العالم - كشكول
لم يمر سوى يومين على كلام السفير الايراني، وتحديدا يوم الخميس الماضي، حتى كشفت صحيفة "إنترسيبت" الامريكية عن نسخة من رسالة سرية، حملت بين طياتها تهديدا امريكيا لباكستان بالعزلة، في حال بقي رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان في السلطة.
وبحسب الرسالة السرية التي سربها أحد أفراد الجيش الباكستاني، فقد ضغطت وزارة الخارجية الأمريكية، على الحكومة الباكستانية في اجتماع عقد في 7 مارس 2022 بين السفير الباكستاني لدى الولايات المتحدة واثنين من مسؤولي وزارة الخارجية، من اجل إقالة عمران خان كرئيس للوزراء بسبب حياده بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا!!.
ووفقا للصحيفة، فإنه بعد شهر واحد من الاجتماع مع المسؤولين الأمريكيين الموثق في وثيقة الحكومة الباكستانية المسربة، تم إجراء تصويت بحجب الثقة في البرلمان، مما أدى إلى تنحية خان من السلطة.
هذا التدخل الامريكي الوقح والسافر في شؤون دولة نووية وكبيرة ومهمة مثل باكستان، يكشف عن سلبيات النظام العالمي الحالي الذي تقوده امريكا، والتي تعتبر نفسها الامر الناهي في العالم، ولا يحق لاي دولة، بان تتخذ موقفا لا يتعارض حتى مع مصالح امريكا، مثل موقف خان من الحرب في اوكرانيا، فليس كل من وقف على الحياد في هذه الحرب يمكن ان يصنف على انه يعادي امريكا، ولكنها الهيمنة والعنجهية والظلم الذي تمارسه امريكا على العالم، في تجاهل صارخ لمواثيق الامم المتحدة والاعراف والقوانين الدولية.
اللافت ان امريكا التي تتدخل في شؤون الدول الاخرى، الى الحد الذي تمنع فيه مد انبوب للطاقة بين ايران وباكستان، رغم انه مشروع فيه مصلحة لباكستان اكثر منه لايران، وتمنع بيع الغاز والكهرباء الايراني للعراق رغم ان المشروع فيه مصلحة للعراق اكثر منه لايران، وتضغط على السعودية للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي، وتضغط في المقابل لمنع اي تقارب سعودي ايراني، كما تمنع من عودة العرب الى سوريا، وتمنع تقديم اي سلاح للجيش اللبناني، وتفرض حظرا اقتصاديا على هذا البلد لمعاقبة الشعب اللبناني لالتفافه حول حزب الله، وتضغط على العالم اجمع للوقوف الى جانب اوكرانيا ومدها بالسلاح، رغم ان العديد من دول العالم، حاولت ان تقف موقفا محايدا، من اجل التعجيل بوقف هذه الحرب المدمرة التي تهدد امن واستقرار العالم، امريكا هذه نراها في المقابل تستخدم المحافل والمنظمات الدولية وفي مقدمتها منظمة الامم المتحدة لمعاقبة الدول الاخرى، تحت ذريعة تدخلها في شؤون الدول الاخرى، الامر الذي افقد هذه المنظمات مكانتها ومصداقيتها واعتبارها، بعد ان تحولت الى فروع لوزارة الخارجية الامريكية.
هذا الوضع المزري الذي يعيشه العالم في ظل الاستبداد والاستفراد الامريكي، هو الذي دفع دول كبرى الى التفكير في مواجهة النظام العالمي الذي تقوده امريكا، والتصدى له وهدمه وبناء نظام عالمي جديد اكثر عدلا، كما تجلى ذلك من خلال تاسيس تجمعات دولية مثل البريكس وشنغهاي و..، وهي تجمعات وتكتلات، قد تمنح الدول التي تحترم سيادتها واستقلالها، القوة على ان تعمل على تأمين مصالحها بعيدا عن الضغوط الامريكية، بل حتى مقاومة هذه الضغوط، ترى ما الذي يمنع ان تتعاون دول اسلامية كبرى مثل ايران وتركيا وباكستان والسعودية، من اجل انشاء تكتل ليس قادرا على تقويض الاستفراد الامريكي، بل يفرض حتى عقوبات عليها وعلى الغرب، في حال تم تهديد مصالحه، بفضل ما تملكه من احتياطات ضخمة من النفط والغاز، والثروات الطبيعية والموقع الجغرافي الاستراتيجي، الذي تتمتع به هذه الدول، مثل هذا الامر لا يحتاج الا لارادة فقط لا غير.