العالم - الاحتلال
واختار بينت صحيفة "نيويورك تايمز" بشكل مقصود، لتوجيه رسالته لإدارة بايدن، قبيل لقائه مع الرئيس الأميركي في واشنطن، اليوم الخميس، وقبيل ساعات من اللقاءات التي كانت مجدولة له مع كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جيك سولفيان، وذلك حتى تكون تصريحاته بالإنكليزية مباشرة بحيث لا يترك مجالاً للشك في سياسة حكومته الرافضة لأي تحرك على المسار الفلسطيني، وذلك خلافاً للتصريحات بالعبرية، التي أدلى بها قبيل صعوده الطائرة التي أقلته للولايات المتحدة، أمام الصحافيين الإسرائيليين.
وحرص بينت في تصريحاته بالعبرية، على تجنب أي ذكر للملف الفلسطيني، مقابل إبراز مسألة طرح "خطته الاستراتيجية" لمواجهة ايران، من خلال التأكيد على وجوب القيام بجهد مشترك يشمل أيضاً الدول العربية (الخليجية) التي يساورها القلق من النشاط النووي الإيراني، ومن "العدوانية" الإيرانية في المنطقة، من العراق إلى اليمن وسورية ولبنان، حسب تعبيره.
وجاءت رسائل بينت في المقابلة مع "نيويورك تايمز"، وتصريحاته للصحف العبرية، لتؤكد رفض المساعي الأميركية المعلنة بشأن العودة للاتفاق النووي، بموازاة تأكيد مواصلة استهداف المشروع النووي الإيراني من قبل إسرائيل.
وتأتي هذه التصريحات لتؤكد المواقف التي بدأت الحكومة الإسرائيلية محاولة تكريسها أخيراً. وأكدت وزيرة الداخلية الإسرائيلية، أيليت شاكيد، الأحد الماضي، للإذاعة العامة، أن بينت سيؤكد لبايدن في حال سأله الأخير عن الملف الفلسطيني، أنه (أي بينت) يعارض حل الدولتين ويعارض إقامة دولة فلسطينية، معلنةً أنه في حال سعى وزير الخارجية الإسرائيلي، يئير لبيد، الشريك الأكبر في الحكومة الإسرائيلية الحالية، عند تسلمه رئاسة الوزراء بموجب اتفاقية التناوب مع بينت، في العام 2023، إلى إطلاق تحركات سياسية باتجاه حل الدولتين، فإن حزب "يمينا" الذي يرأسه بينت لن يتردد في إسقاط الحكومة وتفكيكها.
ومن الواضح أن بينت في توجيهه هذه الرسائل، لا سيما في ما يتعلق بحل الدولتين ورفض إعادة فتح قنصلية أميركية للفلسطينيين في القدس، يحاول التخلص من اتهامات رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو له بأنه سيرضخ لإملاءات البيت الأبيض، ولن يكون قادراً على مواجهة هذه الضغوط.
هذا إضافة إلى مواقفه الأيديولوجية المتطرفة، وهو ما دفعه إلى تأكيد عدم اعترافه بأي حق سيادي للفلسطينيين في القدس المحتلة، معلناً في هذا السياق أن "القدس هي عاصمة إسرائيل وليست عاصمة لأي شعب آخر" حسب زعمه. وينطبق هذا الدافع أيضاً على تصريحاته بشأن مواصلة البناء في المستوطنات، إذ أكد أن حكومته ستواصل البناء في المستوطنات القائمة "لأغراض الزيادة الطبيعية" (وهو ادعاء إسرائيلي زائف لطالما ردده نتنياهو في محاولات تبرير البناء في المستوطنات خلال ولايتي الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما)، في محاولة للتوفيق بين مطالب المستوطنين وبين المعارضة الأميركية التقليدية للمستوطنات، وأيضاً لإحراج نتنياهو والرد عليه بأنه لا يقوم بشيء لم يقم به الأخير خلال سنوات حكمه الطويلة، وخصوصاً في عهد إدارة أوباما.
ويبدو أن بينت يراهن في إبراز وجهة نظره المعارضة لحل الدولتين، على ثلاثة أمور. الأول هو التوافق داخل وبين مركبات الحكومة الإسرائيلية الحالية، بشأن عدم الخوض في الملف الفلسطيني، لا لجهة تنفيذ مخطط الضم، ولا لجهة التفاوض مع الطرف الفلسطيني حول التسوية النهائية. أما الأمر الثاني، فهو التوجه الجديد الذي يحمله بينت تجاه إدارة بايدن والحزب الديمقراطي، بالتعاون التام مع هذه الإدارة بشأن إيران وعدم مفاجأة الأميركيين بعمليات ضد إيران أو إحراج بايدن ومحاولة استغلال محاور السياسة الأميركية الداخلية، كما فعل سابقاً بنيامين نتنياهو عندما لم يكتف بمعارضة الاتفاق النووي مع إيران، بل ألقى خطاباً في الكونغرس الأميركي في مارس/آذار عام 2015، ضد سياسة أوباما في هذا الإطار.
الأمر الثالث الذي يراهن عليه بينت، هو حالة الانتظار التي تبديها دول عربية لمعرفة اتجاه حكومة الاحتلال الجديدة، خاصة على ضوء الحفاوة الأميركية بها؛ سواء نكاية بنتنياهو أو لحاجة الإدارة الأميركية إلى "الهدوء الإسرائيلي" وعدم وضع العقبات أمام سياسات بايدن وإدارته في الشرق الأوسط، بل إبراز المشاركة والتحالف بين الطرفين، وهو ما سبق لبينت أن أعلنه مراراً. وجعل ذلك منه بنظر بعض الدول العربية، المفتاح أو البوابة لتحسين علاقاتها مع أميركا، عبر حديث هذه الأنظمة والدول، وأبرزها مصر والأردن، عن رياح التغيير التي تحملها حكومة بينت، على الرغم من هشاشتها لجهة إعادة تعزيز العلاقات مع إسرائيل ودور الأخيرة كعامل يعزز الاستقرار في المنطقة.
ويحاول بينت التركيز إعلامياً على مسألة تحسين العلاقات الثنائية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وشمل ما يسمى محور الدول "السنية المعتدلة" في بناء محاور جديدة موجهة أساساً ضد إيران، كرافعة لمواصلة التوصل إلى اتفاقيات تطبيع مع دول عربية إضافية، من دون ربط ذلك بالقضية الفلسطينية وشرط إنهاء الاحتلال.
وبالتزامن مع رسائل بينت، كان لافتاً دخول وزير أمن الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس على خط الحشد والتحريض ضد إيران. إذ اتهم غانتس أمس الأربعاء، في إحاطة لأكثر من 60 سفيراً أجنبياً، إيران بشن هجوم بطائرة مسيرة على ناقلة النفط "ميرسر ستريت" التي يشغلها إسرائيلي قبالة بحر عمان الشهر الماضي، من أراضيها. وقال غانتس، بحسب ما نشر مكتبه الإعلامي: "عرفنا كيف نتصرف في الماضي، ولا أستبعد أن نتحرك في المستقبل حتى لا تصل إيران إلى السلاح النووي".
وتبقى تصريحات بينت مجرد مواقف اعلامية يوجهها لبايدن لعله يوافق عليها ويتفق معه على تنفيذ تفاصيلها.