العالم - مقالات
"التهجير القسري" ليس مجرد مصطلح من كلمتين، وإنما مشروع تم البدء بتنفيذه مع دخول السلاح كخيار للتصعيد من قبل الجماعات التي انقلبت على الدولة السورية، ومنذ منتصف العام 2012. حيث وضعت بعض الجهات الاقليمية هذا الملف نصب أعينها للضعط على دمشق. وسخرت لذلك أدوات لها في دول الجوار السوري لهذا الهدف.
المخيمات شيدت على داخل الحدود التركية واللبنانية والأردنية، قبل خروج أي لاجئ أو حتى تهديد حتمي لبقائهم في مدنهم، وكانت هذه المخيمات لاحقاً وجهة المهجرين قسراً سواء بالترهيب أو بالترغيب بعدما اجتاحت الجماعات الإرهابية مساحات واسعة من البلاد، وأجبر مئات الآلاف على مغادرة مدنهم وقراهم ومنهم من اختار الذهاب إلى خارج البلاد.
ولاشك في أن لتلك المخيمات خصوصية تتعدى مهمة إيجادها لإيواء المهجرين السوريين، بل استخدم هؤلاء كورقة تستخدمها الحكومات كشماعة لتحصيل الأموال والدعم الدولي ومن الامم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى استخدام كورقة سياسية وإعلامية للضغط على دمشق.
وبعدما امتلأت الحدود التركية والأردنية واللبنانية، بما عرف بمخيمات اللجوء، طرح في العالم مفهوم جديد وهو "اللاجئ السوري" الذي كان في البداية ورقة رابحة وسرعان ما تغير الأمر وبات عبئا على هذه الدول.
في لبنان الذي يعاني أساسا من أزمة اقتصادية بات اللاجئ السوري يشارك المواطن اللبناني لقمة عيشه، خصوصا أن أجرة اليد العاملة السورية متدنية ولا تحتاج لا لتأمين صحي أو غيره، على عكس المواطن اللبناني، وهو أمر دفع عدد كبير من الشبان إلى هجرة بلدهم بحثا عن عمل، ليس هذا فقط.
لا يمكن إنكار ان بعض المخيمات تحولت إلى بؤر للجماعات الارهابية وعوائلهم الذين يفرون من سوريا، ولم نفاجأ عندما داهم الجيش اللبناني مخيمين في عرسال، واندلعت اشتباكات مع مسلحين فيه وقام أربعة بتفجير أنفسهم.
ما يعني فعلياً أن هذه المخيمات باتت خارج سيطرة الدولة اللبنانية ومصدر خطر على الأمن والاستقرار في لبنان.
في هذه الاثناء تعالت أصوات الشعب اللبناني بالمطالبة بحل جذري للاجئين السوريين، والمقترح الأبرز ضرورة عودتهم إلى بلدهم وخصوصاً أولئك الذين تم تحرير مناطقهم داخل الأراضي السورية.
هنا لا بد من ذكر، أن الدولة السورية من جانبها لطالما عرضت العفو لكل من يسلم نفسه، وهناك أمثلة كثيرة جداً على ذلك بداية من درعا ومرورا بدمشق وريفها وحمص، ووصولا الى حلب. وحتى اللاجئين في لبنان عاد العشرات منهم من عرسال إلى بلداتهم في القلمون مؤخراً بتنسيق خاص بين الجانب السوري والجانب اللبناني. وكثر منهم تمت تسوية أوضاعهم داخل سوريا وعادوا إلى حياتهم الطبيعية.
إذا حتى اللاجئين المطلوبين لأحكام قضائية يمكنهم العودة، فلماذا لا تتحاور الحكومة اللبنانية مع دمشق لعودة الجميع؟ وتكريس ذلك التنسيق الخاص الذي أعاد المئات من عرسال إلى القلمون ليصبح واقعاً حقيقاً ضمن أطر رسمية تعيد الآلاف إلى مدنهم وليس المئات فقط.
وعلى الرغم من أن عودة السوريين في لبنان أو من غيرها إلى بلدهم دونها العديد من العقبات، فعودة الأمان والاستقرار إلى مناطقهم ليست كافية، فكيف سيعود هؤلاء إلى مناطقهم المدمرة بغالبيتها، ودمار البينة التحتية بشكل شبه كامل وعدم الأمل بالعودة والعمل بشكل مباشر، والحياة داخل سوريا بعد 7 سنوات من الحرب ليست كما قبلها، فمن الطبيعي أن اللاجئ في لبنان الذي يتسلم معونات مالية ويتمكن الكثيرون منهم من العمل ولو بأجور متدنية، لن يفكر في العودة إلى المجهول مجدداً.
ورغم ذلك يطرح اللبنانيون هذا التساؤل، لماذا لا يعود السوريون إلى بلدهم، وهو سؤال جاوبه من شقين الأول ما ذكرناه في الأسطر الأخيرة، والثاني يجب سماعه من الساسة في بيروت، لإن دمشق مستعدة لعودتهم لكن هل هم مستعدون للتخلي عنهم؟
وعندما طفح كيل اللبنانيين وطالبوا بضع حد لهذا الملف وبسرعة، قرر مجلس الوزراء مناقشة الأمر، وليته لم يناقشه، حيث باتت بعض التيارات والأحزاب فيه وعلى رأسها تيار المستقبل مثل النعامة التي تدس رأسها بالتراب، وأصرت على مواصلة المتاجرة باللاجئين ومعاناتهم، حيث قالت إنها ترفض الحوار مع الدولة السورية ووصفتها بشتى أنواع الأوصاف غير اللائقة، ونسيت أو تناست المغريات التي قدمها "عقاب صقر" للأهالي من أجل ترك منازلهم، ونسيت عندما اجبر مسلحي ما يسمى بالجيش الحر الأهالي على الخروج وذلك قبل أن تتآكل سيطرة هذا التنظيم وحل بدلا عنه جماعتي داعش والنصرة الارهابيتين، اللتان وجدتا في هذه المخيمات البيئة المناسبة للعيش والتكاثر.
ناهيكم أيضاً، عن أن لبنان يحصل مبالغ ضخمة من الجهات الدولية، تدخل إلى خزينة الدولة كضريبة لإيوائه عدداً ضخماً من اللاجئين السوريين، وأصبحت عشرات المنظمات تنشط على الأراضي اللبنانية وتنفق ملايين الدولارات داخلها على برامج الدعم.
ومن هنا يمكن القول، إن وجود اللاجئين السوريين في لبنان يفيد الكثير من الأحزاب والتيارات التي تحصل المكاسب المالية من وجودهم، وتستفيد من الاموال التي تقدمها الامم المتحدة والتي على ما يبدو لا تصل إلى الدولة اللبنانية، بل إلى جيوب بعض المتنفذين ورؤوساء التيارات.
إذا لا حل لمعضلة اللاجئين، في لبنان غير الحوار بين الدولة السورية وشقيقتها اللبنانية، ولكن لن يتم هذا الحوار بوجود هذه التيارات التي تعتاش على التمويل الاقليمي وتعمل بأشارة منه، ولا تهتم لمشاكل الشارع اللبناني الذي أنهك هو ايضا من مآسي النزوح، وأصبح اللجوء السوري مرآة تفضح إنسانية البعض المزيفة ووصمة عار على جبين المتخاذلين بحق السوريين واللبنانيين ومن جميع الأطراف.
بقلم: ابراهيم شير
102