت و يرجع الحال ليس كما كان قبل الحوار، بل إلى أسوأ منه. و بالطبع، يتبادل الطرفان الاتهامات عن سبب إفشال الجهود التي كادت أن تؤتي أُكُلَها. من الواضح أن موقف حركة فتح يكون دائماً هو الأضعف، و ذلك من خلال استمرارها في الاعتقال السياسي و التنسيق الأمني و ظهور الخلافات الداخلية المتضاربة لقياداتها تجاه نتائج الحوار، و غير ذلك من الأمور التي تشير إلى عدم جاهزيتها للتعامل مع مرحلة ما بعد الانقسام. هذا، إلى جانب أمور أخرى يدفعها إلى التراجع. و هذا لا يكاد ينكره الأطفال الذين يتابعون المشهد السياسي الفلسطيني.
و تأتي الجولة الحالية من جولات الحوار في إطار الجولات التي سبقتها، و لا أعتقد أنها ستأتي بنتائج أفضل من نتائج الجولات اللاتي سبقنها، و خصوصاً أن هناك إشارات واضحة للوصول إلى توافق فتحاوي (طبعاً فتح هي التي تتحكم بقرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير) لإحياء عملية السلام من خلال الرجوع إلى مسلسل المفاوضات.
أعتقد أن جولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري المكوكية في المنطقة تشير إلى ذلك. كما و أعتقد أن كلامه بأن تعلق فتح جهود المصالحة مع حماس قد سمعه و عرفه الجميع، كما و أعتقد أن استئناف اللقاءات السرية و العلنية بين مسئولي فتح و المنظمة مع المسئولين الإسرائيليين أيضاً تشير إلى ذلك.
و لكن ما هو الموقف المطلوب خلال هذه المرحلة أو بعد انتهائها؟! طبعاً، فتح و حماس ستتبادلان الاتهامات المختلفة حول سبب إفشال الحوار، و غيره، و لكن هناك فصائل غير فتح و حماس تحضر جلسات الحوار و تطلع على تفاصيلها و تعلم ما يدور من خبايا لا يطلع عليها العامة و لا الإعلام. و هذه الفصائل تعلم جيداً، في كل جولة من جولات الحوار، من هو الطرف الذي ينتكس و يتراجع و يتهرب من التزاماته. و مع ذلك تخون تلك الفصائل أمانتها و تبقى صامتة و تترك الشعب فريسة للتصريحات الإعلامية لمسئولي فتح و حماس، و فريسة لتحليلات المحللين الذين يبتعدون عن الحقيقة آلاف الكيلومترات.
المطلوب من هذه الفصائل أن تحرج عن صمتها و أن لا تبقى شاهدَ زورٍ و خنجراً إضافياً في ظهر الشعب الفلسطيني الذي يتحمل أعباء الخلافات السياسية المختلفة و انعكاساتها. يجب على هذه الفصائل أن تخرج من مرحلة الجمود و بشجاعة تترك حالة الجُبن المقيت التي لا تسمن و لا تغني من جوع، بل تُكَرِّس التبعات القاتلة و الواقعة على الشعب الفلسطيني، ليس بسبب فتح أو حماس في هذه المرحلة، بل أيضاً بسببها هي، لأن سكوتها يعني مشاركتها في الجريمة بإمعان و يشكل مقصود لمصالح غير وطنية.
بقلم: أ. معتصم أحمد دلول