العالم - السعودية
ما إن انتشر خبر إعفاء الشيخ صالح المغامسي على تويتر، المنصة الأكثر استخداما في السعودية، في 29 مارس/آذار الجاري، حتى احتفت به حسابات عدة، وألصقت بالشيخ المُقال تُهمتَي "الأخونة" و"التصوّف"، فيما بدا أنه مسعى يبرر إعفاء الشيخ بسبب خلفيته الفكرية، لا بفعل كتابته تغريدة فُهم منها الرغبة في إطلاق سراح سجناء الرأي.
الحسابات ذاتها، رحبت بتعيين الشيخ سليمان الرحيلي خلفا للشيخ المغامسي، وأشادت بالخطوة التي اتخذها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد اللطيف آل الشيخ.
في حين لم يُعرف الشيخ الرحيلي إلا من خلال تدريسه الجامعي، وظهوره المحدود على قنوات التلفزيون الدينية.
وعُرف الشيخ المغامسي على نطاق واسع -لأول مرة- حين ألقى كلمة الأهالي في الحفل الذي نظِّم احتفاء بزيارة الملك عبد الله للمدينة المنورة في 12 يوليو/تموز 2009. آنذاك، وقف الشيخ أمام الملك ليُشيد بإنشاء هيئة البيعة، ويرى فيها تحقيقا لمبدأ الشورى في الإسلام؛ كما ذهب في كلمته إلى مباركة الدعوة التي أطلقها الملك عبد الله لحوار الأديان، واعتبرها "انتصارا عظيما لشموخ الإسلام".
كان الشيخ على موعد مع الأضواء؛ فبعد أن أطفأت الكاميرات عدساتها، لم يعد الشيخ المغامسي كما كان، فقد ذاع صيته، وأصبح ضيفا على مجالس علية القوم، ومنتديات الدعوة داخل المملكة وخارجها، وتسابقت القنوات الفضائية العامة والإسلامية إلى استضافته، ليُلقي دروسا علمية، أو يجيب عن أسئلة المُستفتين.
آراء فقهية مغايرة
اتسعت جماهيرية الشيخ، وراح يعقد جلسات يفسر فيها القرآن، ويدلي بآراء فقهية لم يكن وقعها بردا وسلاما على بعض الشيوخ "الكلاسيكيين"، الذين رأوا في بعض اجتهاداته فتحا للأبواب المغلقة، حتى آلت ولاية العهد إلى الأمير محمد بن سلمان الذي بدا جليا نأيه -منذ أيامه الأولى- عن المدرسة القديمة في الإفتاء، وتفضيله الأصوات الشابة، ومنها الشيخ المغامسي، التي يُمكن لها أن تمضي في ركاب رؤية 2030، وتحقق أهدافها بعيدا عن الصحوة ورموزها.
تذهب باحثة سعودية –فضلت عدم ذكر اسمها في هذه الظروف- في تعليقها على خبر الإعفاء إلى أن "اهتمام ولي العهد بالشيخ المغامسي مرده إلى شعبيته في أوساط الشباب حتى غير المتدينين منهم.
فسمت الشيخ، وفصاحته، وحساسيته أمدته بجمهور واسع راح يعتاد دموع الشيخ وتهدج صوته في كل حلقة تلفزيونية تتداولها منصات التواصل الاجتماعي في رمضان وطوال أيام العام. أضف إلى ذلك أن إجابات الشيخ عن أسئلة المتصلين ببرامجه تُظهر احتواء لهم، وتعترف بقدرتهم على تجاوز ما وقعوا فيه من خطأ، بلغة لا تقترب من التقريع".
هذا القبول في أوساط الشباب تعزز حين أفتى الشيخ على شاشة التلفزيون عام 2014 بأن "الموسيقى على إطلاقها ليست حراما"، وهو ما أثار سخطا بين منتسبي المدرسة الدينية التقليدية في السعودية، وعلى رأسهم الشيخ صالح الفوزان؛ حتى أن خلف المغامسي، في إمامة مسجد قباء، الشيخ سليمان الرحيلي وصف إباحة الموسيقى آنذاك "بالقول الفاسد".
حضور الشيخ المغامسي على الشاشات، مؤيدا لرؤية ولي العهد، ولمسابقات هيئة الترفيه لحفظ القرآن وتلاوته، إضافة إلى انتشار تصريحاته عن المشاريع الرسمية في الصحف السعودية؛ وثّق صلته بالعهد الجديد، وأصبح أحد أبرز رجالاته. ففي المرحلة التي أعقبت اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في أكتوبر/تشرين الأول 2018، كان الشيخ يستضاف في نشرات الأخبار ليدلي برأيه في الحادثة.
التغريدة والسجون
أنزل قرار الإعفاء الشيخ المغامسي من منبر قباء الذي اعتلاه أكثر من 14 عاما، ولم تُفصح المصادر الرسمية عن أي سبب لذلك؛ لكن الملاحظ أن تغريدة المغامسي – التي يرجح أنها السبب في إعفائه- تزامنت مع حملة أطلقها ناشطون سعوديون على تويتر، طالبت بإخراج السلطات السعودية المعتقلين السياسيين وسواهم، من السجون التي تظهر التقارير الحقوقية العالمية والصور المسربة من داخلها اكتظاظها بالنزلاء، وافتقارها مقومات الرعاية الصحية؛ مما قد يعني ارتفاعا كبيرا في حالات الإصابة بفيروس كورونا، إلى حد قد لا تستطيع السلطات الصحية السعودية احتواءه.
منظمة "القسط لدعم حقوق الإنسان"، التي تتخذ من لندن مقرا لها، أفادت في أحد تقاريرها عام 2017 بأن "الأمراض المعدية منتشرة داخل السجون السعودية"، وأنها وثقت حالات وفاة لأسباب مرضية لم تتخذ السلطات السعودية خطوات جادة للحيلولة دون تكررها؛ كما ذهب التقرير إلى أن عشرات السجناء كانوا يتشاركون فراش النوم الأرضي ذاته، وينامون في الممرات وبين أقسام سجن مكة العام.
وبعد انتشار وباء كورونا هذا العام، دعت المنظمة نفسها الحكومة السعودية إلى "إجراء تدقيق شامل للسجناء، وتقليل عدد نزلاء السجون عن طريق الإفراج الفوري عن المحتجزين والسجناء "الأقل خطورة"، بمن فيهم المدانون أو المحتجزون رهن المحاكمة بسبب الجرائم غير العنيفة، والمعتقلون الإداريون، وأولئك الذين لا مبرر لاحتجازهم المستمر".
أُعفي الشيخ المغامسي من إمامة مسجد قباء، واعتُقِل شيخان آخران، هما خالد الشهري وإبراهيم الدويش، في اليوم ذاته، بسبب آرائهما؛ وهو ما يعيد إلى الأذهان حال حرية التعبير في السعودية، التي يقول تقرير "منظمة العفو الدولية" عام 2019 عنها إن "كل المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية خلف القضبان".
المصدر : الجزيرة