انّ مجرد اصدار بيانات الرفض والاستنكار لن يضع حدّاً للاستهتار الاميركي الذي ضرب عرض الحائط كل القوانين الدولية وجميع القرارات الاممية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية ممارساً سياسة فرض الامر الواقع على الامة حكومات وشعوبا.
ولاندري ما هو المغزى من ان يقوم بيان الجامعة العربية خلال الاجتماع الطارئ الاخير بالقاهرة بدعوة "المجتمع الدولي للتصدي لاي اجراءات تقوم بها اسرائيل" مشيرا الى "ان صفقة القرن تلغي قرارات الشرعية الدولية وتكرس شرعية ترامب"؟!!
فلقد تنكّر الرئيس الاميركي الوقح دونالد ترامب لجميع المواثيق والمعاهدات العالمية مكرسا شريعة الغاب ولغة القوة امام ضعف العالمين العربي والاسلامي عن اتخاذ الموقف الحازم الذي يلجم المتغطرسين والمعربدين في المسرح الدولي الراهن.
وما جدوى ان تنتفض الشعوب في كل مكان احتجاجا على صفقة العار، دون ان يقترن ذلك بآليات عملية تؤدي الى تصعيد المواجهة المصيرية مع العدو الغاصب الذي لا يفقه سوى لغة منطق القوة؟.
واضح ان الذي يقول بانه ليس من انصار "المواقف العنترية"، هو نفسه من اتباع مدرسة اخلاقية الهزيمة والمواقف الانبطاحية التي يصفق لها الاستكبار الاميركي ويهنأ بها الصهاينة القتلة الذين لن يتراجعوا ابدا عن سلوكياتهم الاجرامية والارهابية مستقبلا لتنفيذ وعود دونالد ترامب عبر صفقة الوهم.
وماذا تنفع مبادرة السلام العربية لتحقيق الامن والاستقرار في الشرق الاوسط، بعد ما رمت الادارة الاميركية المتصهينة ما هو اهم منها من قرارات دولية معروفة للقاصي و الداني في البحر (القراران 242 و338 نموذجا).
وماذا عساه ان يقدم اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الاسلامي اليوم من جديد سوى نفس الخطاب السياسي المرتجف والمشلول امام لغة البلطجة الاميركية التي مسح بها ترامب الانظمة الرسمية كلها بالتراب ولم يعرها ادنى قيمة او اعتبار.
وامام هذه المواقف الرسمية المتهرئة حيال صفقة القرن وقضية فلسطين، يبدو ان علينا انتظار تحركات اميركية واسرائيلية غاية في الهمجية والوحشية لتنفيذ هذه الخطة المشؤومة مادامت القوى التحررية محظورة حتى من الاحتجاج الشعبي في منطقتنا، علماً ان التظاهرات الجماهيرية الرافضة لهذه المؤامرة القذرة انطلقت في العديد من المدن الاميركية والاوروبية وبعض البلدان العربية لتضعنا امام مسؤولية اكبر واعظم مادمنا قريبين من هذا الواقع المزري وحيث ان (اهل مكة ادرى بشعابها).
لابد هنا من التاكيد على دور المقاومة المسلحة التي هي اكثر جدارة من الانظمة الرسمية المتخاذلة، على مستوى مكافحة تداعيات صفقة العار عبر طمس الحقوق الفلسطينية وتهويد القدس والمسجد الاقصى الشريف.
فلقد ادرك الغرب عبر عقوله ان النظام العربي الرسمي مهيأ حتى الثمالة لابتلاع الاهانات المتتالية الامر الذي جعله يتصرف بكل استعلاء وعنجهية على لسان الرئيس المتعجرف ترامب الذي جعل من فلسطين والقدس الشريف ومناطق اخرى تابعة للاردن ومصر ارضا مشاعة للصهاينة لهم "الحق في التصرف بها كيفما يشاؤون".
بيد ان الغرب المتصهين يدرك ايضا بانه ومع تنامي نفوذ قوى جبهة المقاومة بوجه التوسع الاميركي ـ الاسرائيلي فان من الصعب ان يكون تحقيق الاطماع الاستكبارية نزهة سهلة، اذ ان التغير الطارئ على قضية توازن الرعب في المنطقة بعد دك القواعد الاميركية مؤخرا بالصواريخ الايرانية القاصمة، يجعل التوصل الى الاهداف الاستكبارية بعيد المنال.
صفوة القول ان المستقبل يحدده الابطال التحرريون المؤمنون بتطلعاتهم المحقة والمشروعة، وهم القادرون على تحويل مواقفهم الى افعال ذات صدى عظيم على مستوى الامة، ولا تحدده (الجامعة العبرية) التي تحولت الى مرتع للانبطاحيين والمتخاذلين الذين يتحذّرون حتى في اطلاق التصريحات التي ربما لو اطلقوها ستجعلهم يتطهرون من تهمة الخيانة والتواطؤ مع العدو الصهيوني .
حميد حلمي البغدادي