العالم - افريقيا
هذا الصراع سلط الضوء على أهمية دولة جيبوتي الصغيرة وعلى منطقة القرن الأفريقي ككل. وتكتسي هذه المنطقة بعدا إستراتيجيا بالنسبة لبكين، ومصيريا إلى حد كبير بالنسبة للإمارات.
وهددت شركة موانئ دبي - الذراع الاقتصادية والإستراتيجية للإمارات - باتخاذ إجراءات قانونية ضد جيبوتي والصين على خلفية إنشاء الأخيرة منطقة تجارة حرة دولية في محطة حاويات دوراليه على سواحل جيبوتي، حيث تزعم الشركة الإماراتية امتلاكها امتيازات تطويرها بموجب اتفاقيات سابقة.
جاء التحذير بعد أسبوع من إطلاق بكين المرحلة الأولى من أعمال إنشاء المنطقة التي يُخطط لها أن تكون الأكبر من نوعها في أفريقيا، وبعد أسابيع من إلغاء جيبوتي امتيازات الشركة الإماراتية التي تعود إلى عام 2004 وتمتد 50 عاما، بزعم أنها تنطوي على انتهاك صارخ لسيادة الدولة والمصالح الوطنية.
وبدعم من الصين افتتحت جيبوتي مشروعا ضخما يتمثل في منطقة للتجارة الحرة هي الكبرى في أفريقيا، وبدا المشروع بمثابة رد على تحركات الإمارات في البحر الأحمر ومحاولاتها محاصرة موانئ جيبوتي وعزلها.
حرب الموانئ تشتعل بين الإمارات والصين
قبل أشهر وتحديدًا في 22 فبراير/شباط الماضي، ألغت جيبوتي امتيازًا ثمينًا لشركة موانئ دبي العالمية التي كانت تملك نحو 33% منه، ولجأت موانئ دبي للتحكيم رافضة إلغاء العقد المبرم بينهما، لكن الرئيس الجيبوتي رد الأمر إلى استعادة السيادة في عقد رأى فيه افتئاتًا على حق الجيبوتيين بثرواتهم الممثلة بموقع بلدهم، واعتبر إلغاء الامتياز قانونيًا يقع في باب الاستقلال الاقتصادي.
وبعد قرار الحكومة الجيبوتية اندلعت أزمة من العيار الثقيل بين جيبوتي والإمارات أو هيئة موانئ دبي العالمية التي تمثل إحدى أهم أذرع التمدد الإماراتي في الشرق الأوسط وربما العالم، فقد طورت الشركة الميناء منذ عام 2006 على أن تديره بعقد امتياز يمتد 50 عامًا، بيد أن السلطات الجيبوتية اكتشفت أن العقد يحتوي بنودًا مجحفة وأخرى سرية.
ومن الشروط المجحفة - بحسب مسؤولين جيبوتيين - منع توسعة مباني الميناء أو إقامة أي مبان جديدة، كما أن حصص التملك المتفق عليها لم تكن هي نفسها في توزيع الأرباح، فضلاً عن جعل الإدارة المالية في يد شركة موانئ جبل علي بمجموعة موانئ دبي العالمية، وهو ما اتضح تأثيره جليًا في نسب العوائد، إذ استحوذت الشركة الإماراتية على ما يفوق حصتها بمراحل.
وأكثر من ذلك، اكتشفت جيبوتي لاحقًا أن نسبة 20% من الأرباح كانت تذهب إلى كل من مدير الموانئ الجيبوتية سابقًا (المسؤول الجيبوتي عن إدارة الصفقة والمقيم في حاليًّا دبي) عبد الرحمن بوري، ورئيس مجلس إدارة موانئ دبي العالمية سلطان أحمد بن سليم، مما اضطر الحكومة الجيبوتية إلى رفع قضية لرد حقها عام 2012، كما لجأت إلى أبو ظبي التي أخبرتها أن هذا الأمر يخص حكومة دبي، ولا شأن لها به.
من جانبها، لجأت مجموعة "موانئ دبي العالمية" الإماراتية إلى التحكيم الدولي، واعتبرت أن مشروع بناء المنطقة التجارية يمثل تعديًا على "حقوق الإدارة الحصرية"، كما هددت بالمطالبة بالتعويض عن الأضرار المترتبة على قيام أطراف أخرى بالتدخل أو خرق حقوق التعاقد، وباتخاذ إجراءات قانونية ضد الصين التي تبني منطقة تجارية في جيبوتي في موقع يضم محطة حاويات متنازع عليها بين دبي وحكومة جيبوتي.
هكذا أشعلت حرب الموانئ التوتر بين دبي والصين، فقد أكدت "موانئ دبي العالمية" في بيان لها أن "استيلاء حكومة جيبوتي غير المشروع على المحطة لا يمنح الحق لأي طرف ثالث بانتهاك شروط اتفاقية الامتياز"، في إشارة إلى الصين التي لا يبعد ميناؤها الجديد سوى 5 كيلومترات عن دوراليه، ما يعزي البعض إلى أن الصين كانت وراء هذه الخطوة الجيبوتية.
الطموحات الصينية في القرن الافريقي
إن الصين معنية بامتلاك مواطئ قدم على امتداد هذا الطريق التجاري، الذي يعد الشريان الرئيسي لاقتصادها العملاق، وقد تنامى ذلك الإهتمام منذ إطلاقها استراتيجية “الحزام والطريق”، عام 2013.
تتضمن الرؤية الطموحة للصين تطوير مشاريع في عشرات دول تشكل ممرات أو أسواق لمنتجاتها أو مصادر للمواد الخام، بتكلفة إجمالية تبلغ ترليون دولار، وأعمال قد تستغرق عقودا، لتتحول الإستراتيجية إلى العمود الفقري لسياسة البلاد الخارجية.
بل إن "الحزام والطريق" قد يتحول إلى جزء أساسي في إستراتيجية بكين العسكرية الخارجية.
ولسوء حظ دبي، فقد ظهرت أولى إشارات ذلك التحول المحتمل في جيبوتي بالذات التي استضافت العام الماضي أول قاعدة عسكرية تنشئها الصين خارج أراضيها.
ولا يبدو أن التهديد بتقديم شكوى لدى القضاء الدولي سيفلح في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة. وقد يكون الاستسلام بصيغة اتفاقية تضمن لدبي موقعا مهما على الطريق التجاري الصيني أمرا واردا وإن أدى إلى تقليص طموحات الإمارات الكبيرة، وأثار استياء لدى حلفائها الأميركيين.
كما ظهرت في الأسابيع الأخيرة فرصة لعب ورقة أخرى تمثلت في تقدم إثيوبيا وإريتريا نحو إنهاء نزاعهما الذي استمر عقودا، والذي ساهم إلى حد كبير في تضخيم أهمية جيبوتي الاقتصادية.
لقد كانت جيبوتي ولا تزال حتى اللحظة تشكل معبرا رئيسيا لصادرات وواردات إثيوبيا الدولة الأفريقية الكبرى المحرومة من سواحل بحرية، نظرا إلى الخلافات الحادة بين أديس أبابا وأسمرة والاضطرابات في الصومال.
“الشكوى” لن تفلح.. فما هي خيارات الإمارات؟
لا يبدو أن التهديد بتقديم شكوى لدى القضاء الدولي سيفلح في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة، وقد يكون الاستسلام، بصيغة اتفاقية تضمن لدبي موقعاً مهماً على الطريق التجاري الصيني، أمراً وارداً، وإن أدى إلى تقليص طموحات الإمارات الكبيرة، وأثار استياءً لدى حلفائها الأمريكيين.
كما ظهرت في الأسابيع الأخيرة فرصة لعب ورقة أخرى، تمثلت في تقدم إثيوبيا وإريتريا نحو إنهاء نزاعهما الذي استمر عقوداً، والذي ساهم، إلى حد كبير، في تضخيم أهمية جيبوتي الاقتصادية.
فقد كانت جيبوتي، وما تزال حتى اللحظة، تشكل معبراً رئيسياً لصادرات وواردات إثيوبيا، الدولة الإفريقية الكبرى، المحرومة من سواحل بحرية، نظراً إلى الخلافات الحادة بين أديس أبابا وأسمرة، والاضطرابات في الصومال.
إلا أن إعادة البلدين الجارين جسور التواصل بينهما، قد يفرز ظهور إريتريا كبديل للموانئ الجيبوتية، برعاية إماراتية، ولكن هذه المرة من خلال عمل حقيقي وكبير لمنافسة الحضور الصيني، وتعويض الخسائر المحتملة للموانئ المحلية، واستعادة ثقة دول المنطقة.
ولكن هذا الخيار يواجه العديد من التحديات، أولها تمتع أديس أبابا بعلاقات جيدة مع بكين وجيبوتي، وقطع الأخيرة أشواطاً في إنشاء البنى التحتية الاقتصادية التي تفتقر إليها إريتريا، إذ أعلنت العام الماضي عن العمل على إنشاء ثلاثة موانئ جديدة وسكة حديد تربطها بإثيوبيا.