سماسرة تحت الطلب (2)

سماسرة تحت الطلب (2)
الأربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٢ - ٠٣:٣٨ بتوقيت غرينتش

لا يمكن للمرء إلا أن يراقب عن كثب ما سيؤول اليه الدور التركي في منطقة الشرق الاوسط ، خاصة وأن الولايات المتحدة تحاول بكل امكانياتها الايحاء لدول المنطقة بان النموذج التركي هو النموذج الاصلح والانجح والذي يجب ان يحتذى به.

فمنظر الحكومة التركية أحمد داوود اوغلو يتحدث في كتابه " العمق الاستراتيجي " عن دور بلاده في الماضي والحاضر ويرى ان السبب في تراجع تركيا خلال الحقبة الماضية يعود إلى سياسة القطيعة، التي سعت لفصل ماضي تركيا العثمانية وعمقها الإستراتيجي عن حاضر الجمهورية الكمالية ومحيطها الإقليمي، والتي عمقت أيضاً الانقسام بين "التيارات العلمانية" و"الجماعات الإسلامية"، وغلبت الأمن على الحرية، وأحدثت أزمة هوية طاحنة في أوساط النخب التركية.

ويعتقد داوود اوغلو ان تركيا طوت الكثير من صفحات الماضي، فأنهت حالة العداء مع أرمينيا، وفكت الجمود مع سوريا، وأرخت حبل التشدد مع الأكراد في الداخل، وأحدثت نقلة نوعية في علاقاتها مع جيرانها في المنطقة العربية، وفي منطقة القوقاز، وانطلقت بثقة عالية نحو العالم الإسلامي، وأصبحت لاعباً مؤثراً في الشرق والغرب. وأصبحت تركيا حاضرة في كل الأزمات والملفات العالقة في العالم العربي، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وعنيت باكرا بالوضع في العراق، وتدخلت إيجاباً في الأزمة بين بغداد ودمشق، ونجحت في عقد اتفاق للتعاون الإستراتيجي مع دول منطقة الخليج الفارسي.

وقد نجح احمد داوود اوغلو في السنوات الماضية من حكم حزب العدالة والتنمية في ابراز الدور التركي في المنطقة على حساب دول المنطقة واعطاء بلاده دورا أكبر من قدرتها الحالية وكان ذلك سببا في تراجع الدور التركي الذي كان الزعماء الاتراك يتمنون ان يتعاظم وتقوم تركيا بقيادة العالم الاسلامي .

وكان الزعماء الاتراك يفكرون دوما باحياء "الامبراطورية العثمانية " التي وصفت  يوما ما بالرجل المريض ، وهكذا نرى بان زعماء حزب العدالة والتنمية يدعون عددا من السياسيين العرب في ذكري المؤتمر الثالث للحزب للمشاركة في الاحتفال ، ويسمعون منهم اشادة بدور الحزب وزعيمه وحتى ان احد السياسيين قد وصف اردوغان بأنه الزعيم الكبير.

ويرغب الزعماء الاتراك كما يقول داوود اوغلو ان تكون بلادهم حاضرة في كل الازمات والملفات العالقة في العالم العربي . ولكن اثبت الزعماء الاتراك ان دورهم انحصر في تنفيذ سياسات امريكية وغربية في المنطقة وما كان دورهم خلال الاشهر الماضية الا دور السمسار الذي يقدم خدماته لمن يدفع له مالا اكثر. فالزعماء الاتراك راهنوا على  كسب رضا الامريكان والحصول علي موافقة الاتحاد الاوروبي بقبول عضوية تركيا في الاتحاد وهذا لم يحصل حتى الان رغم الجهود الكبيرة التي بذلها الزعماء الاتراك خلال العشر سنوات الماضية.

صحيح ان الزعماء الاتراك نجحوا في اقامة علاقات جيدة مع دول المنطقة ، وتمكنوا ان يطرحوا فكرة النموذج التركي الناجح في الشرق الاوسط ولكنهم في الوقت نفسه فقدوا الكثير من علاقاتهم مع دول الجوار .

ولم يكن يتصور المرء ان يراهن الزعماء الاتراك على سقوط النظام في سوريا خلال فترة قصيرة ولكن الاحداث اثبتت عكس ذلك وكان زعماء حزب العدالة والتنمية قد فشلوا في اتخاذ سياسة صائبة تجاه سوريا والعديد من قضايا المنطقة .

ان الزعماء الاتراك وخاصة الثنائي احمد داوود اوغلو و رجب طيب اردوغان دخلوا لعبة امريكية اوروبية لا تخدم شعوب المنطقة ، بل تريد ان تغير خارطة منطقة الشرق الاوسط معتمدة على الدور التركي في المنطقة وذلك عن طريق تغيير انظمة وحكومات وهم اصبحوا احدى ادوات هذه اللعبة ظنا منهم انهم سيستفيدون من هذا الدور في تعزيز  دور تركيا في المنطقة ويمكنهم بذلك القيام بدورجديد  كزعيم للعالم الاسلامي .

ان على الزعماء الاتراك ان يعيدوا النظر في طروحاتهم وتصوراتهم وخاصة سيرهم  وراء المخططات الامريكية والاوروبية وعليهم ان يبتعدوا عن احلامهم  بزعامة العالم الاسلامي كما يوحي لهم الامريكان والاوروبيين  .

شاكر كسرائي