ومن أبرز هذه القضايا الموقف من الولايات المتحدة واحتمال التخطيط لاستهدافها. فقد حرصت «جبهة النصرة» مؤخراً على تكثيف تصريحاتها الإعلامية الهادفة إلى مخاطبة واشنطن من أجل طمأنتها حول عدم وجود أي نية لديها لاستهداف الغرب عموماً أو استهدافها هي خصوصاً.
ومن أجل ذلك، توالت تصريحات كبار قادتها من تغريدات أبو عمار الشامي على حسابه على «تويتر»، إلى ظهور أبي سليمان الاسترالي على شاشة «سي أن أن»، بالإضافة إلى ما ورد في بيان فك الارتباط على لسان زعيمها أبي محمد الجولاني نفسه، حيث كان القاسم المشترك لكل هذه الإطلالات الإعلامية هو تأكيد اقتصار نشاط «جبهة فتح الشام» على سوريا، وعدم وجود مخططات لديها لاستهداف المصالح الغربية.
غير أن هذا الخطاب المعلن يقابله خطاب آخر يجري تداوله سراً وضمن نطاق محدود قد لا يتعدى معسكرات «جبهة النصرة» ومدارسها الدينية.
ويقوم هذا الخطاب على التحريض ضد الولايات المتحدة انطلاقاً من الفكرة ذاتها التي تبناها زعيم «القاعدة» السابق اسامة بن لادن والتي تقول إن «أميركا هي رأس الأفعى».
ويبدو أن جرعة التحريض ضد واشنطن قد ازدادت في الفترة الأخيرة، وتحديداً منذ إعلان فك الارتباط. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الزيادة تأتي تعبيراً عن صحة المخاوف الأميركية حول سعي «جبهة النصرة» إلى وضع خطط لاستهدافها، أم هي مجرد رغبة من قيادة «النصرة» لاستيعاب تيار داخلها أحبطته التطمينات الموجهة إلى واشنطن ورأى فيها انبطاحاً غير مشروع أمام العدو الأول بحسب أدبيات «القاعدة».
وفي هذا السياق، يجري تداول كتيّب ضمن معسكرات «جبهة النصرة» ومدارسها بعنوان «الابتكار الفنان في استهداف الأمريكان» من تأليف الجهادي المعروف «أبو عبد الكريم الغربي». يتضمن الكتيّب مشروعاً متكاملاً للقيام بعمليات ضد المصالح الأميركية داخل أراضيها.
وميزته الأساسية أنه لا يكاد يختلف في شيء عن خطابات أبي محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم «داعش»، والتي كان يحرّض فيها على استهداف الغرب، خصوصاً لجهة عدم التمييز بين العسكريين والمدنيين، بل إن الكتيّب يحتوي على بعض التفاصيل التي تجعله يتفوق من حيث خياله الوحشي على أفكار غريمه «داعش»، لا سيما أنه أوصى في بعض صفحاته باستخدام الأطفال والمرضى النفسيين والمطلوبين الجنائيين لتنفيذ بعض العمليات.
وينطلق الكتيب من مقولة «أمريكا هي رأس الأفعى» لحثّ أنصاره على عدم الانشغال بالأفرع والذيول، لأنهم «إذا ضربوا الرأس مات الجسد»، مشيراً إلى «أن ضرب أميركا يمنح المنفِّذ مقعداً في أعلى درجات الجنة، لأن ضربها فيه تأييدٌ لمعظم قضايا المسلمين، بينما ضرب غيرها قد لا يكون فيه تأييد إلا لقضية واحدة». ولكن ما العمل لتنفيذ ذلك؟ الفكرة الأساسية هي حث الأنصار على التفكير في طرق ووسائل جديدة (من خارج الصندوق) لتنفيذ عمليات ضد المصالح الأميركية من دون أن يكون بإمكان استخباراتها التنبؤ بها.
لكن الكتيب يضع بعض الأفكار ويقترح بعض الأساليب التي يراها مبتكرة لتحقيق ذلك.ومن أهم الأفكار هي ترك أساليب الاستهداف التقليدية كالمتفجرات والرصاص، فبحسب الكتيّب «لا متفجرات .. لا مشكلة»، فأسطوانات الغاز قد تحل المشكلة، ويشرح الكتيب طريقة استخدام هذه الاسطوانات عبر وصلها مع الكهرباء مع التشديد على وضع غالونات البنزين والشظايا بجانبها كي تحدث أكبر ضرر ممكن.
كما يركز على «استخدام أسلحة الدمار الشامل» المؤلفة من حمض الكبريت وسيانيد البوتاسيوم وبرمنجنات البوتاسيوم. ومن الأفكار أيضاً، التركيز على استخدام السموم، إذ بإمكان «المجاهد» الذي يعمل في فندق أو مطعم أن يضع سماً بطيئاً وذا مفعول غير فوري في طعام الزبائن. ولا يفوت الكتيّب أن ينصح باستخدام الأطفال، سواء بالتجسس أو حتى بقتل «الكفار»، وكل ذلك كما يقول «تحت شعار اللعب والبراءة».
وقد اقترح الكتيّب 25 طريقة لضرب المصالح الأميركية التي ستسهم في النهاية في انهيار الولايات المتحدة حسب ما ورد فيه. وأهم هذه الأساليب هي: تخريب السدود المائية، نسف الجسور، حرق الغابات والمحاصيل الزراعية، التسبب بالازدحامات المرورية (لأنها تؤدي إلى خسائر مادية تقدر بمليارات الدولارات)، إفساد مصادر المياه وتسميمها، تخريب شبكات الصرف الصحي وشبكات تصريف مياه الأمطار، استهداف محطات الكهرباء، استهداف الطائرات عند إقلاعها أو هبوطها دون الحاجة إلى خطفها، تدمير شبكة غاز التدفئة، اختراق شبكات الحاسوب ونشر الفيروسات، تحريض العنصريين والمظلومين والمرضى النفسيين على أعمال الشغب والفوضى، سرقة المصارف والشركات الغنية، إسقاط المباني عبر إحراقها، القيام بعمليات النصب والاحتيال للاستحواذ على أموال الكفار، بيع الغذاء المسموم بسعر رخيص.
المصدر: السفير
106-1